«مواطنة مصرية»... «أنا».. لكننى سأظلم نفسى كثيرا، وسأظلم أيضا، كلمة «الهوية»، إذا سجنت «هويتى»، فى واقعة مولدى، على أرض مصر. «الهوية»، كما أراها، هى «مزيج»، من أشياء، كثيرة، وعديدة، لا نستطيع، أن نفصل، عناصرها. أى أن، «الهوية»، النقية، الخالصة، مئة فى المئة، ذات العنصر الواحد، «المعقمة»، المعزولة، عن التأثير، والتأثر، غير ممكنة، للفرد، أو للمجتمع. كما أن، «الهوية»، ليست حالة، أو صفة، أو كتلة ثابتة، نسد بها، خانات الأوراق الرسمية، مثل قسيمة الزواج، أو جواز السفر، أو عقد عمل، أو شهادة وفاة. وهى ليست قطعة حجر محنطة، تُعرض على السياح فى المتاحف. «الهوية»، عملية، ديناميكية، منذ الميلاد، وحتى الموت. هى خريطة من الجينوم البشرى، دائم التشكل. وربما قبل الميلاد أيضا، لأننا نولد، وفى دمائنا، «خلطة» من العناصر المتوارثة، منذ آلاف السنوات، يستحيل عزل كل عنصر، على حدة. كل إنسان هو «خلطة من الهويات». وكذلك الحضارات، والمجتمعات. قال الفيلسوف «هرقليطس»: «التغير هو القانون الأبدى.. وإننا لا نرى إلا تغيرا لا نهائيا.. وإن التغير هو الثابت الوحيد فى الوجود.. وإننا لا ننزل النهر الواحد مرتين.. لأنه فى كل مرة، ليس النهر، هو النهر نفسه.. ونحن لسنا ما كنا عليه أول مرة...». عند غالبية البشر، هناك أزمة وجودية، ونفسية، فى، الاعتراف، أنه لا شىء «ثابت». وليس فقط الناس العاديين. فهناك، علماء، وفلاسفة، أتعبهم، عدم وجود شىء ثابت. مثلا، بدأت كل أبحاث العالِم، أينشتين، بمحاولة البحث، عن معادلة واحدة «ثابتة»، تفسر الوجود كله. وعند عدد كبير، من الناس، تم حل إشكالية، «لا شىء ثابت»، بالمعتقدات الدينية، حيث الله، الخالق الأعظم، هو الوحيد «الثابت»، لا يتغير. والبعض، فقد عقله، بسبب، هذه الحقيقة. بعض آخر، تناغم، وتكيف، وتصالح، مع «عدم الثبات». بعض آخر، توقف عن التفكير، لأنه لا يجدى. والبعض، ببساطة، لا يبالى. وقد فسر، الفيلسوف، برتراند راسل، هذه المحاولات البشرية، بأنها طبيعية، وحتمية، ما دام «البحث عن شىء» ثابت «لا يتغير، هو، من أعمق غرائز الإنسان». إن الحديث عن الهوية، بلغ مداه، بعد قيام الثورة. نسمع عن: «هوية عربية».. «هوية شرق أوسطية»... «هوية مصرية»... «هوية إسلامية»... «هوية قبطية»... «هوية مسيحية»... «هوية توراتية»... «هوية يهودية»... «هوية بوذية»... «هوية ملحدة»... «هوية شيطانية»... «هوية قومية»... «هوية نوبية»... «هوية إخوانية».. «هوية سلفية»... «هوية علمانية بمرجعية إسلامية»... «هوية قبطية»... «هوية مدنية»... «هوية عسكرية»... «هوية صوفية»... «هوية بهائية»... «هوية إسلامية على النموذج التركى».. «هوية لا دينية»... «هوية قرآنية»... «هوية إنجيلية»... «هوية سنية»... «هوية شيعية»... «هوية شرقية»... «هوية غربية»... وغيرها. قرأت، مقالا، لأحد الكتاب، يعاتب الثورة: «بدلا من تعليق المشانق، للقائمين بأعمال البلاد حاليا، وتطهير الوطن من بقايا الفساد، والتحريض على المظاهرات، والاضرابات، والاعتصامات، ورفض التسرع، فى إجراء الانتخابات، من الأجدى، أن تقول لنا: ما «الهوية»، الحقيقية، لثورة 25 يناير؟ وما «الهوية»، الحقيقية، للثورة المضادة؟ وما «الهوية» الحقيقية، التى تريدها الثورة، للوطن فى المستقبل؟ ما هذا التضخيم، الذى أصبح مرادفا، للحديث عن «الهوية»؟ولصالح مَن، كثر الكلام، عن تحديد «الهوية»؟ وما الذى أثار، أصلا، قضية «الهوية»، التى أراها، مفتعلة، يراد بها، إحداث الفتن، والتقسيم، والتفكيك، والتفتيت؟ كما قلت فى البداية، لا توجد «هوية» محددة الملامح، نقية، ومعصومة من التشابك المستمر، بينها، وبين «الآخر»، وهى فى تغير دائم، وفقا للقانون الأبدى للوجود، «التغير اللا نهائى، هو ما نراه «تحت اسم» الهوية الألمانية النقية و«باسم» الجنس الآرى الأرقى... وتحقيقا لما أسماه «العرقية النظيفة».. و«التطهير العرقى» و«هوية الانتماء»، قتل هتلر، الملايين. إن الحديث عن «الهوية»، عنصرى، متعصب، وكان دوما مرافقا وداعما، للأنظمة الاستبدادية، والاستعمارية، القائمة على تفريق، الأمة، وتفتيت مقوماتها، الثقافية، الحضارية، المتنوعة، وتجزئة البشر إلى انتماءات عمياء، وعلب مغلقة، تثير الحساسيات، وتسهل مهمة، اخضاعهم، لأى تيار، أو فكر. حتى التفرقة، فى انتماءات الأندية الكروية، ينبع من هذا الفكر، المتعصب، العنصرى. وكلنا نشهد، على المشاحنات، والخناقات، العنيفة، التى وصل بعضها، إلى حد القتل، بسبب نتيجة ماتش كورة. المهم، هو اصطناع أنواع مستحدثة، لا نهائية، من التفرقة، والتمييز، تحول الفرد، إلى جزيرة منعزلة، ضيقة الأفق. يقاس مدى نضج الإنسان، وتحضره، وتفتح عقله، وثراء فكره، وعدالة إنسانيته، وسمو أخلاقه، ورقة سلوكياته، كلما ارتفع سقف «هويته»، وكلما اعترف، بزهو، ورحابة صدر، وتواضع، أن مئات «الهويات»، تجرى فى دمائه. من واحة أشعارى نسائم الخريف تبكى ثورة الشتاء نسائم الخريف تزور أرواح الشهداء نسائم الخريف لا تسأل عن الأسماء فهى تعرف أن الجميع فى التراب سواء