لست من محبي كلينتون، فأنا لا أحب السياسيين الأمريكيين عامة، بأسلوبهم التليفزيوني المصطنع وماكينات البروباجندا التي تساعدهم على خلق أبعاد وعمق لخطابهم السياسي. ولا أخفي عليكم أن ترشحها للرئاسة يذكرني بشدة بكلير آندروود (روبن رايت)، السيدة الأولى ذات الطموح الجامح في مسلسل "هاوس أوف كاردز"، والذي تدور أحداثه حول طموح أحد السياسيين معدومي المبادئ في الوصول إلى كرسي الرئاسة الأمريكية. الخلاصة أنني لست أحد "أرامل كلينتون" كما وصفت جريدة "اليوم السابع" مجموعة من الشخصيات السياسية الرافضة لترامب، وهو بالصدفة نفس التعبير الذي استخدمه إبراهيم الجارحي قبل خروج الجريدة بعدة ساعات. لكن كل هذا لا يمنع أنني كنت أتمنى فوزها بالانتخابات وأن يسقط ترامب من صفحات التاريخ إلى الأبد، لكن مع الأسف استيقظت اليوم مثل كثيرين لأجد أن الكابوس قد تحول إلى حقيقة. "لماذا تكرهون ترامب بهذا الشكل؟! هل تكرهون مصر والسيسي لهذه الدرجة؟!" هذه الأسئلة الخيالية أعتقد أنها دارت بعقول عديد من معارفي أثناء مراقبتهم لهجومي على المرشح الجمهوري خلال الفترة السابقة للانتخابات وسخريتي الشديدة من المتحمسين له من المصريين. فلأسباب مختلفة، اعتبر مؤيدو الرئيس السيسي أنفسهم داخل نفس الخندق مع مؤيدي ترامب كرها في هيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي الأمريكي، لتبنيه ملف التغيير في الشرق الأوسط خلال فترتي باراك أوباما، ولعلاقاته الجيدة نسبيا مع حركات الإسلام السياسي، بالإضافة لكم هائل من الشائعات والخرافات التي يروج لها الإعلام المصري واللجان الإلكترونية. أستطيع أن أتفهم جدا أن يتمنى مؤيد للسيسي فوز ترامب من منطلق براجماتي خالص، يعتمد على مصلحة إدارة السيسي ذات العلاقات المتوترة مع الجانب الأمريكي منذ الثلاثين من يونيو، خاصة في ظل اهتمام كلينتون بملفات حقوق الإنسان، وهو ما بدا واضحا خلال لقائها بالرئيس السيسي في نيويورك في سبتمبر الماضي. لكن ما لا أستطيع فهمه فعلا هو ما لمسته بنفسي من حماس حقيقي لترامب من جانب مواطنين مصريين مسلمين يعيشون بالشرق الأوسط، ويعتبرهم ترامب جزءًا من العدو الأكبر لأمريكا التي يريد هو أن يعيدها إلى عظمتها. مشكلتي الحقيقية هنا هى عدم قدرتهم على تمييز الشيء العطن في شخص ترامب. دونالد ترامب هو رجل مسيحي أبيض، يأتي من خلفية أكثر راديكالية من دوائر الجمهوريين الكلاسيكية التي طالما كان الشرق الأوسط لا يتفاءل بوصولها إلى السلطة بسبب مواقفها الداعمة بشدة لإسرائيل والمعادية لفلسطين والدول العربية والإسلامية. لكن كما أباح كره الجموع للإخوان شيطنة حماس والمقاومة الفلسطينية ككل وأسهم في تقارب مع الجانب الإسرائيلي، نعيد التجربة مع الجمهوريين متناسين سجل جرائمهم في حق العالم العربي فقط من أجل "كيد الإخوان". أفترض أن أفضل وصف لظاهرة ترامب هو تشبيه صديق لي له ب"حازم صلاح أبو إسماعيل"، فقد كان حازم رجلا إسلاميا يراهن على مزاج الأغلبية، وبالتحديد الفئات الأقل تعليما ووعيا بينهم، وترامب هو تجلٍّ آخر لنفس الظاهرة. لم يهتم ترامب أو مؤيدوه للحظة بحقوق الأقليات والفئات الأضعف، بل بنى شعبيته على الكراهية والخوف من الآخر، فكما كان يستخدم أبو إسماعيل خطابا طائفيا يحرض ضد الأقباط والليبراليين ويتهمهم بأكاذيب دون البحث عن دليل أو إحصائيات تؤكد وجهة نظره، اعتمد ترامب أيضا على مهاجمة الفئات التي لا يحبها الأغلبية البيضاء المسيحية، وهم الملونون، والمسلمون، والمثليون، وغيرها من الفئات التي لا تأثير لها في صندوق الانتخاب إذا كانت الأغلبية البيضاء في جيبك. المشكلة الأكبر أنْ ليس لديهم مشكلة في أن يتولى شخص عنصري المنصب الأكثر تأثيرا في العالم، شخص يجاهر برغبته في إغلاق الحدود الأمريكية في وجه المسلمين، شخص يروج للربط بين اللاتينيين -الذين يشكلون 17% من تعداد وطنه- والجريمة والإدمان، شخص لا يخجل من أن يقلل من شأن المرأة بأسفل وأحقر الطرق متطرقا لدورتها الشهرية، شخص يهاجم المثليين لمعرفته بأن الأغلبية لا تحبهم، شخص يسخر إعاقة أحد ذوي الاحتياجات الخاصة علانية على شاشة التليفزيون، لأنه سأله سؤالا لم يعجبه، شخص يلازم نقده لأي شخص انتقادا لمظهره أو لدينه أو لخلفيته العرقية. المشكلة أنهم لا يجدون مشكلة في الاحتفال بفوز شخص لديه كل تلك الكوارث الجوهرية. المشكلة هي عدم توقفنا أمام استخدام تعبير "أرامل كلينتون" الذي يتعامل مع الأرملة، كما لو كانت سبة أو شخص أقل. المشكلة الحقيقية هي تفريطنا في ثوابتنا واتزاننا وعقولنا وضمائرنا تحت شعار الوطنية. المشكلة أن نفس المحتفلين بترامب الآن كانوا على الاستعداد لفعل أي شيء لمواجهة تيار الطائفية والعنصرية التي تبناها الإسلام السياسي في أعقاب ثورة يناير. المشكلة اليوم أنهم لا يجدون في ذلك كله أي مشكلة.