أسم الفيلم هو محاولة لقلب الجملة الشهيرة التي تقال في بداية الإرتباطات الرسمية: "بنشتري راجل"، لتأتي بطلة الفيلم لتعن بأنها تريد حقاً أن تشتري "راجل"، والأكيد أن الفيلم يحاول قلب القيم التقيدية في المجتمعات الشرقية، حيث الرجل هو من يدفع لشراء زوجة أو بمعني أخر لتكوين أسرة، فيأتي الفيلم ليقلب هذه المنظومة حي البطلة تريد أن تشتري رجلاً لغرض أخر؛ قد تكون قصة الفيلم بسيطة جداً بحبكة درامية تقليدية، وسيناريو ربما ليس مترابطاً ومتوقعاً أكثر من اللازم، ومهمشاً لبعض الشخصيات الثانوية التي لا تظهر إلا في بعض مشاهد وتختفي، ولكن كانت هناك عوامل أخري رجحت كفة الفيلم مثل جودة الصورة والإضاءة والألوان المتناسقة للمشاهد. تدور الأحداث حول فتاة (شمس/ نيللي كريم) في نهاية عقدها الثالث، ناجحة مهنياً ولاتريد الزواج، ولكن فجأة تطغي عليها غريزة الأمومة والسعي لأمتلاك طفل، فتنشر أعلان تطلب فيه مُتبرع لعملية تبويض لقاء مبلغ مالي مُغري بشروط، ويقع أختيارها علي (بهجت/ محمد ممدوح) الطبيب البيطري الذي يقبل علي مضض بسبب تعثره مالياً وهرباً من الديون، وتبدأ الأحداث. إن ما يميز الفيلم هذا عن غيره هو ما يمكن أن نطلق عليه: (الرومانسية الواقعية)، فيلماً بعيداً عن فوضي أفلام الحركة الرخيصة أو أفلام الكوميديا المُبتذلة، هو بالتأكيد ليس فيلماً رومانسياً، بعيداً عن المثالية التي أشتهرت بها الأفلام الرومانسية، قد يظهر هذا للوهلة الأولي في ملامح بطلى الفيلم، فالبطلة يظهر عليها علامات التقدم في السن، جديتها الصارمة، تفانيها في العمل والتعامل ببرود ليس فقط مع الجنس الأخر ولكن مع النساء أيضاً، والبطل البعيد كل البعد عن كل ملامح الوسامة التي يتميز بها أبطال الأفلام الرومانسية، أولئك الذين يقعن في فتنتهم النساء، شخص غير وسيم، ممتلئ الجسد بصوت أجش وخشن، ولعل أمتلاء جسده هو إنتصار للواقعية وللأجساد الحقيقية، تلك الأجساد الواقعية العنيدة والمتمردة لأنها تقاوم وتناضل ضد الأكاذيب والوعود التي تروج لها دور الموضة وعروض الأزياء والإعلانات التجارية، التي سلعت الأجساد، فعكست صورة مضللة عند الجنسين مفادها أن فتاة/فتى الأحلام يجب أن يكون مثالي في الشكل والشخصية، فأولئك هم من يستحقون الحب؛ وتلك النمطية في التفكير هي ما يحاول الفيلم تحطيمها بواقعية شديدة. ولعل بطلى الفيلم لم يكونا مثاليان في أي شيء، ف "هي" تكره الرجال والعلاقات، وتدفعها رغبة الأمومة وأمنية أمتلاك طفل لشراء (حيوانات منوية) من أحدهم لقاء مقابل مادي، وهي نظرة توضح مدى أحتقارها للرجال، بوصفهم جنس"منحط" لا يصلح سوى للأخصاب؛ و"هو" فاشل مادياً، متعثراً في الديون، يعيش مع صديقته بلا زواج لأنه يكره المسئولية، فقط كل متعه الحياتية تتلخص في الطعام والموسيقي، تقودهما