توقفت عقارب ساعة الكنيسة البطرسية الموجودة داخل كاتدرائية العباسية عند 9.55 صباحا، وهو الوقت الذي وقع فيه تفجير داخلها، ليفارق على أثره 26 شخصًا الحياة، كانوا يحضرون صلاة القداس، كما اُصيب 49 آخرين، ولازالوا يتلقون العلاج. وسارع الصحفيون إلى الكنيسة؛ لتصوير ما حدث فيها من دمار، حيث تهشمت النوافذ وسقط جزء من سقفها، وهو ما تمكن منه بعضهم، فيما منع الأمن، الذي انتشر بكثافة في محيط الكاتدرائية، آخرين. بجوار الكردونات الأمنية، وعلى بقايا السقف والمسامير الناتجة عن القنبلة، تجمع شباب قبطي غاضب، طالب برحيل وزير الداخلية، وهتف: «مسلم مسيحي يد واحدة». وراء كل ذلك بأمتار قليلة، كان البكاء والصراخ حاضر في مستشفى الدمرداش، التي نُقل إليها المصابون والمتوفون. «الإتنين يروحوا يارب.. حرام كده حرام».. «زيزي راحت. دي كانت دلوعة العيلة». بمجرد دخولي، سمعت هذه الأحاديث وغيرها من العائلات المنهارة التي ملأت المستشفى، وكل منها يُعبر عن قصة أصحابه. من بين هؤلاء، تواجد المسلمون بأعداد ليست بقليلة، وعندما سألت إحداهن عن معرفتها بالضحايا، قالت: «اللي جوه دي أختنا وعشرة عمر.. واكلين شاربين كل يوم مع بعض في الشغل.. وأول ما سمعنا الخبر جينا علطول». أما في الداخل، فوقعت المشادات بين أهالي المتوفين لمنع بعضهم من الدخول، فيما تواجد المصابون في قسم الاستقبال، وهم لم يستطيعوا حتى التعبير عن حالهم، فكانت الصدمة لها الغلبة والقوة. جارتها تفاجئت بدخولها على «نقالة» أوديت صالح (70 عام) أخبرت جارتها أمال، التي تسكن في الشقة المواجهة لها، إنها ستذهب غدًا مع ابنتها ميرا لحضور القداس بالكنيسة البطرسية في الكاتدرائية، وهو ما اعتادت عليه؛ لأن ابنتها خادمة بالكاتدرائية القريبة من بيتهم، فهي تواظب أيضا على حضور جميع الاجتماعات، وتذهب معها في الرحلات. لكن هذا اليوم ليس كغيره بالنسبة لهن.. فتفاجئت أمال أثناء تواجدها بمستشفى دار الشفاء مع والدتها المحتجزة منذ أيام، بحركة غريبة في المستشفى، وعندما سألت قالوا لها «فيه انفجار حصل في الكاتدرائية.. والمصابين والمتوفيين جابوهم على هنا». شعرت أمال ب«الصدمة» - بحسب ما تصف - وبمجرد أن حملت تليفونها للاطمئنان عليهم، وجدت رجال الأسعاف يحملون ميرا على الناقلة وهي «غارفة في دمائها». ميرا اُصيبت بانفجار في الأمعاء، وتم نقلها إلى مستشفى دار الشفاء، ووالدتها كانت إصابتها أكبر فخضعت لعملية جراحية في مستشفى الدمرداش. وحتى وقت حديثنا مع سوسن شقيقة أوديت، وجارتهم أمال، التي جاءت من مستشفى دار الشفاء إلى الدمرداش، لم يكن أيًا منهما على علم بتطورات وضع أوديت وميرا. وقالت سوسن: «شوية يقولولي أختك ماتت وشوية يقولوا عايشة». لحقت بزوجها في ذكراه السنوية أما السيدة سعاد عطا بشارة فقد وافقت على اقتراح زوج ابنتها الأب بولس، الكاهن بالكنيسة البطرسية الموجودة داخل الكاتدرائية، بإقامة صلاة الذكرى السنوية لزوجها هناك، إلا أنها لم تكن تعلم أنه سيكون آخر يوم في حياتها، وستلحق به. سعاد وعائلتها يسكنون حي الزاوية الحمرا، لكنهم لم يقيموا ذكرى زوجها عزيز عجبان في إحدى كنائس المنطقة، وذهبوا إلى الكنيسة البطرسية بناءً على اقتراح الأب بولس.. وكان «يومًا لن تنساه هذه الأسرة» بعد التفجير الذي وقع داخلها صباح اليوم الأحد أثناء صلاة القداس. جاء أفراد الأسرة لحضور صلاة القداس، فخرجوا منه وقد ملأت الشظايا أجسامهم، لكن لم يفارق أيا منهم الحياة سوى السيدة سعاد، التي كانت تجلس في الصفوف الأمامية بالكنيسة، وهو ما تحكيه ابنة خالتها، تهاني خلة غبريال. تهاني، وهي في ال65 عامًا مثل السيدة سعاد، نجت من الحادث لكنها أصيبت بشظايا في ساقها، حيث ذهبت هي وابنتها وأقاربها بعد الحادث للعلاج بمستشفى الدمرداش. تقول تهاني: «لا أذكر إلا أنه فجأة ونحن نصلي ونسمع عظة القس، وجدنا النجف والشبابيك والسقف يقعان علينا، فخرجنا سريعا، ثم علمت أن من توفوا كانوا في الصفوف الأمامية للكنيسة من جانب السيدات فقط، ما يعني أن القنبلة وضعتها سيدة في حقيبتها وكانت تجلس في الأمام». فقدت القدرة على الحديث دلال هي ابنة السيدة تهاني، وأحد أفراد العائلة التي حضرت مع زوجها وبناتها الذكرى السنوية في الكنيسة، وتلقت شظايا متفرقة في ساقها وجنبها، لكن تم إزالتها. صدمتها جعلتها غير قادرة على الحديث، لكنها قالت: «ما أتذكره أن الانفجار جاء من الناحية الأمامية، لأننا حين كنا نجري إلى الخلف، لم نجد شيئًا». سيدة تصطدم في السقف من شدة الانفجار «شفت ماما وشها كله دم».. تحكي الطفلة التي تبلغ من العمر 4 أعوام ذلك إلى خالها، وهو ما تتذكره عن ما حدث لوالدتها بسمة سليمان في القداس صباح اليوم. بسمة (25 عام) ذهبت كعادتها مع أبناءها وحماتها إلى القداس، وهي تسكن في مواجهة الكنيسة، لكنها عادت هذه المرة ووجها عليه آثار انتزاع شظية منه، وبناتها يتذكرن مشهد الدم، وحماتها ليست معها لأنها توفت بمجرد دخولها المستشفى. لم تستطع بسمة الحديث إلا أنها قالت: «لن أنسى أبدً ما حدث، فقد رأيت سيدة تصطدم في السقف من شدة الأنفجار». صلوات الوداع وقف الموجودون بعد غروب الشمس على سلالم المستشفى التي لم تهدأ طوال اليوم، ورددوا الصلاة الربانية وصلاة الشكر وبعض التراتيل أثناء نقل الجثامين إلى مشرحة زينهم، على أن يلقوا النظرة الأخيرة عليهم غدا أثناء صلاة القداس التي سيرأسها البابا تواضروس في كنيسة السيدة العذراء والأنبا اثانسيوس بمدينة نصر.