واشنطن تواصل متابعتها بقلق وحذر الأوضاع فى أوكرانيا وتراقب باهتمام نتائج الاتفاق أو الصفقة التى تم التوصل إليها بوساطة أوروبية. الأنظار متجهة إلى كييف لمعرفة ما قد تأتى به الأيام المقبلة. وكيف ستتعامل الحكومة الأوكرانية مع بعض التنازلات التى ستقوم بها وقبلت بها وأعلنتها يوم الجمعة؟ والأمر الأهم كيف ستتعامل موسكو مع كل ما حدث فى الأيام الأخيرة؟ وهل ستقبل الحل التوافقى السلمى أم أنها ستصمم على أن تتمسك حكومة كييف بالمواجهة الأمنية وعدم الخضوع لمطالب المعارضة؟ وقد نقل عن أكثر من مسؤول أمريكى تخوف واشنطن وقلقها وترقبها ما قد يصدر من الرئيس الروسى بوتين عقب انتهاء الألعاب الأوليمبية الشتوية فى سوتشى. على أساس أن الإعلام العالمى بوجوده المكثف فى المنطقة لمتابعة مهرجان الإبهار الرياضى «لا يعطيه الفرصة الكاملة لكى يفعل ما يريد أن يفعله». وأنه هو من جانبه لا يريد تشويه الصورة الجميلة والمبهرة من خلال سوتشى.. ولا يريد إعطاء الفرصة لأى محاولة لتشويهها فى الوقت الراهن. وقد لاحظ المراقبون أن أوباما بشكل عام فضل عدم المواجهة مع بوتين فى الأيام الأخيرة. كما تفادى الانسياق إلى التصنيفات والتوصيفات التى أنذرت بالعودة إلى «زمن الحرب الباردة» و«صراع القطبين وتنافسهما على مناطق النفوذ». إلا أن الإدارة كانت مُنكبة -كما قالت- على متابعة الأمر ومواصلة اتصالاتها المكثفة وتحديدا مع حلفائها الأوروبيين من أجل احتواء الأزمة المتصاعدة. جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكى اتصل هاتفيا ولمدة ساعة كاملة الخميس مع الرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش بينما كانت المفاوضات تجرى بين الحكومة والمعارضة للتوصل إلى اتفاق. بايدن كان وما زال يمثل حلقة الوصل بين واشنطن وكييف. ويذكر فى هذا الصدد أنه اتصل هاتفيا تسع مرات مع الرئيس يانوكوفيتش خلال الشهور الماضية. وبالطبع وكما جرت العادة حرص مسؤولو الإدارة فى تصريحاتهم على القول بأن الاهتمام كان منصبًّا على قيام الشعب الأوكرانى باتخاذ قراراته وحسم اختيارته. كما أن وزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل اتصل هاتفيا بعد ظهر الجمعة بنظيره الأوكرانى بافلو ليبيديف. والأخير (كما ذكر فى بيان صادر عن البنتاجون) أكد لهاجل أن الجيش الأوكرانى لن يتم استخدامه ضد المتظاهرين المعارضين للحكومة. وأن «القوات المسلحة الأوكرانية تبقى حامية للشعب الأوكرانى وأن نشرها داخل البلاد يركز على حماية منشآت الدفاع فيها». و«أن حكومة كييف لن تستخدم السلاح ضد الشعب الأوكرانى». هكذا ذكر البيان. وقد أجريت هذه المحادثة الهاتفية بعد ساعات من إعلان الاتفاق بين الحكومة والمتظاهرين. وكان المتحدث باسم البنتاجون قد ذكر يوم الخميس أن هاجل منزعج للغاية بتصاعد العنف فى كييف مما أدى إلى سقوط قتلى. وكان قد تردد أيضا فى واشنطن فى الأيام الأخيرة أن هاجل وزير الدفاع الأمريكى لم يتمكن من الاتصال والتواصل هاتفيا مع نظيره الأوكرانى.. وأن هاجل حاول عدة مرات ولم يرد عليه ليبيديف! أهل واشنطن وهم يتحدثون عن روسيا ونفوذها المتصاعد يحذِّرون من عواقب هذا التصعيد السياسى والإعلامى وتزايد المواجهة مع واشنطن. خصوصا أن موسكو كانت وما زالت ترى أن واشنطن فى التعامل مع جمهوريات الاتحاد السوفييتى سابقا «تتدخل فى شأن دول الجوار الروسى». وأن واشنطن تريد فرض نفوذها وهيمنتها بمقاييس ومعايير الحرب الباردة. وتأتى هذه التطورات الهامة فى وقت يستعد فيه مايكل ماكفول السفير الأمريكى لدى موسكو لمغادرة روسيا. والاسم المطروح ليحل محله أثار إزعاج الكرملين وصناع القرار الروس على أساس أن جون تيفت الدبلوماسى المتقاعد مؤخرا خدم كسفير لأمريكا فى كل من ليتوانيا وجورجيا وأوكرانيا. وأن هذه الدول الثلاث من جمهوريات الاتحاد السوفييتى سابقا وقد رفضت وقاومت استمرار نفوذ موسكو على أراضيها وفى اختيار قراراتها السياسية والاقتصادية. ولهذه الأسباب قد يضطر الرئيس أوباما إلى اختيار شخص آخر فى هذه المرحلة الحرجة من العلاقات الأمريكية الروسية. ولا شك أن الأيام المقبلة ستشهد جهودا دبلوماسية مكثفة أمريكية لاحتواء مظاهر المواجهة واحتمالات تصعيدها ما بين واشنطنوموسكو. ما حدث فى كييف كان فرصة لا تعوض لمعارضى أوباما وإدارته لكى ينتقدوا وبشدة تردد أوباما وتخبطه و«ضعفه فى حسم الأمور». وقيل إن المطلوب من الرئيس الأمريكى أن يتخذ موقفا لا أن يتفرج كما يفعل الآن؟ خصوصا أن ما يجرى أعاد إحياء أجواء الحرب الباردة والحديث المتكرر عن موسكو «وبطشها الدائم للأصوات المعارضة». وأن ما يحدث فى أوكرانيا هذه الأيام يعيد إلى الأذهان ما حدث أيام الاتحاد السوفييتى فى كل من تشيكوسلوفاكيا والمجر.. الدبابات فى مواجهة أصوات المعارضة. ولم يتوقف الحديث فى وسائل الإعلام الأمريكى عن رغبة الرئيس بوتين وطموحه (كما يقال) فى إعادة إحياء الهيمنة الروسية وبسط نفوذها على الجوار القريب والبعيد لروسيا. وأسئلة عديدة مطروحة فى المشهد الواشنطنى: ما الذى يريد بوتين أن يحققه من خلال الأزمة الأخيرة فى أوكرانيا؟ وما قدرات وإمكانيات الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء فى احتواء مشكلات الجوار خصوصا أن تداعيات الأزمة سوف تؤثر بشكل أو آخر فى ما بعد على دول أوروبا الغربية واقتصادها وتركيبتها السكانية واستقرارها السياسى؟ ولم يتردد المعلقون السياسيون خلال تقييمهم للموقف فى أن يشيروا إلى المأزق الحالى الذى يواجهه واشنطن فى التعامل مع موسكو خصوصا أنها كما قال البعض «فى حاجة ماسة إلى الشراكة الروسية» من أجل التوصل إلى حلول دبلوماسية فى كل من ملفى سوريا وإيران. ومن مصلحة أمريكا الحفاظ على هذه الشراكة!