عن عمر يناهز 77 عاماً رحل عن عالمنا الشاعر اللبناني الكبير أنسي الحاج، بعد صراع مع مرض السرطان، أجبره على التقاعد في منزله منذ شهرين، وهو أحد أهم شعراء قصيدة النثير في العالم العربي، الذي نشر ديوانه الأول "لن" عام 1960، بجانب تاريخه الطويل في العمل الصحفي. ولد أنسي الحاج عام 1937، وتلقى تعليمه في مدرسة الليسيه الفرنسية، ثم معهد الحكمة ببيروت، بدأ ينشر قصصاً قصيرة وأبحاثاً وقصائد منذ 1954 في المجلاّت الادبية وهو طالباً بالمرحلة الثانوية، وبدأ عمله الصحفي في جريدة الحياة، ثم جريدة النهار، منذ عام 1956، كمسؤول عن الصفحة الادبية، ثم استقر في "النهار" حيث حرر الزوايا غير السياسية لسنوات ثم حوّل الزاوية الآدبية اليومية إلى صفحة آدبية يومية. في عام 1964 أصدر الملحق الثقافي الاسبوعي عن جريدة "النهار" وظلّ يصدره حتى 1974وشاركه في إصدار هذا الملحق خلال النصف الأول من هذه المرحلة شوقي ابي شقرا، كما ساهم مع يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة "شعر". صدر للشاعر الراحل ستّ مجموعات شعرية "لن" عام 1960، "الرأس المقطوع" عام 1963، "ماضي الايام الآتية" عام 1965، "ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة" عام 1970، "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" عام 1975، وأخيراً "الوليمة" الذي صدر عام 1994 وله كتاب مقالات في ثلاثة اجزاء هو "كلمات كلمات كلمات" صدر له عام 1978، وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو "خواتم" في جزئين، ومجموعة مؤلفات لم تنشر بعد. تولى الحاج رئاسة تحرير العديد من المجلات إلى جانب عمله الدائم في "النهار"، وبينها "الحسناء" عام 1966 و"النهار العربي والدولي" في الفترة بين 1977 و 1989، كما نقل إلى العربية منذ عام 1963 أكثر من عشرة مسرحيات لشكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريخت وغيرهم، وقد مثلتها فرق مدرسة التمثيل الحديث، ونضال الأشقر وروجيه عساف وشكيب خوري وبرج فازليان. في عام 2007 صدرت الأعمال الكاملة لأنسي الحاج في طبعة شعبية، في ثلاثة مجلدات ضمن سلسلة "الأعمال الكاملة" عن "هيئة قصور الثقافة"، حيث ضمّ المجلد الأوّل: "لن"، و"الرأس المقطوع"، و"ماضي الأيام الآتية"، فيما ضم الجزء الثاني "ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالوردة؟"، و"الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع"، و"الوليمة"، بينما حوى الثالث كتاب "خواتم" بجزأيه. وكان الشاعر عبد المنعم رمضان قد كتب مقالاً عن الشاعر اللبناني الراحل، في عدد بجريدة أخبار الأدب بعنوان "كلام غامض إلى أنسي الحاج"، كتب فيه "لكن أنسي الشاب الذي كان بلا أسلاف عرب، والذي أراد أن يكون أخلافه خصومه، كانت راديكاليته سبباً في عزلته، فالثقافة العربية تحب نصف الراديكالي، وتهيئ له المسرح، وتوزع صورته كبيان افتتاحي. فعلت هذا مع السياب وجعلته أميراً علي قصيدة التفعيلة في زمن ريادته. وفعلت هذا مع محمود درويش وجعلته أميراً تالياً في الزمن التالي. وأيضاً فعلت هذا مع الماغوط، وجعلته الأمير علي قصيدة النثر. الماغوط الذي لم يصطدم اصطدام أنسي مع القول الشعري، والذي لم يقم مثله بتحريف التجريب وتجريفه، وتحويله إلي تخريب حيوي مقدس أو مدنس، الماغوط الذي امتلأت الأرض العربية بأطفاله امتلأت بسلالته، الأصح بسلالاته، أغلبها مشوه. الماغوط الذي تناسب غضبه مع حجم الغضب الذي تقبله ثقافته، فصار غضبه بمقاس التابوت الذي أعدته هذه الثقافة لأعلامها. التابوت الذي يصعد كعنوان لحياة الماغوط الطيب. بعد ماضي الأيام الآتية، أحس أنسي بالتعب، فكان أصغر الشعراء الشيوخ، وكتب «ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة»، وكتب «الرسولة بشعرها الطويل حتي الينابيع»، وكتب «الوليمة»، و «الوليمة»، و «الوليمة»، وفيها جميعاً تأكدت سنوات عمره بخطابه الرسولي العارف، والمنتظر للمخلص، تأكدت سنوات عمره باعتماد النفس الغنائي، لم يكن موجوداً من قبل، باعتماد التكرارات لصناعة هذا النفس، لم تكن موجودة من قبل بالبحث عن المشترك العام، عن الوعاء العام، سواء في المسيح، أو في الشعور بالخيبة، أو في الحب العاطل من الأنا العميقة، أو في الترنيم".