فى 25 يناير، خرج الناس مطالبين بالخبز والحرية والعدالة، فى ثورة شعبية، انتهت بتنحى مبارك. ثم عادوا لبيوتهم مفوضين نخبتهم لإتمام أهداف الثورة، والتصدى لانتخابات تأتى بصفوة السياسيين. «إدى العيش لخبازه» دا كان شعار الشعب، ترك الساحة السياسية للنخبة، وراح ينتظم فى طوابير الانتخابات. منتهى الشفافية والديمقراطية من شعب عريق. انتظرنا طويلا، كل يوم تشكيلات وتنظيمات جديدة، تأخذ مسميات ثورية.. بجانب أحزاب لا أول لها ولا آخر. وبدأت المفاوضات، والتربيطات والتكتلات، والخناقات، والفضائح. هجوم على المجلس العسكرى من البعض، وتنسيق معه من البعض الآخر. والمدهش أنك تجد أن عناصر التنظيم الأقوى «الإخوان» موزعين على عضوية دول، ودولم، ودوكهولم «المنتقدين، المفاوضين، والمحايدين». يحركون من وراء الستار ضد المجلس العسكرى، فى الوقت الذى يتفاوض قادتهم معهم! هلت الانتخابات البرلمانية، وأحزابنا على حالها، منهم من نزل مباشرة على قوائم الإخوان، ومنهم من حرك الإخوان قوائمه بما يتماشى ومصالحهم. ومع انتخابات الرئاسة، أُعلِن موت الجميع. فشلت نخبتنا إلا فى عصر الليمون! ساعة الجد خدعوا أنفسهم بمرشح التنظيم واعتباره مرشح رفاق الميدان، لا لصوصه. لتثبت نخبتنا أن معرفتهم السياسية لا تعلوا معرفتهم بأسرار علم الفضاء، وبأن أجدعهم ليس إلا صورة مُحدثة لعبده مشتاق. ليتشبثوا فى ذيل جلباب مرشح المرشد فى مشهد جنائزى للثورة، فى فيرمونت! ويسدل الستار على المرحلة الأولى، ويسقط التفويض الأول، بتسليم قيادة البلد للمرشد. انتظر المُفَوّهُون رد الجميل، والمشاركة فى السلطة، لكن مهمة الرئيس الأولى كانت «هشهم»، والتفرغ لتلقى تعليمات التنظيم، لإتمام السيطرة، والتمكن من كل الأجهزة والسلطات، وتمكين التنظيم من وضع علامة «صح» على مصر فى قائمة أطماعهم فى المنطقة. والإيفاء بدورهم فى مشروع الكبار لشرق أوسط جديد! سكت حديث الثورة، وبدأ صراع الناس على مقدرات الحياة اليومية، بجانب انفجار كل أشكال الطائفية والتعصب الدينى، وبمباركة الرئيس بدأت التصفية على الهوية الدينية. بدأ الناس يشعرون بالهوة التى تسقط البلد بها، إنه حكم جيل التمكين، بحماية ميليشيات العنف والإرهاب، بجانب جهل وتواطؤ النخبة! وليبدأ التحرك من جديد، فى مبادرة شعبية، سلمية، ديمقراطية، لا تظاهر ولا عنف. كما أدلينا بأصواتنا لرئيس الإخوان، سندلى بأصواتنا ضده. أعلنت نتائج التصويت «اكتساااح»، وخرج الناس، معبرين ثانية عن إرادتهم، وكما نزل الجيش أول مرة نزل ثانية، داعما إرادة الناس، متعهدا بحمايتهم. هذه المرة، امتنع الناس عن تكرار الخطأ، لم يفوضوا نخبة سياسية ثبت فشلها. قرروا التضامن مع خريطة الطريق، وجاء التفويض الثانى برئيس وحكومة مؤقتين، بانتظار الدستور والانتخابات. دا الملخص، ولا تزال الأطراف الفاعلة على حالها! الإخوان وحلفاؤهم يتشدقون بالديمقراطية، ونخبتنا تائهة «البعض لا يستطيع الفكاك من شرك الإخوان، والبعض الآخر على حاله بلا رؤية أو برنامج عمل»، والعسكر أيضا على حالهم، يعلنون دعمهم لإرادة الناس وحماية البلد، لكن هل يطمعون فى السلطة؟ وكيف يمكن أن يصلوا إليها؟ لم يَدع العسكر يوما، فى أى مكان فى العالم أنهم ديمقراطيون، ولم يعلن أى من قادة الجيش إلا دعم المرحلة الانتقالية، وحماية البلد. ولا نريد منهم أكثر من ذلك، ونرجو من الشعب أن لا يطالب بأكثر من حماية الجيش للبلد، وأن لا يبارك يوما تدلى أجهزة الدولة لأى شكل من أشكال الاستبداد. لكن الأزمة الكبرى التى تواجه الناس اليوم هى: من سنفوض ثالثا، ونحن على أعتاب مرحلة جيدة، لصراع السلطة؟ لا يوجد على الساحة إلا نفس اللاعبين، الإخوان وحلفاؤهم، الجيش، وتنظيماتنا السياسية. الأول سقط بيد الشعب، والثانى ليس بلاعب سياسى، ولا نرجو أن يضطلع بدور سياسى، وندعم دوره فى حماية البلاد والعباد. لا يوجد أمامنا إلا لاعب، يضع نفسه دوما على دكة الاحتياطى، وساعة الجد يسدد فى مرماه! كيف ستواجه أحزابنا اليسارية والليبرالية التحدى، الذى فروا منه وسلموا البلد مرة للإخوان، واليوم لا يجيدون إلا المزايدة! هل تخشى تنظيماتنا مطالبة الناس بالجيش فى السلطة؟ أم يخشون أن لا يفعل الناس ذلك مما يضعهم فى مواجهة مسؤولياتهم! يعلنون معارضتهم التفاف الناس وراء رمز الجيش؟ وفى نفس ذات اللحظة يفعلون كل شىء يمكن أن يؤدى لدعم الجيش فى السلطة؟!! هل تضللون الناس أم تضللون أنفسكم؟ وما خطتكم وبرامجكم؟ متى تتركون مقاعدكم الدافئة «من طول الجلوس»، وتحرمون الفضائيات، والصحف و«الفيسبوك» و«تويتر» من إطلالاتكم؟ أين أنتم من الناس؟ اتفضلوا انسوا وشرفوا فى حواريهم وقراهم؟ تنصتون لهم، وتقدمون برنامجا واقعيا، لتحقيق مطالبهم والالتزام بحقوقهم. وبدء ديمقراطية حقيقية، تمثلون فيها الناس ومصالحهم. متى ستخرجون من الحضَانة؟ وتكتفون من التنظير والشعارات، وتبدؤون العمل الحقيقى؟ ما خطتكم للمنافسة على حكم مصر وعدم السماح لتحولها لدولة المرشد أو العسكر؟ هل تريدونها بالتزكية أم بالعمل الحقيقى؟