في لحظة تصدرت قصة "هدير مكاوي"، اهتمامات المصريين على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".. تلك الفتاة التي تزوجت عرفيًا من رجل رفض الاعتراف بطفلهما "آدم"، كما تروي. ورغم مقاطعة أهلها لها، تمسكت برضيعها، ما جلب تعاطف البعض معها، فيما أصر آخرون على "إدانتها"، بدعوى مخالفتها لتقاليد المجتمع. تلك القصة فتحت الباب مجددًا أمام الجدال حول مشروعية الزواج بدون موافقة "الولي".. ونرصد في التقرير التالي الآراء الفقهية حول هذا الأمر. الزواج بدونه "باطل" يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، إن عقد الزواج الصحيح الشرعي له مكونات لابد من توافرها، وغياب أي من تلك الأركان يبطل عقد الزواج، معقبًا: "من أركان صحة الزواج من منظور الشرع الحنيف - توافر القبول والرضا بين الزوج والزوجة، فضلا عن تحديد مقدار الصداق، أي المهر، مع عدم الأخذ في الاعتبار مقدار الكم، فقد يكون المهر نقديًا أو عينيًا أو على هيئة منفعة، وكذلك توافر الشهود للعلانية". وأضاف كريمة، ل"التحرير"، أن الزواج على يد مأذون ليس شرطًا لصحة الزواج، ولا يتعد سوى عمل إجرائي إداري يحفظ حقوق الطرفين، مؤكدًا أن موافقة الولي من أركان صحة الزواج، وحال تعارض رغبة الفتاة مع "الولي"، فعليها أن تسير على رغبته؛ باعتباره الأكثر دراية ومعرفة بأمور الحياة، وأن تستمع لمشورته في ذلك الصدد. وتابع: "الشرع حدد في حالة إصرار الفتاة على الزواج من شاب، على عكس رغبة الولي، أن تذهب للقاضي كي يزوجهما، وأن كان ذلك لا يعمل به على أرض الواقع، ولكن ذلك من منظور الشرع، ولا صحة لزواج بدون موافقة الولي إعمالًا لقول الله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)، ومصداقا لقول الحبيب المصطفى (ص)، (لا نكاح إلا بولي)، والزواج بدون ولي عند جمهور الفقهاء باطل". ولفت إلى أن حديث البعض بأن الزواج في أيام الرسول، كان بقبول الطرفين فقط، لا يمكن الأخذ به حاليًا؛ نتيجة اختلاف الظروف عن الماضي؛ فالمجتمع ينعم بمحررات رسمية في وزارة العدل، والدليل على الأخذ بما يقره المجتمع وركب الحضارة أنه في عهد الرسول لم تكن موجودة دواوين مستحقي الزكاة، وعندما أتى عُمر بن الخطاب، أخذ بنظام الدواوين ولم يقل أن ذلك الأمر غير متعارف عليه أيام النبي، وذلك إعمالا لقول الله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، معقبًا: "طاعة ولي الأمر هنا تشمل طاعة القائمين على أمر الفتاة، وأيضا السير على نهج الطرق المتبعة في الزواج من ناحية التوثيق وغيرها". لا تشترطه "الحنفية" من جانبه، ذكر الدكتور إبراهيم رضا، أحد علماء الأزهر، وعضو الاتحاد العالمي لحوار الأديان وحقوق الإنسان، أن الأصل عند جمهور العلماء "لا نكاح إلا بولي" "رضا" أوضح في حديثه ل"التحرير"، أن الإمام أبو حنيفة، أجاز في مذهبه للمرأة العاقلة المتزنة، التي تعي مُجريات الأحداث والواقع، أن تزوج نفسها دون "ولي"، شريطة وجود شهود على الزواج، حتى وإن كان الزواج غير مبرم بعقد، وإنما تم عبر القبول بين الطرفين، كقول "زوجتك نفسي.. فيقول وأنا قبلت"، مؤكدا أن العلاقة الحميمة بين الطرفين ليست بزنا وأنما زواج عند "الحنفية". وأشار إلى أنه حرصًا على سلامة المجتمع، وحفاظًا على الحقوق، أجاز الله ل"ولي الأمر"، أن يستحدث من القوانين والمحررات الرسمية سواء في الزواج أو غيره، أن تُسن قوانين تحفظ المصلحة العامة، مكملًا: "لا يليق أن تتزوج الفتاة بزميلها في الجامعة، ثم تدخل على أهلها وهي حامل وتقول تزوجت.. هذا بمثابة زنا عند جمهور الفقهاء". وأوضح أن مقاصد الشرع الحنيف ألزمت لكي يصح الزواج عند جمهور الفقهاء، وتعاليم الشريعة الإسلامية، توافر القبول بين الطرفين والإعلان، وكذلك شهود وفي حضور ولي الأمر، وتوثيق عقد الزواج حفاظا على الحقوق، مبيَّنًا أن الخروج عن تلك الطرق يُشكك في شرعية الزواج، أما حالات الزواج بدون عقد أو شهود يُعد زنا فاحش، حتى ولو قالت له "زوجتك نفسي"، فلابد لصحة الزواج عند "الحنفية" توافر الشهود. الزواج صحيح في حين، هاجم الشيخ محمد عبد الله نصر، والملقب ب"الشيخ ميزو"، الفتيات اللاتي تتزوجن دون عقد مبرم، واصفًا تلك الحالات بأنها "لعب عيال"، مردفًأ: "التعلل بأن أيام النبي (ص) كان يحدث ذلك، أمر لا يتماشى مع صحيح الشرع، لأنه في مجتمع به 90 مليون، بينهم أشخاص بذمم فاسدة، فلابد من توثيق الزواج بكتابة عقد؛ حفاظًا على المصلحة العامة". ونوه الشيخ ميزو، في تصريحات خاصة، بأن إذا تم الزواج بدون موافقة الولي، ولكنه أبرم بعقد به شهود، فالزواج صحيح، وأن مسألة توثيق العقد ليس شرطا لصحة الزواج، فالمعيار الأساسي للصحة هو إبرامه، ومسألة إثبات النسب تتم ب"DNA". وأكد أن ارتفاع نسب الطلاق في مصر، خاصة في السنوات الأولى للزواج، ترجع إلى غياب المفهوم الحقيقي والشرعي للزواج، وأن أهل العروس يجعلون الفرش والمنقولات والأموال معايير الاختيار، وليس أخلاق ودين المتقدم، متابعًأ: "وكذلك العريس نفسه يريد من الزوجة أن تكون خادمة، وهذه المفاهيم أضرت بالزواج، وزادت من نسب الطلاق، في وقت يحتاج المجتمع فيه إلى أشد الحاجة إلى الرجوع للمفهوم الأساسي للزواج وهو المودة والرحمة". لا يجوز الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أفادت بأن العلماء اختلفوا في حكم الزواج بدون ولي، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط موافقة الولي، فلا يصح العقد بدونها. وفي تصريحاتها الخاصة، استشهدت بحديث "لا نكاح إلا بولي"، مؤكدة أن الولي هو الأقرب للمرأة من عصبتها (أهلها) دون ذوي الأرحام، مشيرة إلى أن ما يحدث حاليًا "خراب ذمم" وجحود حقوق، فلا يصح للمرأة، خاصة البكر، أن تتزوج بدون إذن وليها حفاظا علي حقوقها، فإن كان الولي يمنع زواج ابنته دون سبب، انتقلت الولاية إلى من يليه من أهلها.