بعد أن تعثر «جنيف 2» وفى محاولة أخرى للإبقاء على الحل الدبلوماسى اتجهت الجهود الدولية والاهتمام العالمى فى اليومين الماضيين إلى نيويورك. حيث الأممالمتحدة وجهود تفاوضية تُبذل «لعل وعسى» من خلالها أن يتم التخفيف من حدة الكارثة الإنسانية التى تشهدها سوريا. وكان جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى قد ذكر فى تصريحات صحفية خلال جولته الآسيوية أن الرئيس أوباما طالب بخيارات جديدة للتعامل مع الأزمة السورية. إلا أن بعد ساعات قليلة من هذه الإشارة إلى «خيارات جديدة» والجدل حول فحواها وجدواها جاء جاى كارنى المتحدث باسم البيت الأبيض لكى يقول إن ما قاله كيرى لا يجب تفسيره بإمكانية الإعلان عن «مراجعة جديدة» للتعامل مع الملف السورى. المتحدث باسم البيت الأبيض أقر من جديد بوجود إحباط بسبب عدم تحقيق أى تقدم ملموس فى «جنيف 2» مضيفا أن الرئيس كعادته وهو يتعامل مع سياسات الداخل والخارج «يبحث عن بدائل أخرى». وبالتالى ما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض هو إقرار بما قاله أوباما منذ أيام بفشل الدبلوماسية وبضرورة مراجعة وإعادة تقييم السياسة الأمريكية بخصوص سوريا إلا أن كارنى نفسه نفى أو لم يؤكد ما ذهب إليه كيرى من أن خيارات أخرى سيتم طرحها وبالتالى سياسات أخرى قد يتم تبنيها فى المستقبل القريب. كيرى كان يطرح بديلا متفائلا وفيه تحليق جديد للحل الدبلوماسى فجاء المتحدث باسم البيت الأبيض ليعود بكيرى وأهل واشنطن إلى أرض الواقع وحيرة أوباما وتخبط الإدارة وعجزها فى إيجاد مخرج للأزمة السورية. وكما جرت العادة بالنسبة لهذا الملف الشائك فإن واشنطن انتقدت موسكو ودورها فى استمرار «عناد» النظام السورى وعدم استعداده لتقديم تنازلات تصل بالأطراف إلى حل سياسى. فى حين تنتقد موسكوواشنطن بل تتهمها بأن ما تريده واشنطن وما حاولت تحقيقه من خلال «جنيف» هو إطاحة أو خلع الرئيس الأسد والتخلص منه. وترى موسكو أن الطرفين يجب أن يتفاوضا أولا على وقف لإطلاق النار قبل الحديث عن الانتقال السياسى. وكان سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى قد قال يوم الجمعة منتقدا واشنطن والمعارضة السورية: «إن الشىء الوحيد الذى يريدون التحدث عنه هو إقامة إدارة حكم انتقالى» واللوم المتبادل والمتجدد بين واشنطنوموسكو اشتد فى الأيام الأخيرة مع تعثر جنيف وتباطؤ النظام السورى فى تسليم السلاح الكيماوى وفشل الأطراف السورية فى طرح بدائل سياسية توافقية تُخرجهم من الأزمة الحالية. والأهم بالطبع استمرار المأساة ونزوح اللاجئين وتدهورالأوضاع أكثر فأكثر. واشنطن ترى دائما وتقول دائما إن موسكو فى استطاعتها أن تضغط على الأسد ونظامه إن أرادت ذلك. وجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكى أوباما ناقش وتشاور حول سوريا فى لقائه مع الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند وأيضا فى لقائه مع العاهل الأردنى الملك عبد الله يوم الجمعة الماضى. وفى سياق متصل كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» فى عددها الصادر أمس (السبت) أن السعودية وافقت على إمداد معارضى النظام بأسلحة متطورة تتضمن صورايخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف(صناعة صينية) وصواريخ مضادة للدبابات (صناعة روسية). وذكرت الصحيفة أن هذه الخطوات من السعودية ودول أخرى من حلفاء أمريكا فى المنطقة جاءت بعد أن أصابها اليأس تجاه ما لم يتحقق فى جنيف ومن خلال الدبلوماسية. وقد نقلت «وول ستريت جورنال» أخبار إمداد المعارضة بالمزيد من الأسلحة وأيضا إمدادهم بالملايين من الدولارات من الولاياتالمتحدة كمرتبات لقادة وأفراد المعارضة السورية المسلحة من خلال دبلوماسيين غربيين وعرب وشخصيات بالمعارضة. وحسب ما نقلته الصحيفة الأمريكية عن قادة معارضين سوريين أنهم التقوا أفرادا من المخابرات الأمريكية والسعودية وآخرين فى الأردن يوم 30 يناير الماضى. وأن الأسلحة المتطورة التى تم ذكرها فى عملية الإمداد الجديدة موجودة حاليا فى مخازن بالأردن وتركيا. ومن المقرر أن تتم لقاءات بين قادة من المعارضة السورية وقيادات بالكونجرس خلال الأسبوع القادم للحديث من جديد عن تسليح المعارضة أو مدها بأسلحة متطورة تزيد من قدرتها على مواجهة النظام. وبالتأكيد لم يعد سرًّا أن قيادات الكونجرس منقسمة حول هذا التسليح خصوصا أن الموافقة على إمداد الأسلحة لن يضع حدا للمأساة الإنسانية ويعنى المزيد من إراقة الدماء وسقوط القتلى. والأمر الأكثر خطورة بالنسبة لمن يعارضون إرسال المزيد من الأسلحة هو أن لا أحد يستطيع أن يتحكم فى مصير هذه الأسلحة وكيف أن تلك الأسلحة فى نهاية المطاف قد تقع فى أيدى العناصر الجهادية الراديكالية «تصول وتجول الآن فى الأراضى السورية» و«تلّوح بإقامة إمارات إسلامية على امتداد المنطقة». ولا شك أن إدارة أوباما فى موقف لا تحسد عليه خصوصا أن الأوضاع فى سوريا تزداد سوءا وتعقيدا. وواشنطن من جهتها تزداد «حيرة» و«تخبطا» و«عجزا» فى التوصل إلى حل سياسى يوافق عليه كل الأطراف المشاركة وأيضا المعنية فى الملف السورى. الحل العسكرى غير وارد ومستبعد وأيضا «غير مطروح» وبالتأكيد «غير مجد». كما أن موسكو وطهران كما يبدو من هنا لهما تصور آخر لسوريا فى المستقبل القريب لا يتوافق مع ما سعت إليه واشنطن أو تسعى إليه بخصوص مصير الأسد وإنقاذ الوضع السورى وتوازنات القوى فى المنطقة!!