عرضت قناة «التليفزيون العربي»، الجزء الأول من سلسلة حلقات المقابلة التي أجراها الإعلامي خالد الغرابلي، مقدم برنامج «في رواية أخرى»، مع الدكتور محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، ونائب رئيس الجمهورية السابق، مساء اليوم السبت. واستعرض «البرادعي»، خلال اللقاء، سيرته الشخصية والسياسية، وشاهدته على نكسة 1967، ورأيه في الرئيس جمال عبد الناصر، كما كشف سر عدم ظهوره إعلاميًا طيلة ثلاث سنوات ماضية. وفي هذا التقرير، نرصد أهم ما جاء في اللقاء.. مصر تعيش مرحلة «ذبح الآخر».. ولهذا السبب ابتعدت 3 سنوات قال إنه اختار الغياب عن الشاشات لمدة 3 سنوات لأنه كان قد قدم ما في وسعه، وفضل الابتعاد ليمنح الفرصة لغيره ليكون الحكم على النتائج، مستكملًا: «كنت هكون سعيد جدًا لو كنت غلطان، وأنا حزين إني طلعت صح». أضاف أنه «قرر الحديث لأنه أصبح من واجب كل فرد أن يتكلم من واقع خبرته ووجهة نظره، ويحاول المساعدة ولو بنسبة 1%، لأن العالم العربي كله في مأساة، ووصل لمرحلة أنه يدمر نفسه». تابع أنه كان قد استغرق في العمل العام لمدة 16 عامًا متواصلة وصفها بأنها «تِهد جِمال»، منها 12 عامًا أثناء عمله رئيسًا للوكالة، ثم أربعة أعوام في مصر، مؤكدًا أنه في كل هذه المحطات كانت رسالته واحدة، وهي أن يطالب الناس بمحاولة إيجاد وسيلة للعيش معاً بسلام دون أن يقتل أحدهم الآخر. استكمل: «لن ينصلح حالنا في مصر والعالم العربي إلا لو كان عندنا توافق أن نعيش معًا كبشر، لكننا في مرحلة ذبح الآخر»، معتبرًا أن المشكلة الكبرى التي يعاني منها العالم العربي هي غياب الفكر والمعرفة، قائلًا: «كانوا بيتريقوا عليا على تويتر، مش فاهمين أن الفكر أقوى من الفعل». استطرد: «العالم العربي لن ينصلح حاله بدون مصر، ومصر لن ينصلح حالها بدون العالم العربي». البرادعي لمنتقدي تغريداته على «تويتر»: «الفكر أقوى من أي سلاح» قال إن «التحاقه بكلية الحقوق عام 1958 لم يكن بأمر من والده، ولكن من الوارد أن يكون قد تأثر به، بالإضافة إلى أنه طيلة عمره كان ممتازًا بالمواد الأدبية وليس في العلوم والرياضيات، وهو نفس حال العديد من أفراد أسرته، ومنهم ابنته التي درست أيضًا الحقوق وتعمل محامية، لكن الاستثناء هو ابنه الذي يعمل بمجال التكنولوجيا الحيوية، لذلك هو مثار مزاح العائلة». أضاف أن «الحقوق تتعامل مع أفكار مجردة أو مفاهيم، أنا كويس أوي في المفاهيم، دي الحتة اللي انا باستريح فيها، محبش اتكلم في التفاصيل كتير، ولغاية دلوقتي قراءاتي في الفلسفة والتاريخ والمنطق». ورد على الانتقادات الموجهة له بشأن كتاباته على موقع التغريدات القصيرة «تويتر»، قائلًا: «مش فاهمين أن الفكر أقوى من الفعل، ومشكلتنا في مصر هي الفكر والمعرفة، وفكرة حان وقتها أقوى من أي سلاح». البرادعي يكشف أسرارا جديدة تسببت في «نكسة 67» قال إن الخارجية المصرية أوفدته قبل حرب 1967 إلى بعثة مصر بالأممالمتحدة، وكان يحمل مستندات تدعم وجهة النظر المصرية، وكان شاهدًا على ضياع فرصة تاريخية بذلك الوقت. أضاف أنه شاهد على القنوات الأمريكية خبر تدمير سلاح الطيران المصري، لكن وزير الخارجية محمود رياض قال لرئيس البعثة المصرية السفير