أربعون عامًا مضت على حرب السادس من أكتوبر 1973، تلك الحرب التى سطّر من خلالها العسكرى المصرى ملحمة تاريخية بدأت الساعة الثانية بعد منتصف نهار ذلك اليوم بعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف. سبّبت المفاجأة صدمة عصبية لقادة إسرائيل، وعلى رأسهم رئيسة الوزراء فى ذلك الوقت جولدا مائير، التى أُصيبت بحالة انهيار هى وعدد من أعضاء الحكومة، لدرجة أنهم تعاملوا مع الحرب باعتبارها نهاية الدولة العبرية، وهو ما نقلته حرفيًّا إلى مستشار الأمن القومى الأمريكى، اليهودى، هنرى كيسنجر. كبّد الجيش المصرى القوات الإسرائيلية خسائر هائلة فى الأفراد والمعدات. وفى الوقت الذى لم تكن هناك فرصة لقواتنا المسلحة لتعويض ما تفقده من أسلحة وعتاد، بدأت واشنطن فى تقديم السلاح والعتاد لإسرائيل من خلال الجسر الجوى المباشر الذى كان ينقل السلاح من قواعد حلف شمالى الأطلنطى فى جنوب أوروبا إلى المطارات الإسرائيلية التى كانت مقامة على أرض سيناء، حتى تشارك فى القتال مباشرة. بفضل المساعدات العسكرية الأمريكية وصور الأقمار الصناعية الأمريكية، تمكّنت القوات الإسرائيلية من العبور إلى غرب القناة، فى ما عرف بقضية «ثغرة الدفرسوار». كانت حرب أكتوبر على ما انتهت إليه بمثابة أول هزيمة عسكرية إسرائيلية أمام جيش عربى، والقول بهزيمة إسرائيل هنا يتجسّد فى نجاح القوات المصرية فى عبور قناة السويس (وتجلّى الإبداع المصرى فى قصة خراطيم المياه لفتح طرق مرور فى السواتر الترابية المرتفعة التى أقامتها القوات الإسرائيلية على طول القناة، وإغلاق فوهات النابالم التى كان مقررًا لها أن تحيل مياه القناة إلى كتلة لهب مشتعلة تحرق كل مَن وما فى المياه)، وفى اقتحام خط بارليف الذى كان يعد من أقوى الخطوط الدفاعية تحصينًا فى ذلك الوقت، وتحرير مساحة من أرض سيناء وفق خطة مدروسة تبقى قواتنا تحت حماية قوات الدفاع الجوى. ولا تتعلق قصة الثغرة وتسلل قوات آريل شارون إلى غرب القناة، بقصور من القوات المصرية بقدر ما تتعلق بشهامة مصرية رغبة فى تخفيف الضغط على الجبهة السورية التى كانت فى سبيلها للانهيار، فتقرر كنوع من تخفيف الضغط على القوات السورية، تجاوز خطة العمليات المعتمدة والتحرك إلى منطقة المضايق خارج المنطقة المغطاة بصواريخ الدفاع الجوى، كان التحرّك بعيدًا عن حماية الدفاع الجوى، فتعرّضت قواتنا اعتبارًا من الرابع عشر من أكتوبر لمصاعب عديدة قادت إلى وقوع الثغرة وهى المنطقة الفاصلة بين قوات الجيشين الثانى والثالث والتى صوّرتها الأقمار الاصطناعية الأمريكية وقدمتها إلى إسرائيل حتى تبدأ فى الدفع بقوات عبر هذه الثغرة للوصول إلى غرب القناة، وهو ما تحقق بالفعل وسبّب ضغطًا شديدًا على قواتنا. كما تُقاس الحروب والمعارك بالنتائج، فكما يُقال «الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى» فإن الحرب كانت وسيلة لتحريك الموقف السياسى، كسر الغطرسة الإسرائيلية وإلحاق الهزيمة بقوات وُصفت بأنها «لا تُقهر»، وقد تحققت هذه الأهداف معًا، فقد سببت الحرب زلزالًا حقيقيًّا فى المجتمع الإسرائيلى الذى استفاق على وقع حجم الخسائر فى قواته ومعداته، كما تم التحقيق فى الأسباب التى قادت إلى ما جرى ووضعوا له عنوانًا عريضًا هو «التقصير» مَن سببه ومن أين جاء؟ وقد حمّلوا كل المسؤولية للقيادة العسكرية، وعلى رأسها رئيس الأركان فى ذلك الوقت الجنرال دافيد أليعازر الذى جرى تحميله المسؤولية الرئيسية عن التقصير الذى قاد إلى ما جرى فى أكتوبر 1973، وحتى اليوم لا يزال خبراء إسرائيل يناقشون حقيقة ما جرى، وهل كان أشرف مروان جاسوسًا لإسرائيل أم عميلًا مزدوجًا زرعه السادات فى قلب إسرائيل؟ما تحقّق فى حرب أكتوبر 1973 على يد قواتنا المسلحة إنجاز يصل إلى مستوى الإعجاز فى ضوء القدرات المتوافرة لدى طرفى المعارك، وهو الانتصار الكبير لقواتنا على القوات الإسرائيلية، والذى فتح الطريق لسقوط الغطرسة الإسرائيلية والقبول بمفاوضات تسوية سياسية قادت إلى تحرير كامل التراب الوطنى المصرى، ولو كان القادة العرب فى ذلك الوقت ساروا مع السادات لتغيّر المشهد برمته فى الأراضى الفلسطينية، فى لبنان والجولان، فقد أدرك السادات أن الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى، ومن ثَم فلا بد من عودة السياسة لاستثمار ما حققته الحرب سريعًا وإلا فإن الفرصة ستمر وتتلاشى، لذلك تحرّك بعد اتفاقيتى فض الاشتباك سريعًا، فكانت زيارة القدس فى نوفمبر 1977، واتفاق كامب ديفيد 1978، ثم معاهدة السلام مع إسرائيل فى 26 مارس 1979، والتى استردت مصر بموجبها آخر شبر من أرضها ممثلًا فى طابا، وعلى إثر معاهدة السلام أُصيب رئيس الوزراء الإسرائيل مناحيم بيجين، بالاكتئاب، فاعتزل السياسة وذهب بعيدًا فى الصحراء منعزلًا إلى أن وافته المنية. تحية لرجال قواتنا المسلحة فى ذكرى السادس من أكتوبر العطرة، فقد ردّوا أرض الوطن ومعها كرامته، واستردّوا مصر ثانية بعد اختطاف لمدة عام من قبل التنظيم الدولى للجماعة.