لماذا لا يعرض التليفزيون المصرى هذا الفيلم؟ إنه فيلم نادر شاهدته بالصدفة عندما حضرت احتفالًا برأس السنة فى المركز الكاثوليكى المصرى، الذى أصبح بؤرة إشعاع، حيث إنه حاضر فى كل المناسبات الثقافية. تابعت نشاط المركز منذ أن تولى قيادته الأب يوسف مظلوم، الذى كان يعنى حضوره فى أى مناسبة بالنسبة لى هو حضور للسلام والتسامح والنور، وقبل سنوات قليلة ارتكن الأب يوسف إلى العزوف للعبادة فأكمل المشوار أبونا بطرس دانيال بكل ما يحمله من طاقة شابة وعقل يقظ ليعقد مصالحة بين الفن بمختلف أطيافه وصحيح الدين، حيث لا تجد أبدًا تلك النظرة المتشددة فى التعاطى مع الفنون التى ارتبطت بكثير من ممارسات رجال الدين مسلمين ومسيحيين. يواكب المركز الكاثوليكى الذى تجاوز عمره 60 عامًا ما يجرى فى الحياة، وكان قبل نحو 10 سنوات هو المنوط به ترشيح الفيلم المصرى الذى يشارك فى مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، وذلك قبل أن تستحوذ وزارة الثقافة على هذا النشاط، ومنذ ذلك الحين والدولة تتخبط، وكثيرًا ما نكتشف أننا قد نسينا موعد الأوسكار. منحنى المدير الفنى للمركز «C.D» لفيلم «حياة وآلام يسوع المسيح» إنتاج عام 1935، وتمت دبلجته باللغة العربية فى مطلع الخمسينيات، وعرض تجاريًّا فى مصر.. النسخة مخادعة حيث تعتقد فى البداية وأنت تدير القرص أن السينما المصرية تقدم فيلمًا روائيًّا عن حياة السيد المسيح وتقرأ أسماء أحمد علام فى دور «المسيح»، وعزيزة حلمى السيدة «مريم»، وسميحة أيوب «مريم المجدلية»، وتعددت أسماء النجوم: توفيق الدقن، وصلاح سرحان، وسعد أردش وغيرهم من النجوم المصريين، وفى نهاية الفيلم يأتى فى التتر، وعلى استحياء أن النسخة العربية إخراج محمد عبد الجواد.. سارعت بالاتصال بالفنانة الكبيرة سميحة أيوب، التى أكدت لى أن الفيلم عرض فى سينما «ميامى» أو «ريفولى» فى مطلع الخمسينيات، لا تتذكر التاريخ على وجه الدقة، الواقعة حقيقية وهى أن الدولة وربما المملكة المصرية إذا كان الفيلم عرض لأول مرة قبل ثورة 52 قد وافقت على عرضه جماهيريًّا، وكما ترى فإن كل من شارك فى تنفيذ الفيلم مسلمون. الفيلم على مستوى الأداء الصوتى مقدم بدرجة حرفية عالية تلمح فيه جهد مخرج يضبط أداء الممثلين الصوتى على النسخة الأصلية المرئية.. كما أنه يقدم الممثل أحمد علام بأداء ملىء بالنقاء والطهر للسيد المسيح عليه السلام، وهذا الممثل تحديدا أحد أهم نجوم المسرح المصرى فى بدايات القرن الماضى، لكنه لم يلحق عصر التليفزيون، ولهذا لم تحتفظ له التسجيلات بأى تراث، كما أنه لم يكن فنانًا سينمائيًّا، ولهذا لا يعرفه فقط إلا الأكاديميون المتخصصون فى المسرح الحديث، وقالت لى عنه الفنانة القديرة سميحة أيوب إنه واحد من أروع من اعتلوا خشبة المسرح. سميحة أيوب تؤدى بصوتها بروعة دور «مريم المجدلية»، وعبارة المسيح الشهيرة عندما عاتبه اليهود قائلين فى شريعة موسى أن الزانية ترجم فقال لهم «لكن أنا أقول لكم من كان منكم بلا خطيئة فليلقى الحجر الأول».. ولم يجرؤ أحد! الذى أعلمه أن الدولة منذ الستينيات وهى تمنع عرض أفلام عن السيد المسيح فى دور العرض بحجة أن الأزهر يرفض تجسيد صورة الأنبياء وفيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون عرض قبل 9 سنوات بقرار من د.جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وقتها، وليس بقرار من الرقيب، لأن القواعد المطبقة فى الرقابة تحول دون ذلك، ولا تزال بالمناسبة القواعد تمنع عرض أى فيلم يجسد المسيح عليه السلام! إنها حساسية مفرطة ولا يجوز فيها سوى الاقتحام.. المواجهة تبدأ بالعرض بعيدًا عن الخوف المرضى الذى يعانى منه أغلب المسؤولين، لماذا لا نفكر بترميم نسخة فيلم «حياة وآلام يسوع المسيح»، ونعرضه فى تليفزيون الدولة، إنه هديه نقدمها فى العام الجديد لكل المصريين. هل يمتلك وزير الإعلام الإخوانى القدرة على تحقيق ذلك، هل تعود مصر إلى مصر التى كنا نعرفها قبل 50 عامًا. ملحوظة: كتبت هذا الرأى فى تلك المساحة، وفى هذا التوقيت قبل عام موجهًا حديثى إلى الوزير الإخوانى صلاح عبد المقصود، والآن أغيّر فقط اسم المرسل إليه، وأوجه الاقتراح إلى الدكتورة درية شرف الدين!