ظلت شركة غزل شبين الكوم على مدى التاريخ جزءا هاما من تاريخ المصريين وبخاصة المنايفة، لذلك لم يكن غريبا أن تعم الفرحة مصر كلها والمنوفية بشكل خاص عندما قضت محكمة الاستثمار بمجلس الدولة بقبول الدعوى رقم 9271 لسنة 2011ق شكلا ومضمونا، وأصدرت حكمها التاريخى ببطلان عقد بيع شركة غزل شبين الكوم وردّ أصول الشركة من المستثمر الهندى مرة أخرى، شىء يُشعِرك بأن مصر تغيرت وأن حصنها الكبير وهو القضاء ما زال هو الملجأ الأخير للشعب وأن دماء الشهداء فى ثورة 25 يناير لم تذهب هباء وأن آلاف المصابين من ثوار التحرير عليهم الآن أن يفرحوا ويسعدوا لأن ما قدموه لمصر أصبحوا يرون خيره أمامهم فى لحظات تاريخية مثل تلك اللحظة العظيمة التى قضت فيها محكمة الاستثمار ببطلان عقد بيع شركة غزل شبين الكوم وردّ أصولها وإلغاء قرار بيع الشركة. شركة غزل شبين لمن لا يعرفها هى قلعة من قلاع ثورة يوليو العظيمة ومصنع كبير من أهم مصانع الغزل فى مصر والشرق الأوسط أقامته ثورة يوليو ضمن ملحمة صناعية عظيمة كانت وما زالت إضافة للدخل القومى فى مصر أقيمت فى الستينيات ولا يمكن أن أنسى وأنا طفل صغير مشهد العمال وهم يخرجون من بيوتهم صباحا متوجهين إلى عملهم فى شبين الكوم يأتون من كل فج من مراكز المحافظة راكبين دراجاتهم منطلقين إلى المصنع ليقدموا من خلاله عملهم ويخرج إلينا من خلالهم أهم خيوط الغزل فى مصر، كانت وظيفتهم فى المصنع تمثل لهم أهمية كبرى نتيجة الدخل المحترم الذى كانوا يتحصلون عليه من خلال عملهم بالمصنع، لذلك شعر دائما عمال مصنع غزل شبين الكوم أن هذا المصنع ليس مجرد مكان للعمل ولكنه جزء هام فى حياتهم وحياة المصريين لذلك كان العمال يتحسرون وهم يرون المصنع الذى نشأ على أكتافهم وجهدهم يباع أمامهم بأبخس الأموال فى أشهر عملية نصب حدثت فى مصر من خلال نظام فاسد وحكومة فاسدة، فبينما كانت القيمة الدفترية لهذه الشركة 174 مليون جنيه ورغم أنه مقام على مساحة 23 فدانا، باعوه لمستثمر هندى ب90 مليون جنيه ولم يسددها إلى الآن، ولا أعرف بالضبط أين كان الضمير الإنسانى والوطنى الذى جعل الأشاوس المسؤولين يبيعون هذا المصنع بهذا الفارق الكبير! لم تقتصر المصيبة على أن المصنع بيع بثمن بخس ولكن السيد المستثمر الهندى مارس الكثير من الأخطاء المالية والإدارية التى أدّت إلى خسارة الشركة 203 ملايين جنيه خلال ثلاث سنوات مما أدى إلى تآكل رأس المال واستخدم هذا المستثمر البغيض كل أدوات القمع ضد العمال فى الفترة التى تسلم فيها المصنع وخفض العمالة من 4 آلاف عامل إلى 1500 عامل فى أربع سنوات، بل أنزل إنتاج الشركة من 80 طن خيط سميك إلى 45 طنا فقط، مما يؤكد أن هذا الهندى قد تعمد الإضرار بالشركة، لكن أخيرا أنقذ القضاء المصرى المحترم عمال تلك الشركة من هذا المستثمر. ملف بيع مصنع غزل شبين الكوم وأيضا ملف عمر أفندى يدلان دلالة كاملة على أن مصر شهدت حالة سيئة من الإضرار العمدى بالمال العام، ونحمد الله أن قضاء مصر وقف وقفة شامخة ضد ذلك ولا يمكن لنا إلا أن نقف معا وقفة واحدة شامخة ضد تلك الأمثلة من بيع مصانع القطاع العام لأننا نعلم جميعا أن تلك المصانع ما هى إلا مصانع الشعب، ونحن هنا لا بد أن نشيد بمجموعة من العمال والناشطين السياسيين والحقوقيين الذين لم ييأسوا وناضلوا نضالا شريفا من أجل عودة الحق لأهله، وأنا شخصيا كنت قريبا مما يحدث فى غزل شبين وأستطيع أن أؤكد أن عملية البيع والوقوف ضدها قد أخرجت الكثير من القيادات العمالية الشابة المحترمة المناضلة، ولا بد أن نعترف أن الكثير من القيادات العمالية من العهد البائد مارست أساليب غير محترمة للضغط على تلك الكوادر الشابة لوقفها عن مساعدة العمال والوقوف ضد البيع، لكن فى النهاية انتصر الحق ورجع لأهله، فلذلك لم يكن غريبا أن تمتد المظاهرات فى شوارع شبين الكوم منددة بالعهد البائد وفرحة بما قضت به محكمة الاستثمار. الفرحة عمّت أرجاء شبين الكوم والمنوفية، لكنى على يقين أن الفرحة عمّت مصر كلها، وعلى الرئيس المخلوع وزبانيته فى طرة أن يسمعوا صوت المتظاهرين بشبين الكوم وهم يهتفون «مبارك باعها والثورة أممتها»، و«بالروح والدم نفديك يا غزل شبين» و«واحد اتنين الحرامية فين». أخيرا ستعود شركة الغزل لاسمها الحقيقى شركة غزل شبين الكوم بعد إزالة اسم «أندوراما شبين تكستل».. رجع الحق لأهله فلتعش ثورة 25 يناير رافعة أعلامها مرفرفة فى سماء مصر والعالم لتقول لهم جميعا: نحن هنا.