تكشف مراجعة توزيع عناصر القوة بين الوحدات الرئيسية فى هذا النظام، الولاياتالمتحدة، الاتحاد الأوروبى، اليابان، الصين، روسيا الاتحادية، عن عدم وجود دولة واحدة تتمتع بتفوق فى جميع عناصر القوة، ومن ثم فالولاياتالمتحدة تتمتع بتفوق كبير فى بعض عناصر القوة العسكرية، التفوق التكنولوجى والقدرة على نشر القوات، والأيديولوجية، جاذبية الأفكار السياسية والاقتصادية، والدبلوماسية، علاقات صداقة مع العديد من الوحدات الدولية والثقافية، وانتشار الرموز الاستهلاكية للثقافة الأمريكية. إلا أن الولاياتالمتحدة تعانى فى المجال الاقتصادى من مشكلات كبيرة، إذ إنها تواجه تهديدا اقتصاديا فى إطار تدهور أدائها فى هذا المجال مقارنة بالصين، والاتحاد الأوروبى واليابان. وفى نفس الوقت لا تتمتع أى من القوى الأخرى، منفردة، بعناصر القوة اللازمة لقيادة النظام العالمى، فالاتحاد الأوروبى رغم قدراته الاقتصادية، يعانى من ضعف شديد فى القدرات العسكرية، وأيضا فى القدرة على الفعل السياسى المستقل على النحو الذى أظهرته أزمات البلقان المختلفة وفى مقدمتها الصراع الذى دار فى البوسنة، حيث عجزت دول الاتحاد الأوروبى عن التدخل العسكرى لوقف الصراع، ولم تتمكن من ذلك إلا بعد أن قررت الولاياتالمتحدة التدخل. أيضا فإن اليابان، رغم قوتها الاقتصادية، فإنها غير مؤهلة للقيام بدور قيادى فى النظام العالمى بالنظر إلى ضعفها العسكرى وعدم سيادة ثقافتها وحضارتها فى النظام العالمى. ولا يمكن للصين الشعبية أن تقوم بهذا الدور لاعتبارات عديدة تتعلق بطبيعة مرحلة النمو الاقتصادى التى تمر بها وما ينطبق على اليابان فى الجانب الثقافى ينطبق على الصين أيضا. ومن ثم يرى أنصار هذا الاتجاه عدم إمكان قيام الولاياتالمتحدة بدور القطب الواحد، بالنظر إلى عدم تمتعها بالقوة، بمعنى القدرة على التأثير على جميع التفاعلات الدولية. ومن هنا يمكن القول إن النظام العالمى الراهن لا يمكن أن يكون أحادى القطبية بمعنى هيمنة دولة على النظام، فحتى مع غياب الاهتمام بنظام القطبية الواحدة من جانب دارسى العلاقات الدولية والنظام الدولى نظرا لعدم تكراريته عبر تاريخ النظم الدولية، إلا أنه يمكن تعريف هذا النظام، من خلال بنيان النظام عبر عاملى توزيع القدرات والتوجهات السياسية، بأنه يعنى تركيز القدرات فى يد القطب المسيطر، وتماثل التوجهات السياسية لمختلف الوحدات المكونة للقطب المسيطر، فالقطبية الواحدة هى «بنيان دولى يتميز بوجود قوة أو مجموعة من القوى المؤتلفة سياسيا تمتلك نسبة مؤثرة من الموارد العالمية، تمكنها من فرض إرادتها السياسية على القوى الأخرى دون تحدٍّ رئيسى من تلك القوى، ومن ثم فالعبرة فى تحديد القطبية الواحدة هى بوجود تكتل دولى واحد متجانس سياسيا ومتميز فى توجهاته السياسية عن باقى التكتلات. أيضا لا يمكن اعتبار النظام العالمى الراهن متعدد الأقطاب، حيث يبدو واضحا، ومنذ أزمة الخليج الثانية عامى 1990و 1991، عدم قدرة القوى المختلفة المرشحة لمنافسة الولاياتالمتحدة، وهى اليابان، والاتحاد الأوروبى، والصين وأيضا روسيا، على تحدى السياسة الأمريكية، فهى ليست مؤهلة، حتى الآن، للعب دور أقطاب منافسة للدور الأمريكى، كما أن التعددية تعنى وجود أحلاف متغيرة بين دول عديدة متقاربة فى القدرات. صحيح أن الأزمة المالية العالمية التى برزت أواخر عام 2008، وشبح الأزمة القائمة اليوم، قد مست بمكانة وقدرة الولاياتالمتحدة، وكشفت عن تصاعد دور قوى دولية أخرى أبرزها الصين الشعبية، إلا أن الصحيح أيضا أن واشنطن لا تزال القوة الأولى فى العالم، وتمسك بقيادة منظومة الدول الرأسمالية، وهو أمر متوقع استمراره لعقود عديدة قادمة.