"أم مسعد" سيدة كفيفة، عمرها 93 عامًا، تذهب إلى سوق بهتيم صباح كل يوم لتبيع الخضار (جرجير وبقدونس)، ألحت ابنتها عليها كثيرًا للجلوس بالمنزل، لظروف مرضها وكِبر سنها إلا أنها ترفض، "عايزة أقعد وسط الناس وأحس إني عايشة".. هكذا ترد على ابنتها، وتُزيد على ذلك "عشت 60 سنة في السوق وسط الناس، ليه عايزين تحبسوني قبل ما أموت.. قعدة البيت وحشة وبحس إني قاعدة مستنية موتي". تستجيب ابنتها "أم محمد" لها، وتذهب إليها صباح كل يوم في الساعة الثامنة، يفطران سويًا وتصطحبها من غرفتها القريبة من السوق، لتجلس تبيع الخضار، وتجلبها ابنتها من السوق قبل صلاة العصر بقليل، إلى أن تم تداول فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء جلوسها بداخل كرتونة تتحسس الخضار أمامها، بروايات مختلفة، وألقاب عديدة، فتم تسميتها "سيدة الكرتونة" أو "البائعة الكفيفة"، وتعاطف معها الآلاف. "أمي مش محتاجة مساعدة من حد، ولادي مابيروحوش الشغل من ساعة ما شافوا الفيديو، إنتوا مستكترين عليها تعيش بسلام في آخر أيامها".. بتلك الكلمات بدأت ابنتها "أم محمد"، 58 عامًا، حديثها ل"التحرير". وأضافت أنها فوجئت، صباح اليوم السبت، بعدد من القنوات الفضائية أتوا للتسجيل معها، مستغلين مرضها، وسجلوا معها دون علمنا، بعد أن أوهموها بأنهم موفدين من تلفزيون الدولة، وبصدد تسفيرها لأداء رحلة عمرة، وبالرغم من أنني رفضت بشدة التسجيل معها، إلا أنهم أغلقوا الباب خلفهم، حتى استغثت بعدد من الجيران لطردهم، لكن بعد فوات الآوان وتم التسجيل معها، ولا نعلم ما سيقولونه في تقريرهم. وذكرت "أم محمد": "منذ تداول الفيديو منذ يومين، وأهل الخير يتوافدون على المنزل باستمرار من جميع أنحاء الجمهورية، وحضر إلينا ناس من بنها والزقازيق ومن صعيد مصر، للتبرع لها بمواد غذائية وملابس ونقود، وبالرغم من رفضنا لتلك المساعدات إلا أن أهل الخير يلحون على تركها، وحضر عدد من أعضاء جمعيات حقوقية، وصوروها لاستخراج جواز سفر لها، وتسفيرها لأداء رحلة عمرة لها ولي كمرافقة لها". وأوضحت: "والدي طلق أمي منذ 45 عامًا، وتركنا أنا وأخي الصغير، دون أن يصرف علينا، وربتنا والدتي من بيع الخضروات بسوق بهتيم، حتى كبر أخي وسافر للعراق للعمل هناك منذ 25 عامًا، وانقطعت عنا أخباره، حتى تم التواصل معه منذ 7 سنوات، لكننا لم نراه إلا حين استلام جثته بالمطار، إذ توفى بالعراق"، متابعة: "كانت والدتي ترى بعين واحدة، وفقدت الإبصار تمامًا منذ 5 سنوات، ومنذ أن فقدت بصرها، وهي ترفض ترك العمل والجلوس بالمنزل، كما ترفض العيش معي بالمنزل التي تمتلكه وبنته من تعبها وكدها، معللة ذلك بأن الغرفة التي تعيش بها تذكرها بأخي والتي فقدت عينها حزنًا على فراقه". وتستكمل الابنة: "والدتي لها معاش 280 جنيهًا في الشهر، ترفض أن تأخذه وتعطيه لي للمساعدة في علاج حفيدي، الذي يعاني من مرض نادر بالمخ، وبالرغم من أننا مستورين إلا أن الفيديو الذي تم تداوله أضرنا كثيرًا، لكنه كشف عن معدن المصريين الأصيل، وبالإضافة إلى تبرع أهل الخير لها، أحضر بعض الشباب نقاش لتبيض غرفتها، وأثاث جديد لها وسيتم استلامه، غدًا الأحد". وتقول أم أحمد، جارتها بالسوق: "إحنا نعرف أم مسعد من زمن، وتجلس بعض الأوقات داخل كرتونة لتدفئتها، شأنها شأن عدد كثير من البائعين لمواجهة برد الشتاء"، والتقط طرف الحديث أحمد عصام، جارها بالمنزل: "كل الناس عارفة أم مسعد وكتير عرضوا مساعدتها لكنها كانت بترفض، ولو شافت حد من عيالي بتديله فلوس يجيب حاجة يشتريها".