الإضرابات العمالية المهنية تضرب فى كل مكان، هكذا يبدو المشهد حاليًّا، مع استمرار الفشل الحكومى فى احتواء الغضب الذى يتزايد وينتقل من موقع إلى آخر. الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان، على مستوى الجمهورية، يهددون بإضراب شامل، إلى جانب إضراب النقل العام الجزئى، أمس، والحديث عن دخول كل الجراجات فى إضراب عن العمل من اليوم، ومن المتوقع أن يدخل اليوم أيضًا عمال البريد المصرى فى إضراب، مع إضراب موظفى الأوقاف بمحافظة الغربية، يتزامن ذلك مع الإضراب الذى ينظّمه موظفو الشهر العقارى، بمحافظات القاهرة والجيزة والشرقية والغربية والأقصر وأسوان وأسيوط والمنيا، وفى الشمال حيث اعتصام عمال شركة النحاس المصرية، وعمال الزيوت النباتية بمحافظة الإسكندرية، مع إضراب عمال شركة النيل للطرق والكبارى، واعتصام عمال طنطا للكتان والمراجل البخارية وغزل شبين، بمقر الاتحاد العام للنقابات العمالية، بالقاهرة. العامل المشترك فى كل تلك الإضرابات العمالية والمهنية هو مطلب تحسين ظروف العمل، والحصول على الحقوق المالية التى تعهدت بها الحكومة أكثر من مرة، وكذلك تطبيق الحدَّين الأدنى والأقصى للأجور اللذين أعلنت عنهما الحكومة نفسها وفشلت فى تطبيقهما حتى الآن. ومع تزايد تلك الإضرابات وانتشارها، تظهر الحكومة على طبيعتها «الفاشلة» فى التعامل مع تلك الاحتجاجات، الأزمة الكبرى أن الحكومة تنزل على مطالب العمال فى النهاية، وهو ما يطرح السؤال حول مغزى عناد الحكومة، خصوصًا أنه يؤدّى إلى خسائر كثيرة، خسائر شركة غزل المحلة وصلت إلى عشرات الملايين خلال ال12 يوم إضراب. العمال أنفسهم يتهمون الحكومة بأنها المتسبب الأول فى التحركات الاحتجاجية فى الفترة الأخيرة، لتقاعس الدولة فى النظر فى المطالب العمالية، ولأنها تؤجّل حسم المشكلات العمالية وتتعامل معها بتجاهل، حتى وصل العمال إلى قناعة بأن مطالبهم لن تتحقق إلا بالإضراب عن العمل أو الاعتصام. ويؤكد العمال فى المواقع الاحتجاجية المختلفة أنه لا توجد مؤامرة على حكومة الببلاوى وإنما تقاعسها وفشلها فى التعامل مع الحركة العمالية هو ما أدّى إلى الوضع الحالى. كمال عباس منسق دار الخدمات العمالية والنقابية، يرى أن حكومة حازم الببلاوى من المفترض أن تكون آخر الحكومات التى تتحدث عن أى مؤامرات عمالية ضدها، فهى الحكومة الوحيدة التى أعطاها العمال فرصة كبيرة، فمنذ يوليو 2013 لم يتحرّك العمال إلا هذا الشهر، بينما حاصر العمال مقر الحكومة فى عهد عصام شرف فى الشهر الأول لتوليه منصبه. عباس يرى أن هناك ثلاثة عوامل أدّت إلى تفاقم الحركات الاحتجاجية فى الفترة الأخيرة، أولها الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها الحكومة الحالية، والثانى هو غياب آلية جادة للحوار، والعامل الثالث هو غياب التمثيل النقابى للعمال، والموجود على الساحة نقابات حكومية دورها أن تستدعيها الحكومة للظهور فى الإعلام، والنقابات المستقلة، وهى حتى الآن نقابات ضعيفة، حسب قوله. ولفت عباس إلى أن اعتبار ما يحدث «مؤامرة» أسهل تبرير لما يحدث، لكنه فى النهاية لا يؤدى إلى أى نتائج إيجابية، مشيرًا إلى أن الإخوان أنفسهم عندما كانوا فى السلطة كانوا يواجهون الإضرابات العمالية وساندوا مصطلح «المطالب الفئوية» الذى أطلق على الحركة الاحتجاجية العمالية عقب ثورة 25 يناير. بدوره يرى مجدى عبد الفتاح الباحث العمالى والمدير التنفيذى لمؤسسة البيت العربى لحقوق الإنسان، أن حكومة الببلاوى تسير على نفس نهج حكومات مبارك ومرسى، ولذلك استمرت الاحتجاجات العمالية التى كانت سببًا رئيسيًّا فى ثورة 25 يناير، ولفت عبد الفتاح إلى أن هناك أزمة فى نهج الحكومة الاقتصادى، مما يؤدّى إلى تصاعد تلك الاحتجاجات، وأن خلق أى شماعات من نوعية أن هناك قوى سياسية تحرك تلك الاحتجاجات هو أمر غير واقعى وإن كان بالفعل هناك عمال لهم اتجاهات سياسية وسط العمال، لكنهم ليسوا هم مَن يؤثّرون على التحركات العمالية وأن المحرك الأساسى هو أن العمال لم يحققوا أى مطالب لهم. عبد الفتاح قال إن كل ما تقوم به الحكومة الحالية هو أنها تصرف حوافز أو بدلًا، وهى مسكنات لا حلول نهائية، مشيرًا إلى ذلك تأجيل لأزمة قد تكون كبيرة فى المستقبل القريب، خصوصًا مع الرئيس المقبل والحكومة القادمة، وأعتبر ذلك «لعبًا بالنار» وأنه لا أحد يتوقّع ردّة الفعل العمالية بعد ذلك. من جهته يرى عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، أن الحركات الاحتجاجية التى تنتشر فى البلاد حاليًّا هى نتيجة لمصاعب الحياة والظروف الاقتصادية الصعبة التى يشعر بها المواطنون، ومن بينهم العمال، لافتًا إلى أن هناك دخولًا تنخفض وأسعارًا ترتفع، فبالتالى يتحرّك العمال. وقال شكر إنه التقى المعزول مرسى فى بداية حكمه، وقال له «المحيطون بك يقولون لك إن الإضرابات العمالية الحالية مؤامرة عليك وهذا غير صحيح وأن هؤلاء العمال منحتهم الثورة أملًا كبيرًا فى التغيير وخلقت لهم عالمًا سعيدًا وإن لم يتم التعامل مع تحركاتهم على هذا القدر سيكون هناك خطر على الحكم نفسه»، وتابع شكر بأن هذا الحديث يمكن أن ينطبق على الوضع الحالى.