قيل عن عام 1917 إنه عام الثورة, وقيل عن هذه الثورة إنها الثورة الشيوعية, ثورة 17 أكتوبر 1917 التي حولت روسيا إلي قوة عظمي ثانية أطلق عليها اسم الاتحاد السوفيتي التي دخلت في تناقض مع القوة العظمي الأولي التي هي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهذا التناقض مردود إلي أن الأولي تدعو إلي تدعيم الطبقة البرجوازية بما فيها من ملكية خاصة بينما الثانية تدعو إلي تدعيم الطبقة العمالية بما تنطوي عليه من تدمير للملكية الخاصة. وكان ماركس قد تنبأ بزوال النظام الرأسمالي وبقاء النظام الشيوعي متحكما في مسار الحضارة الانسانية ودافعا بها إلي فردوس النعيم. التناقض اذن هو المولد للصراع. والسؤال بعد ذلك هو علي النحو الآتي: ما العلاقة بين التناقض وتوليد الصراع؟ أجيب عن هذا السؤال بقصة تستحق أن تروي بدايتها عند فيلسوف يوناني اسمه هرقليطس مولود في عام 544 قبل الميلاد. قال: لست أري إلا التحول والتغير. لاتخدعوا أنفسكم, فالنهر الذي تنزلون فيه للمرة الثانية ليس هو نفس النهر الذي نزلتم فيه أول مرة. اذن ليس أمامكم سوي التناقض فابقوا عليه. وعندما بحث عن أصل الكون تصور أنه حاصل علي التناقض بالضرورة فقال عنه إنه النار. وهذه النار الهية الطابع بل هي الله, والله نهار وليل, شتاء وصيف, حرب وسلام. وهرقليطس يشير بذلك إلي أن التناقض المولد للصراع هو أبو الأشياء. وبعد مرور خمسة وعشرين قرنا علي أفكار هرقليطس التقطها فيلسوف ألماني في القرن التاسع عشر اسمه هيجل الذي منح هرقليطس لقب الأب الروحي لأنه أي هيجل اتخذ من التناقض مبدأ أول بما فيه المطلق, إذ المطلق عنده ليس ساكنا أو ثابتا أو غير متغير إنما هو متطور, وهو متطور بفضل ما ينطوي عليه من تناقض, أي أنه يناقض ذاته, وعندما يناقض ذاته يخلق, وما يخلقه ينطوي بدوره علي تناقض وعندئذ تساءل هيجل: ما هو القانون الذي يحكم توليد التناقض؟ جواب هيجل علي النحو الآتي: كل فكرة تنطوي علي نقيضتها, ومن شأن هذا التناقض أن يحدث تغييرا في الفكرة, وهذا التغيير من شأنه أن ينقل العقل إلي فكرة ثالثة تؤلف بين الفكرة الأولي ونقيضتها. والفكرة الثالثة يجري عليها ما يجري علي الفكرة الأولي وهكذا, هذا مع ملاحظة أن هذا المسار يتم في اطار الروح المطلق. ثم جاء ماركس واستعان بهذا القانون الجديد ولكن ليس في اطار الروح المطلق إنما في إطار تطور المجتمع البشري وفي اطار تطور الطبيعة. ومن هنا قال ماركس عبارته المشهورة إن منطق التناقض عند هيجل كان واقفا علي رأسه والمطلوب أن يقف علي قدميه. وقد كان, إذ بعد ذلك تحول ماركس إلي تيار اجتماعي سياسي جارف أفرز أحزابا شيوعية في كل بلاد العالم تنشد التغيير المطلوب. وكان لهذه الأحزاب فلاسفة كان شعارهم عبارة ماركس المأثورة: إن الفلاسفة حتي الآن كانوا قانعين بتأويل العالم ولكن المسألة الأهم هي تغيير العالم. ومعني هذه العبارة ان ثمة علاقة متبادلة بين التأويل والتغيير, أي لا تأويل بلا تغيير ولا تغيير بلا تأويل. والفصل بينهما يفضي في الحالة الأولي إلي جمود وفي الحالة الثانية يفضي إلي فوضي. هذا هو مسار الثورة الشيوعية, إلا أن هذا المسار قد توقف في عام 1991 عندما انهارت الكتلة الشيوعية. والسؤال اذن: لماذا انهارت الكتلة الشيوعية ؟ وما الذي حدث بعد ذلك للكتلة الرأسمالية عندما انتهي التناقض بينهما وبين الكتلة الشيوعية؟ هل أفرزت تناقضا جديدا؟ الجواب في المقالات القادمة. المزيد من مقالات مراد وهبة