لستُ مع التحفظات التى أبداها كثيرون على موعد زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى للقاهرة قبل يوم واحد من بدء محاكمة المعزول محمد مرسى. القرار فى يدنا نحن، وقد يكون مفيدًا أن يأتى الوزير الأمريكى، ثم يكون المعزول مرسى بعد ساعات واقفًا فى قفص الاتهام أمام المحكمة، ليكون ذلك -فى وقت واحد- إعلانًا باستقلال القضاء، وباستقلال القرار المصرى. ربما كان وراءَ توجُّس البعض سنواتٌ طويلة عاشتها مصر فى ظل «اختراع» أن 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا! وربما كان هناك أيضا هذا التخبُّط فى سياسة واشنطن بعد 30 يونيو، وهذا العداء لإرادة الشعب الذى أسقط نظام الإخوان الفاشى الذى كان يتمتع -للأسف الشديد- بتأييد أمريكا وحلفائها وأذنابها! وربما كانت هناك أيضًا هذه الضغوط التى تمارسها واشنطن ومن يوالونها فى أوروبا وفى المنطقة فى محاولة يائسة للوقوف ضد ثورة استعادت الدولة من استبداد الفاشيين، واستعادت القرار المستقلّ بعد سنوات من التبعية. وربما كان هناك أيضا هذا التآمر الذى لم يتوقف لمنع مصر من التقدم على الطريق الذى اختارته فى يناير 2011، وأكدته فى 30 يونيو 2013، وهو طريق الديمقراطية والعدالة.. وقبل ذلك استقلال الوطن وكرامة أبنائه. ورغم كل ذلك، فلا أظن أن الإدارة الأمريكية من الغباء بحيث تتدخل بأى شكل فى محاكمة المعزول مرسى. وقد كان موعد المحاكمة معروفًا منذ فترة، وكانت زيارة الوزير الأمريكى ستتم خلال الأسبوعين القادمين، ولم تكن القاهرة ضمن الجولة الحالية للوزير الأمريكى، لكنه طلب فجأة التعجيل بموعد الزيارة وجاء أمس! وهو ما يعنى أن الأمر لا يتعلق بمحاكمة المعزول، وإنما بأمور طارئة استوجبت التعجيل بالزيارة رغم ضيق الوقت. وهنا ينبغى أن نضع أمامنا بعض التطورات الأخيرة فى هذا السياق: قبل أى شىء.. كان سير مصر بخطى واثقة فى مواجهة الإرهاب الذى يقوده الإخوان وحلفاؤهم، وأيضا فى بناء المستقبل بإنجاز الدستور والعمل على وقف التدهور الاقتصادى وبدء الإصلاح الحقيقى. وكان هناك هذا التحالف الهامّ مع الأشقاء فى الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، والذى لا يتوقف عند الدعم الاقتصادى، بل يقيم شراكة حقيقية تنطلق من الإيمان بالمصير المشترك وتأكيد أن أمن مصر يبدأ من الخليج، والعكس بالعكس. كان هناك هذا الانفتاح على العالم وبدأ نسج علاقات متوازنة مع أطراف دولية هامَّة. ولعل زيارة رئيس المخابرات الروسى للقاهرة قبل أيام والزيارة المرتقَبة لوزير الخارجية الروسى، والتصريحات الهامة للمسؤولين الروس، وفى مقدمتهم الرئيس بوتين، عن استعداد موسكو للتعاون مع القاهرة فى كل المجالات، لعل ذلك كله كان إشارات تقول لواشنطن إنها ستدفع -إن عاجلًا أو آجلًا- ثمن عدائها لإرادة شعب مصر. وبقدر ما كانت مناقشات الكونجرس الأمريكى فى الأسبوع الماضى دليلًا على الانقسام والتخبط فى دوائر صنع القرار فى واشنطن، فإنها كانت جرس إنذار للإدارة الأمريكية بفشل سياساتها فى المنطقة، وبأن الضغط بالمعونات التافهة التى تقدمها لن تُضار منه إلا مصالح أمريكا نفسها. هل تجىء زيارة الوزير الأمريكى لتكون محاولة لوقف التدهور فى العلاقات بين البلدين؟ وهل تكون استباقًا لخطوات لا بد أن تتخذها القاهرة ردًّا على التصعيد العدائى من واشنطن والدعم الذى يقدمه حلفاؤها وأذنابها للإخوان وعصابات الإرهاب.. أم أن واشنطن تحاول قطع الطريق على تطوير أساس فى علاقات مصر بدول أخرى مثل روسيا والصين، خصوصًا فى المجال العسكرى؟ فى كل الأحوال يبقى صحيحًا ما قاله الرئيس الأمريكى أوباما من أن العلاقات المصرية-الأمريكية لن تعود كما كانت من قبل! علاقة التبيعة و99٪ من أوراق اللعبة عند واشنطن انتهت تماما. مصر الآن صاحبة قرارها، وعلى أمريكا أن تدرك ذلك جيدًا. التدخل فى شؤوننا الداخلية مرفوض، وهو ما ينبغى أن تفهمه أمريكا وأن يتصرف على أساسه كل مسؤول مصرى! ومحاولة استخدام المعونة للضغط علينا لن تجدى. علاقاتنا مع دول العالم وفقًا لمصالحنا. حربنا ضد الإرهاب ستستمرّ حتى النهاية. وقوف أمريكا بجانب الإرهاب الذى يقوده الإخوان ستدفع ثمنه الفادح، كل كلام الوزير كيرى عن الديمقراطية لا معنى له إلا بالإجابة عن السؤال الحاكم: هل واشنطن مع مصر وشعبها وثورتها، أم سيواصلون الطريق الخطأ الذى وقفوا فيه مع الإخوان فوجدوا أنفسهم مع الإرهاب «إيد واحدة»؟ هذا هو السؤال الذى ما زال ينتظر من واشنطن الإجابة.