الفنان الكبير الراحل محسن شعلان تعرض فى سنوات عمره الأخيرة للظلم، بعد الحكم عليه بالسجن، حيث أدين بالإهمال فى قضية سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» لفان جوخ من متحف محمد محمود خليل فى فترة رئاسته لقطاع الفنون التشكيلية. نال محسن شعلان حريته بعد أكثر من عام قضاها مسجونا، لكنه كان عاما مثمرا، فتجربة السجن والحرمان من الحرية لم تكن سلبية بقدر ما فجرت بداخله مزيدا من الإبداع، عمل خلالها على الرسم كوسيلة للتنفيس عن الغضب والثورة المشتعلة بنفسه، وحاول أن يجد مخرجًا من إحساسه بالقهر والهزيمة بالرسم ليوصل صرخاته المكتومة بعد إدانته بشكل مفاجئ، فرسم «القط الأسود» موصلا رسالة صادقة ومعبرة عن اليأس والفأل السيئ الذى لحق به وامتثالا لنصيحة صديقه الشاعر عبد الرحمن الأبنودى الذى كان يحثه دوما على مواصلة الرسم دون توقف، ووقفت جريدة «التحرير» بجواره وفتحت له صفحاتها إيمانا منها بقيمته وتعرضه للظلم، وكان يكتب مقالاً فى صفحتها الأخيرة مقترنا بإحدى رسوماته البديعة. بعد خروجه من السجن أقام معرضه بعنوان «القط الأسود.. تجربة سجن» ليحكى من خلال المعرض مراحل الأزمة التى مرت به منذ اليوم الأول لترحيله إلى السجن، مشيرا للقط الأسود الذى اختاره كتيمة لمعرضه دون قصد، ليجد بعد ذلك قططا سوداء أمام محبسه فى سجن العقرب معتبرها مفارقة غريبة. وأعلن ندمه على كل ما قدمه للعمل العام، وقال: «العمل العام الذى أعطيته حياتى كان خطأ، أنا راض تماما عما أنجزته، لكننى فى الأصل فنان، ربما أكون ضللت الطريق، لكن الفنان فى الأساس خلق من أجل الإبداع وليس من أجل الوظيفة المقيدة للحرية، وقال «غبى من يريد سجن فنان لقهره، لأنه يقوم بسن قلم لا قصفه». كان محسن شعلان قد تعرض للاتهام والمساءلة فى غضون اختفاء لوحة «زهرة الخشخاش» من متحف محمود خليل فى أغسطس من العام 2010، وعلى أثر ذلك دار جدل شديد بينه وبين وزير الثقافة وقتها فاروق حسنى، يتهم كل منهما الآخر بالمسؤولية تجاه اللوحة التى اختفت فى ملابسات غامضة وكانت تقدر ب5 ملايين دولار، وفى تحقيقات النيابة اتهم شعلان فاروق حسنى، بالإهمال والتسبب فى سرقة اللوحة، لإهداره عشرات الملايين على المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارة، وتجاهل طلبه توفير 40 مليونا لإصلاح وتجديد الأنظمة الإلكترونية لبعض المتاحف، واتهمه بالإسراف على حملة دعاية الوزير لانتخابه أمينا عاما ل«اليونسكو» بدلا من إنقاذ المتحف وبقية متاحف مصر التى عانت الإهمال، وفى أبريل من العام 2011 عاقبت محكمة جنح مستأنف الدقى، الفنان محسن شعلان، وكيل أول وزارة الثقافة، ورئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق، بالحبس لمدة عام لمدة عام واحد مع الشغل والنفاذ إثر إدانته بالإهمال والقصور والإخلال فى أداء واجباته الوظيفية الأمر الذى تسبب فى سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» للفنان الهولندى العالمى فان جوخ من متحف محمد محمود خليل. ليقضيها داخل السجن فتولد معه تجربة فنية جديدة جعلته أشد صلابة رغم معاناته من الظلم الوظيفى الذى وقع عليه واتهام الجميع له بالإهمال فى المواجهات التى تمت بينه وبين «فاروق عبد السلام» مستشار وزير الثقافة وألفت الجندى رئيس الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية الذين وجهوا له الاتهام بأنه المسؤول الأول عن الإهمال الذى تسبب فى سرقة اللوحة لأنه لم يدرج خطة تطوير للمتحف فى الموازنة، ودافع شعلان عن نفسه وقتها وقال إنه خاطب الوزير أكثر من مرة وأخبره أن الكاميرات متهالكة وحالة المتحف سيئة، وأكد أن الوزير هو المسؤول الأول، وأنه أى شعلان «كبش فداء» فى هذه القضية. كان شعلان يعانى داخل سجنه من الإهمال وكان مستاءً من نقد الكتاب وعدم تضامن الفنانين معه ورفضهم توقيع وثيقة التضامن التى طلب منهم نجله الوقيع عليها وكان يقول عن مواقف زملائه بأنها مثل طعنات السكاكين. وفى معرضه الأخير وقف حزينا معتذرا لفان جوخ صاحب لوحة الخشخاش، حيث شاءت الظروف أن يوضع اسمه على لوحة كانت السبب فى سجنه، موجها رسالة ل«زهرة الخشخاش» قائلاً: «لا تعودى حتى لا أُحبط وأشعر أنى سُجنت تماما دون ذنب، سجنت دون ذنب بالفعل ولكن رجوعك سيحبطنى، وأشعر أن سبب السجن انتفى، لا تعودى لمجتمع أهان فنانا، لا يشرفك البقاء هنا، لا يشرفك أن تظلى فى مجتمع يحاكم فيه الفنان بالسجن على ضياع لوحة، فإذا كنت فى مكان يحترم الفنان فابقِ كما أنت ولا تعودى إلينا».