يبدو أن موجة الشعبوية التي أدت إلى فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في الانتخابات ليكونَ الرئيس القادم، ليست بالأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية و لم تبدأ فيها، وبالتأكيد لن تنتهي هناك، بل إنه من المرجح أن تفضي هذه الحركة العالمية -التي أسست على التهميش السياسي والاقتصادي اللانهائي والظلم الثقافي- إلى المزيد من الانتصارات للأشخاص والدوافع المتعلقة بقلب النظام العالمي القائم. قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: إنه "قبل فترة ليست ببعيدة عن اليوم الذي صدم فيه اختيار دونالد ترامب كل التوقعات، صار رجل أعمالٍ برازيلي ثري، سبق له أن عمل مديرًا في برامج تلفزيون الواقع - عمدة لأكبر مدينة بأمريكا الجنوبية". وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية؛ في جنوب شرق آسيا، انتخب شخص ممن يحملون البنادق لإنفاذ القانون بأنفسهم، كان قد توعد بقتل كل المجرمين وإغراق جثامينهم، ليصبح قائدًا لأمة مكونة من 100 مليون نسمة. وفي بريطانيا - اختار الناخبون بعد قرون طويلة من الاعتدال والبراجماتية أن يتجاهلوا نصيحة الخبراء ليقفزوا نحو الهاوية خارج الاتحاد الأوروبي. وأضافت الصحيفة أنه مالم يقع تغيير هائل للحد من صعود الشعبويين، فإن انتصاراتهم المفاجئة على مستوى العالم قد تتحول إلى هزيمة للعالم، وستكون حينئذ انتصارات لهؤلاء الذين يدعون إلى اتخاذ إجراءات قوية تتخطى سيادة القانون، ويدعون إلى الفردية بدلًا من التعاون، ويضعون مصالح الأغلبية فوق حقوق الأقليات العرقية والدينية. وبحلول الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر انعقادها الربيع المقبل، ترتكز زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، على وضع جيد من الساحة السياسية، وهو ما من شأنه أن يضيف باريس إلى قائمة عواصم العالم التي طالها المد الشعبوي، حيث يُنظر إليها باعتبارها آخر ما ستنتهي إليه جولة التصويت الختامية، وعلى الرغم من أن فرصتها لطالما تضاءلت بين الساسة المتوقع صعودهم إلى السلطة في فرنسا، فإن ذلك قد تغير بعد فوز ترامب. وقبل تصويت فرنسا؛ قد تصبح النمسا أول دولة تنتخب رئيسًا من اليمين المتطرف في بلدان غرب أوروبا منذ عام 1945، بانتخاباتها الرئاسية المقرر انعقادها الشهر الجاري، وفي نفس التوقيت سيصوت الإيطاليون على استفتاء دستوري قد يطيح بحكومة يسار الوسط بزعامة رئيس الوزراء ماثيو رينزي، بالتزامن مع تصاعد أصداء حركة خمس نجوم المناهضة للمؤسسات. المزيد من الصدمات على الرغم من أن الأسباب الحقيقية لصعود الشعبويين تختلف من دولة إلى أخرى، إلا أن هناك تشابه في الخطوط العريضة، فهناك قلق بشأن المكاسب الاقتصادية التي تعود بالنفع على القليل لتترك الباقين في حالة ركود، وعدم ارتياح إزاء الآثار الثقافية للعالم المترابط على نحو متزايد، والاغتراب عن الطبقة السياسية التي تخدم مصالحها الذاتية بمحاباة الأثرياء على حساب الطبقة العاملة. بينما لا تهم مسألة أن هؤلاء القادة الشعبويين عادة ما يكونون من الأثرياء أبناء ذوي الامتيازات الذين تربطهم علاقات ضئيلة بالجماهير الذين يقولون أنهم يمثلوهم. من جانبه قال مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "الناس يستشعرون الحاجة إلى بطل قوي يفجر تلك المؤسسات إلى شذرات"، مضيفًا "سواء كان هؤلاء القادة يشبهون من يمثلونهم أم لا، فهذا لا يهم بنفس القدر الذي تهم به حقيقة أنهم لديهم نية لإشاعة الفوضى". وكان هذا بالتأكيد هو الحال مع ترامب، الملياردير الذي تعلم في أرقى الجامعات وكسب أكبر عدد من الأصوات من المناطق الريفية وبين الناخبين الأقل تعليمًا، وكان ذلك هو الحال أيضًا عندما صوَّت البريطانيون في يونيو، للخروج من الاتحاد الأووربي، فالمصوتون الذين دعموا الانفصال كانوا غالبًا من البلدات الإنجليزية الصغيرة. مد وجزر خارج أوروبا ففي مايو؛ انتخب الفلبينيون رودريجو دوتيرتي رئيسًا لهم، وهو رجل قضى 20 عامًا يدير مدينة جنوبالفلبين كزعيم عصابة، بينما اشتهر دوتيرتي الذي لُقِب من قبل ب"عمدة فريق الموت" بطواف الشوارع على متن دراجة نارية، حاملًا سلاحه على أهبة الاستعداد، متفاخرًا بأنه يأخذ على عاتقه تحقيق العدالة بيده. وكما وعد المرشح الرئاسي دوتيرتي بالعنف؛ تعهد بتخليص الأمة من الجريمة في غضون أشهر، ومنذ ذلك الحين قتل الآلاف من الأشخاص الذين تم التعرف عليهم كتجار مخدرات أو متعاطين بها. بدوره قال أوسكار فيدارت، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو: إن "ترامب يشبه النمط الكلاسيكي الشعبوي بأمريكا اللاتينية الذي يسمى "the caudillo"، وهو مصطلح إسباني يعني "الرجل القوي" أو "الزعيم ذو النزعات الاستبدادية". اضطرابات في ألمانيا المثال الأكثر تطرفًا، وبطبيعة الحال، هو ألمانيا، التي أثبتت أن انتخاب البلاد للكاريزمية الشعبوية هو أمر كارثي للعالم. فبسبب التاريخ النازي للبلاد، صمم النظام السياسي بألمانيا لمرحلة ما بعد الحرب من أجل الدفاع عن حقوق الأقليات ومنع سيطرة الأغلبية؛ لكن الهجمات الإرهابية من قِبل المتطرفين الإسلاميين وموجة المهاجرين غير المسبوقة من الشرق الأوسط تختبر الآن الإرادة الوطنية. وقد أخذ حزب البديل من أجل ألمانيا، في التنامي السريع بعدما تم تأسيسه عام 2013، مستويات مناهضة الإسلام، حيث أعلن الحزب الانتقاد الشديد للدين الإسلامي هذا العام، محذرًا مما وصفه ب"مد و وجود عدد متزايد من المسلمين" على الأراضي الألمانية. ومع الانتخابات الوطنية المقرر انعقادها العام المقبل؛ يدعم الحزب الآن ناخب واحد بين كل ستة ناخبين، كما حقق الحزب مكاسب مذهلة هذا العام في الانتخابات المحلية. ووصف يورجن فالتر، أستاذ العلوم السياسية والخبير في سياسات اليمين المتطرف، قيادة الحزب بأنها "ليست من النازيين الجدد، ولكنها قريبة إلى حد ما من ذلك النهج" ومع ذلك؛ فإن قواعدهم الانتخابية تتسع، بخليط من خوف الألمان من كل شيء بدءًا من الأجانب وصولاً إلى العولمة.