الأقدار لأن يلتقيا علي صفقة أو بمعني أخر مقايضة، طفل مقابل أموال لتسديد الديون. هي بالتأكيد صفقة تعبر عن ما آلت أليه العلاقات الإنسانية، في زمن يتسم بالسيولة في كل شيء، والخوف من الحدث "الحب" الذي من الممكن أن يغير حياتك أو يقلبها رأساً علي عقب، فنحن اليوم نريد أن نحب دون الوقوع في الحب، مواقع التعارف ومواقع التواصل الإجتماعي تساعدنا في أختيار مواصفات شريك لعلاقة قصيرة الأجل، ماذا يحب أن يأكل، توجهاته السياسية، ناديه المُفضل، ندرس كل شيء كما فعلت (شمس)، نجذب العلاقات الإنسانية لمنطقة الآمان تماماً كما نفعل عندما نريد أن نحتاج سكر، فنشرب سكر بلا سعرات حرارية، قهوة بلا كافيين، شعير بلا كحول، لبن خالي من الدسم، نريد أن نربح كل شيء ولا نخسر شيء. في منتصف الفيلم مشهد رومانسي، يبدأ بأغنية تحبها (شمس) وينتهي بأعتراف كلاً من الطرفين بأشياء تعريهم، تعترف (شمس) بأن كل ما تفعله هو بسبب فقدانها للثقة من ناحية الرجال، إن إقدامها علي هذا الحل المجنون كان بدافع التخلص من ضغط الأسرة والمجتمع عليها بضرورة الزواج، وخوفها من فقدان الأمل بأن تصبح أم يوماً ما، لذلكتريد أن تمتلك طفل ولكن بلا أب، ربما هي فكرة مجنونة؛ ولكن هل يوجد نساء غير مجنونات؟! وفي المقابل يعترف (بهجت) بأنه كأغلب الرجال، لا يعرفون الإخلاص، ولكنهم بحاجة إلي الغفران والتسامح، بحاجة إلي امرأة تُحب وفي نفس الوقت تكون أم تغفر، ويمكن أن يكون هذا المشهد ملائماً لوجهة النظر التي تقول بأن الرجال يفكرون في الجنس أكثر، والنساء يفكرن في الحب أكثر، وهكذا لولا النساء لما بقي الحب في العالم؛ فأن صحت وجهة النظر تلك فسوف يبدو لنا بأن الحب صناعة أنثوية بأمتياز، وتلك الصناعة مرتهنة علي مغامرة غير مأونة العواقب، تحفها المخاطر من كل جانب، وتعتمد علي الحظ والصدف غير المضمونين، وهنا تكمن دراما الفيلم، ودراما الأنثي، ودراما الحياة نفسها. إذا نحينا الصور والمشاهد واللقطات جانباً، سنجد فيلماً يتحدث في جوهره عن شيئان، الرغبة والحب، الرغبة في الإمتلاك، الرغبة في الإستهلاك، الرغبة في إشباع الغرائز، الرغبة في إستمرار الحياة بنمط معين بلا أي عقبات، والحب الذي يظهر كعائق أمام كل هذه الرغبات، الحب بوصفه مسئولية ورعاية وحرص، يتجاوز حدود الرغبات ويستوعب الذات الإنسانية؛ ولكن في زمن مثل هذا الزمن هل ينتصر الحب حقاً علي الرغبات؟. لربما تكون الأجابة هي "لا". ولذلك وجدت السينما ووجدت هذه الأفلام التي تنتصر للحب، لأن الحب ليس أختيار، فالحب كما صوره الفيلم هو السقوط دون إرادة، الوقوع في الحب تماماً مثل لعبة الشطرنج، ليس عليك أن تختار أن تحرك القطع بشكل صحيح، ولكن أن تكون مستعداً دوماً لأن تخسر اللعبة بأكملها، أو تربحها، كما حدث ل (شمس) و(بهجت).