توتر العلاقات مع السعودية كان حديث العاصمة الأمريكية خلال الأسبوعين الأخيرين وحدث ما كان مرتقبا ومتوقعا، وإن كانت واشنطن «تفادت» الحديث عنه وعن تفاصيله. نعم بالأمس كيرى كان فى القاهرة، ولعدة ساعات لمقابلة الرئيس منصور والفريق أول السيسى والوزير فهمى، وقبل وصوله إلى القاهرة قال مسؤول أمريكى للصحفيين المرافقين لكيرى، فى جولته، إن الهدف من المحادثات فى القاهرة مع مسؤولين مصريين هو الحديث الواضح والمباشر و«وجها لوجه» لنوع التقدم الذى تبحث عنه واشنطن ويحدث فى مصر. وحسب ما نقله مايكل جوردون، الصحفى ب«نيويورك تايمز»، فإن هذا المسؤول الأمريكى قال أيضا عن الزيارة وحدوثها قبل يوم من محاكمة مرسى إن كيرى سيتحدث مع الحكومة المصرية عن ضمان حصول كل المصريين على الإجراءات القانونية والشفافية والمحاكمات المفتوحة، وإن المسؤول أضاف أيضا «وكما تعلمون فإننا نطالب -باستمرار- بإنهاء الاعتقالات المسيسة، وسوف نستمر فى فعل ذلك». وبما أن الحدث والحديث فى القاهرة، فإن تفاصيل الزيارة وتبعاتها وربما الإجابة عن السؤال المحير: لماذا أحجمت واشنطن عن الحديث عن الزيارة؟ قد نجدها وقد تتضح بعض الأمور العالقة والمتعلقة بالزيارة ونتائجها سواء أتى الإيضاح (مشكورا!!) من الجانب الأمريكى أو من الجانب المصرى. وكيرى بعد هذه الزيارة الخاطفة للقاهرة يتوجه إلى الرياض. وحسب بيان صادر من الخارجية الأمريكية منذ أيام عن الجولة برمتها والزيارة المرتقبة للرياض فإن كيرى سيلتقى خلالها بالعاهل السعودى الملك عبد الله لمناقشة مجموعة كبيرة من القضايا الثنائية والإقليمية. وأن كيرى «سيؤكد من جديد الطبيعة الاستراتيجية للعلاقة الأمريكية السعودية نظرا لأهمية العمل القائم بين الدولتين تجاه تحديات مشتركة والقيادة التى تمنحها السعودية للمنطقة». الحديث عن توتر العلاقات مع السعودية كان حديث العاصمة الأمريكية خلال الأسبوعين الأخيرين. ووجدت الانتقادات السعودية لمواقف أوباما المتخاذلة والمترددة تجاه المنطقة أصداء واسعة فى الأوساط الأمريكية، ولم يفت اهتمامها بالطبع ما تراه الرياض من مخاطرة أمريكية سواء فى ما يخص التقارب مع إيران أو التخاذل مع سوريا أو التردد فى الوقوف مع مصر الجديدة. وكما أن جين ساكى المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وهى تشرح أهمية وضرورة التعامل الصريح مع الشريك السعودى ودور الدبلوماسية الشخصية وأيضا «وجها لوجه»، أشارت إلى إيمان كيرى بقوة وفاعلية هذه المحادثات المرتقبة، قائلة: «إن الوزير بشكل عام يؤمن بأن (يشمر عن ذراعه) وأن يقوم بالدبلوماسية الشخصية، هى السبيل الذى يجب أن نستمر فى التعامل به ونحن نواجه تحديات عالمية أو قضايا تهمنا». وتعد هذه الجولة التى تشمل بجانب السعودية بولندا والإمارات والأردن وفلسطين وإسرائيل والجزائر والمغرب الجولة رقم 17 لكيرى منذ أن أصبح وزيرا للخارجية فى شهر فبراير الماضى. ومن المقرر أن يعود كيرى إلى واشنطن يوم 12 نوفمبر الجارى. وقالت الخارجية الأمريكية عن زيارة كيرى لأبو ظبى أن الوزير سيناقش مع مسؤولين إماراتيين كبار «تنسيقنا الوثيق حول قضايا ثنائية وإقليمية ذات اهتمام