الإسلاميون سعوا إلى القضاء على المكاسب التى حققتها المصريات فى ثورة يناير.. وحقوق المرأة تعتبر مقياسا للصراع الحالى فى ديسمبر 1933، تم إقامة سباق جوى من القاهرة إلى الإسكندرية. الطائرة الأولى التى عبرت الخط النهائى كانت بقيادة سيدة تبلغ من العمر 26 عاما، تدعى لطفية النادى، أول طيارة مصرية. أن يكون لديها مهنتها الطيران، لم يكن أمرًا سهلًا بالنسبة للطفية. والدها كان يرفض الفكرة، لكنها لم تُصَب بالإحباط. أقنعت مدير معهد الطيران بأن يسمح لها بالعمل كسكرتيرة له من دون مقابل، مقابل دروس فى الطيران. كما أوضحت لاحقا: «تعلمت الطيران لأننى أحب أن أكون حرة». أصبحت لطفية بطلة وثروة قومية فى عيون المصريين. نظرت إليها السيدات كمصدر إلهام فى كفاحهن من أجل المساواة فى الحقوق، وفتيات كثيرات اتخذن قصتها نموذجًا لهن بالتقدم إلى دروس فى الطيران. سيدات مصريات حققن تقدما فى المساواة على مدار فترة النظام الملكى التى انتهت فى 1953. بعد تأسيس الجمهورية المصرية فى عهد جمال عبد الناصر، استمرت السيدات فى التقدم، والوصول إلى مناصب فى الجامعات والبرلمان ومناصب قضائية بارزة. التطور التاريخى للمرأة المصرية يتناقض تماما مع نتائج المسح الحديث الذى أجرته مؤسسة تومسون رويترز، من أن مصر صنفت الأسوأ بين 22 دولة عربية بسبب العنصرية فى القانون، والتحرش الجنسى، وقلة تمثيل المرأة فى الحياة السياسية. لماذا تعانى فى يومنا هذا حفيدات لطفية من مشكلات تمكنت هى من التغلب عليها منذ 80 عاما؟ بعد حرب 1973 فى الشرق الأوسط، ارتفع سعر البترول بصورة هائلة. هذا بدوره منح دول الخليج سلطة غير مسبوقة، بينما أجبرت الصدمة الاقتصادية ملايين المصريين إلى الهجرة للعمل هناك. كثير من هؤلاء المصريين عادوا إلى الوطن مشبعين بالقيم الوهابية المتطرفة. تقليد الإسلام المعتدل فى مصر أقر بحقوق المرأة وشجع السيدات على الدراسة والعمل. على النقيض، بالنسبة إلى الوهابيين، فوظيفة المرأة عندهم أن تسعد زوجها وتلد الذرية. يروج الدعاة الوهابيون إلى ختان الفتيات، للسيطرة على نشاط المرأة الجنسى. يجب أن تغطى المرأة جسدها بالكامل، وقد لا تدرس أو تعمل أو تسافر. لا يمكنها حتى مغادرة المنزل من دون إذنٍ من زوجها. الوهابية أثرت على جميع المجتمعات والحركات الإسلامية، بما فى ذلك القاعدة والإخوان المسلمون. ومع انتشارها فى مصر، بدأ مزيد من السيدات فى ارتداء الحجاب، أو غطاء الرأس. لكن هذا لم يخلق مجتمعا فاضلا، إنه أدى إلى العكس. حتى نهاية السبعينيات، استمر كثير من السيدات المصريات فى الخروج من دون أغطية رأس، يرتدين فساتين على الطريقة الغربية الحديثة، وعلى الرغم من ذلك كانت حوادث التحرش الجنسى نادرة. الآن، ومع انتشار الحجاب، اتخذ التحرش الجنسى أبعادا وبائية. فقد كشفت دراسة أجراها المركز المصرى لحقوق المرأة أن 83% من السيدات اللاتى تم استطلاع آرائهن تعرضن إلى التحرش الجنسى مرة واحدة على الأقل، وأن 50% منهن يخضن هذه التجربة يوميا. لماذا لم يتحرش الرجال بالسيدات المصريات عندما كن يرتدين تنانير قصيرة، فى زاد التحرش الجنسى بالمحجبات؟ عندما تذل العقيدة المحافظة المرأة، وتقلل من شأنهن إلى أشياء، فإنها تشرع العدوانية الجنسية ضدهن. كانت هناك اختلافات عديدة بين نظام مبارك وأتباع الإسلام السياسى، لكن المعسكرين اجتمعا فى ازدرائهما للسيدات. وعلى الرغم من بعض الإصلاحات الرسمية التى قامت بها سوزان مبارك، التى أرادت أن تظهر كالسيدة الأولى المستنيرة، فقد شهد عصر مبارك تدهورًا فى حقوق السيدات. ومع ذلك، أصبح التحرش الجنسى فى 2005 شكلًا منظمًا من العقاب للسيدات المصريات اللاتى شاركن فى مظاهرات ضد مبارك. استأجرت الأجهزة الأمنية بلطجية للاعتداء على سيدة كانت مشاركة فى إحدى المظاهرات، خلعوا عنها ملابسها وتحرشوا بها جنسيا. هذا الشكل الجنسى من العقاب استمر فى عهد النظام العسكرى، والإخوان. فى 17 ديسمبر 2011، فى أثناء مظاهرة ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالقرب من ميدان التحرير فى القاهرة، قام جنود بخلع ملابس إحدى المتظاهرات وسحلها على الأرض، ثم داسوا عليها بأحذيتهم. انتشر فيديو الاعتداء بشكل كبير، ونال تعاطف الملايين. تم تشكيل لجان تضمانية، وأصبحت ضحية الاعتداء رمزًا للسيدات المصريات. لكن الإسلاميين، الذين تحالفوا آنذاك مع المجلس العسكرى، سخروا من الضحية، وألقوا باللائمة عليها، لأنها خرجت من منزلها، على غير المفترَض بالنسبة إلى السيدة المحترمة. فى أثناء الثورة، خرجت ملايين السيدات وواجهن بشجاعة رصاصات القناصة، لكن أولئك الذين حصلوا على السلطة قللوا من شجاعتهن وحاولوا تهميشهن. بعد انتخابات 2012 التى جلبت الإخوان المسلمين إلى السلطة، لم يكن فى البرلمان سوى 10 سيدات من أصل 508 أعضاء. الرئيس محمد مرسى آنذاك قام بتعديل الدستور المصرى وأطاح بالقاضية الوحيدة فى المحكمة الدستورية العليا. باختصار، سعى الإسلاميون إلى القضاء على المكاسب التى حققتها المصريات. حاولوا إلغاء القانون الذى يعاقب الأطباء الذين يقومون بإجراء عمليات ختان فتيات، ورفضوا اعتبار زواج القاصرات شكلا من أشكال الاتجار بالبشر مدعين أن الإسلام يسمح للفتاة التى تبلغ 10 سنوات بالزواج. حقوق السيدات تعتبر مقياسا للصراع الحالى فى مصر. يصارع الثوريون من أجل المساواة، فى حين تحاول القوى الرجعية من نظام الإخوان ونظام مبارك تجريد المرأة من حقوقها السياسية والاجتماعية، وإخضاعها لسلطة الرجل. فى النهاية سيحل الصراع لصالح السيدات، لأن الثورة تمثل مستقبلا لا يمكن أن يمنعه أحد. فى 2002، توفيت لطفية النادى، وهى فى ال95 من عمرها. وقبل وفاتها بوقت قصير، قالت: «لا أعرف مصر الحالية، لكن مصر التى أعرفها ستعود. أنا متأكدة من ذلك»