محمد عوض القوني إن هذه الأخبار كاذبة وسلاح الطيران لم يُضرب، لذلك رفضت مصر عرض المندوب الأمريكي في يوم 5 يونيو بصدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وعودة الأمور إلى ما كانت عليه. تابع: «رفضنا لأن وزير الخارجية قالنا الأمور عظيمة، واحنا لسه هنطلع بالطيران، ورفضنا لأن عودة الامور إلى ما كانت عليه يعني عودة قوات الطواريء، وإحنا قلنا رافضين قوات الطواريء عشان السيادة المصرية». استكمل أنه «فوجيء بعدها يوم 7 يونيو باتصال من وزير الخارجية يطلب منهم قبول العرض الأمريكي، فلم يصدق أعضاء البعثة وكان منهم وقتها السفير نبيل العربي، حتى أن أحدهم طلب من السفير القوني أن يتصل مرة أخرى بالوزير لأنه من الوارد أن يكون هناك من يقلد صوته ليضللهم، بعدها رحنا للمندوب الأمريكي وقلناله نقبل اللي قلته يوم 5 يونيو قالنا ما معناه كان زمان وجبر». وروى موقفًا آخر وصفه بالفرصة الضائعة، وهو أنه بعد الحرب وصدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون انسحاب إسرائيل، اجتمعت الجمعية العامة في يوليو وكان هناك مشروع قرار مقدم من 18 دولة، مكون من فقرتين الأولى تنص على الإنسحاب من كامل أراضي 67، والثاني ينص على إنهاء حالة الحرب وحل عادل للقضية الفلسطينية، لكن الدول العربية رفضته وضغطت لإسقاط القرار، حتى سقط لأنه نال أغلبية ضعيفة بحصوله على 57 صوتًا في مقابل 43 دولة رافضة هي الدول العربية وأصدقائها. واصل: «أنا متذكر لسه وإحنا سنة 67 بنسقف إننا اسقطنا هذا القرار، طيب أسقطنا القرار ليه؟ أنا بسأل نفسي النهاردة، مش كان زماننا رجعنا كل الأراضي وأنهينا حالة الحرب، عمرنا ما كان عندنا تقدير سليم ايه قدراتي وبناء عليه أحدد مطالبي وإمكانياتي»، مشيرًا إلى أن الرئيس الجزائري بورقيبة حين أعلن قبوله إقامة دولة فلسطينية بالضفة وغزة لاقى رفضًا واسعًا وتعرض لإلقاء الطماطم عليه. البرادعي: لا يوجد نخبة في أي نظام سلطوي.. و«الدليل عبد الناصر» قال إنه من الصعب أن نُطلق اسم «نخبة» على النخب في نظام سلطوي، لأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو تقديم النصيحة على استحياء، وإذا لم يقبل الحاكم لا يصبح بيدها ما تفعله. وأضاف: «كام واحد شفناه في العالم العربي بيستقيل احتجاجًا على سياسة يعارضها؟ لما السادات راح القدس سنة 77 استقال 3 وزراء خارجية، إنما دي كانت أول وآخر مرة». وتابع أنه «حين عرض مشروع قرار الأممالمتحدة الخاص بانسحاب إسرائيل وإنهاء حالة الحرب عام 1967 نصح وزير الخارجية الرئيس عبد الناصر بقبوله، لكن حين رد عليه بالرفض التزم بموقفه، ولم يعترض أحد أو يستقيل». البرادعي: بما سيرد قادة العرب والمسلمين إذا سألهم الطفل إيلان «دمرتوا بلدي ليه؟» استنكر غياب الدور العربي عن الأزمة السورية، قائلًا: «هل النهاردة أنا أقدرأقول أنا عندي جامعة عربية؟». وأضاف: «بقالي يومين بفكر في الولد إيان كردي اللي مات على الشواطئ التركية ده، إيه الرد لو سأل السادة القادة العرب والسادة القادة المسلمين والعالم كله أنا مت ليه؟ دمرتولي بلدي ليه؟». تابع أن «العالم بأكمله اليوم يعيش أزمة حكم، ومن نتائجها ظواهر الإرهاب واللاجئين وغيرها، ومركز الثقل في غياب الحكم في العالم هو العالم العربي، لذلك أصبح مهمشاً تمامًا». استكمل: «بلاش نخدع نفسنا، في الوقت الحالي ليس لدينا المقومات للوصول لحل عادل للقضية الفلسطينية». البرادعي: «العرب صفقوا لإسقاط قرار أممي بانسحاب إسرائيل من فلسطين» قال إن «الدول العربية صفقت لإسقاط مشروع قرار قدمته 18 دولة لاتينية في شهر يونيو 1967، بعد احتلال إسرائيل للأراضي العربية». أضاف: «18 دولة من أمريكا الجنوبية قدّمت مشروع قرار من فقرتين تضمن إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بعد حرب 1967، ولكن العرب لم يسعوا لإسقاط القرار فقط، بل تواصلنا مع كافة الأصدقاء لإسقاطه». وتابع أنه «لو مر القرار اللاتيني لكانت أراضينا تحت أيدينا الآن»، مشيرًا إلى أن العرب «عمرهم ما كان عندهم تقدير سليم لقدراتهم وبناء عليها تحديد مطالبهم وإمكانياتهم». البرادعي: عهد عبد الناصر سلب الشعب حريته.. ولم نتجاوز نتائج النكسة حتى اليوم وجّه انتقادات لاذعة لأسلوب حكم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، مؤكدًا أن «نتيجة هذا العهد كانت نكسة 67 التي لم تتجاوز مصر ودول العالم العربي نتائجها حتى اليوم». أضاف أن «ثورة 23 يوليو كانت تحمل مباديء عظيمة كالعدالة الاجتماعية، والحياه الديموقراطية السليمة، وكان للرئيس عبد الناصر احترام واسع في العالم الثالث، الفكرة كانت ممتازة، لكن التنفيذ مكانش كويس على الإطلاق». البرادعي: عبد الناصر «همّش النخبة».. وضابط الجيش لا يُدير وزارة التعليم تابع: «أهم مساويء هذا العهد أنه سلب الشعب المصري حريته، وتم التحول إلى فكرة القائد الزعيم الملهم، كما أنه شهد الاعتماد على معدومي الكفاءة في الإدارة المدنية، اعتمد أساسًا على زملاؤه في القوات المسلحة، والشخص خريج القوات المسلحة قد يكون قائد طابية عظيم، إنما ميقدرش يدير وزارة التربية والتعليم». أوضح أن «مصر بذلك الوقت كانت لديها نخبة لا تقل عن أي نخبة متعلمة بالخارج، لكن هذا الأسلوب في الحكم قام بتهميشهم، وهذا من مظاهر غياب الحكم الرشيد المستمرة في العالم العربي». وعن ذكرياته عن حرب 67؛ قال البرادعي: «فوجئت بنتيجة الحرب، لأن الاعتماد الوحيد وقتها كان على الإعلام المُوجه، وكان الجميع تحت الإنطباع أن لدينا جيش قوي لن ينهزم، أنا مكنتش باسمع أحمد سعيد لإنك متقدرش تسمعه، كنا وصلنا إنك متقدرش تتكلم في التليفون، كنت تخاف من زميلك تتكلم قدامه، هتكسب حرب إزاي وانت همشت شعبك؟ وإنت خوفت شعبك وقمعت شعبك؟». أشار إلى أن «العسكري المصري في حرب 67 كان مقهورًا، ودخل حربًا وهو غير مؤهل لها». البرادعي: القضية الفلسطينية أصبحت سرابا.. و«كامب ديفيد» سبب عربدة إسرائيل قال إن «معاهدة كامب ديفيد أخرجت مصر لمدة 10 سنوات من العالم العربي، وبعدها عمر ما مصر رجعت كقلب العالم العربي زي ما كانت»، مشددا على أن «المعاهدة فتحت لإسرائيل الباب أنها تُعربد في المنطقة لأن مصر رمانة الميزان خرجت». وأضاف أن القضية الفلسطينية أصبحت الآن «سرابًا»، متابعًا: «الوقت الحالي ليس لدينا المقومات للحديث عن حل عادل للقضية الفلسطينية»، لافتًا إلى أن «العالم العربي الآن في وضع يذبحون بعضهم البعض».