مشترك. وأن هذه الزيارة سوف تعطى للقيادات الفرصة لمناقشة الدور المهم الذى تلعبه الإمارات فى تشجيع الاستقرار والازدهار فى الشرق الأوسط». كما أن الخارجية وهى تتحدث عن المحطة الجزائرية قالت إن كيرى سيلتقى مسؤولين كبارا فى العاصمة الجزائر. كما أنه سيشارك مع نظيره الجزائرى فى رئاسة الحوار الاستراتيجى الأمريكى الجزائرى. والذى دشن فى أكتوبر من عام 2012 والذى يظهر كما قال بيان الخارجية الأمريكية «التنسيق الوثيق والشراكة القوية مع الجزائر» حول مجموعة من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية ومكافحة الإرهاب والمجتمع المدنى، وأن «الزيارة والحوار الاستراتيجى لهو مؤشر المشاركة المتنامية بين البلدين». أما بالنسبة إلى المحطة الأخيرة فى الجولة الحالية فإن كيرى خلال زيارته للرباط سيعقد جلسة للحوار الاستراتيجى بين أمريكا والمغرب. والذى بدأ فى سبتمبر 2012 وهو يركز على التعاون المشترك فى أربعة مجالات هى السياسة والاقتصاد والأمن والشؤون التعليمية والثقافية. من جهة أخرى، واشنطن خلال الأيام الماضية وهى تستقبل نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى وجدت نفسها فى «موقف لا تحسد» كأنها «تجنى ثمار غزوها واحتلالها للعراق وأيضا انسحابها منه»، فالمالكى جاء إلى العاصمة الأمريكية ومعه «قائمة مطالب بمساعدات» من أجل مواجهة العنف المتزايد وتفادى وقوع فى حرب أهلية، وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما أشار فى تصريحاته إلى وجود «عدو مشترك» متمثل فى القاعدة وتعهد بتقديم الدعم العاجل إلا أنه أحجم عن الإعلان عن منح المالكى مساعدات إضافية فى مواجهة الإرهاب. بعض المراقبين لم يترددوا فى القول إن زيارة المالكى أظهرت من جديد التوتر الذى يتزايد فى علاقة المالكى بواشنطن، خصوصا أنه أنهى زيارته دون أن يحصل على كل ما يريد. كما أعرب قيادات بالكونجرس عن عدم رضاهم بمسلك المالكى فى حكم العراق على أساس «هيمنته» الكاملة على الحكم وعدم مشاركة السنيين والأكراد وأيضا سماحه أو عدم منعه لنقل أسلحة من إيران إلى سوريا عبر الأجواء العراقية. ولا شك أن ما تفعله الإدارة أو ما لا تفعله تجاه قضايا المنطقة المشتعلة تعد «لعبة خطرة» قالها أخيرا إليوت أبرامز المسؤول السابق بمجلس الأمن القومى الأمريكى، مشيرا إلى مواقف وسياسات إدارة أوباما وهى تتعامل مع إيرانوسوريا تحديدا، وكيف أن المواقف أو اللا مواقف تقلق وتزعج وتثير مخاوف الأصدقاء والحلفاء فى المنطقة ومنها إسرائيل والسعودية والأردن. ذاكرا: «يبدو أن الأمريكيين يفرضون مخاطر كبيرة وجديدة على دول تعد أصدقاء لهم على مدى عقود». ويضيف: «.. وإذا كانت (نيويورك تايمز) وصفت ما يحدث بأنه سياسة أكثر (تواضعا) تجاه الشرق الأوسط فإن الشىء الوحيد (المتواضع) هنا هو رؤية وقدرة هؤلاء الذى يتولون هذه الأمور فى البيت الأبيض». ووسط هذه الأجواء يحاول كيرى «وجها لوجه» أن يجد حلا للمشكلات أو يجد مخرجا للأزمات الحادة التى تشهدها المنطقة. ويطل علينا من جديد السؤال إياه هل ستنجح دبلوماسية «وجها لوجه» فى «الحفاظ على ماء وجه أمريكا»؟ إن الأيام المقبلة ربما تكشف بعض الأمور.