جامعة طنطا تستضيف فاعليات مبادرة بداية جديدة لضمان جودة التعليم    ب«برامج تعليمية وتحية العلم».. بدء العام الدراسي بجامعة أسوان    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    إزالة 9 حالات تعدٍّ بفايد ضمن الموجة 27 بالإسماعيلية (صور)    أسعار المستلزمات المدرسية مساء اليوم الخميس 18-9-2025    «ڤاليو» و«موبايل مصر» يطلقان أول خدمة «الشراء الآن والدفع لاحقًا» بين الأفراد في مصر للهواتف المحمولة المستعملة    ترامب: نعمل على إنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا    أمريكا تكشف هوية المتهم بقتل 3 رجال من شرطة في بنسلفانيا    عماد الدين حسين: ما يحدث في غزة تنفيذ عملي لمخطط تصفية القضية الفلسطينية    ترتيب الدوري المصري بعد فوز الزمالك على الإسماعيلي    القنوات الناقلة مباشر لمباراة برشلونة ضد نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا.. والمعلق    "دخول الإسعاف".. توقف مباراة أسوان ولافيينا بعد سقوط عنيف    الداخلية تكشف حقيقة مقطع فيديو مثير للجدل بكفر الشيخ    تكريم فريدة فهمي وحنان سليمان في الدورة الثالثة لمهرجان إيزيس لمسرح المرأة    مهرجان الجونة السينمائي يواصل تعاونه مع سينما زاوية للعام الثالث على التوالي    "هى مين فيهم؟".. شيماء سيف تثير الجدل بصورتها مع إليسا    ما حكم حفظ القرآن في المسجد أثناء الحيض؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    إنقاذ وجه مريض من ورم سرطاني بمستشفى السنبلاوين في الدقهلية    نائب رئيس جامعة بنها تفتتح المؤتمر السنوي لقسم الباطنة العامة بكلية الطب    حافلة الزمالك تصل ستاد قناة السويس لمواجهة الإسماعيلى    أوكرانيا تستهدف مصافي نفط روسية قرب نهر الفولجا    أمطار ورياح.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس غدا: «اتخذوا كافة التدابير»    سحب 961 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    تأجيل نظر تجديد حبس "علياء قمرون" بتهمة خدش الحياء العام ل 20 سبتمبر    بكين: لن نسمح باستقلال تايوان والعالم بين السلام والحرب    بعد توالي المآسي القومية.. ترامب وأوباما حالة من التناقض (تقرير)    "التعليم العالي": التقديم الإلكتروني المباشر لطلاب مدارس التكنولوجيا التطبيقية للقبول بالجامعات    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    القصة الكاملة لواقعة اختفاء أسورة ذهبية نادرة من المتحف المصري: باعوها ب 194 ألف جنيه    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    استمتع بصلواتك مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    القنوات الناقلة مباشر مباراة مانشستر سيتي ونابولي في دوري أبطال أوروبا 2025- 2026    المقاولون العرب يكشف عن هوية المدرب المؤقت بعد رحيل محمد مكي    الصحة: تقليص معدل الإنجاب وتحسين الخصائص السكانية في 7 محافظات    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة في الوادي الجديد    "فلافل" و2 جنيه السبب.. كيف حسمت كيت بلانشيت مشاركتها في "كابوريا"؟    «الري»: خرائط لاستهلاك المحاصيل للمياه للوفاء بالتصرفات المائية المطلوبة    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    إهانة ونفس ما حدث في لقاء الزمالك.. غزل المحلة يهاجم حكم مباراة المصري    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    سعر الأرز والفول والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    «الأرصاد» تُطلق إنذارًا بحريًا بشأن حالة الطقس اليوم في 8 محافظات: «توخوا الحذر»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب ومبدعون يكتبون فرحًا فى 6 أكتوبر
نشر في التحرير يوم 06 - 10 - 2013


شعبان يوسف
بعيدًا عن الشعر والقصة والرواية والمسرح والغناء والموسيقى والسينما، يجد الكتاب والمبدعون أنفسهم غير قادرين على امتلاك التعبير الفورى عن الأحداث الكبرى إلا بالخطرات والعبرات التى تنساب من أقلامهم دون أدنى حرص على وضع هذه العبرات والخواطر فى قالب فنى معين، لكنهم يشتعلون ويصرخون ويفرحون ويبكون دون انضباط محكم، ودون قواف وأشكال سردية ودون حوارات مسرحية، وهذا يحدث فى الأفراح، كما أنه يحدث فى الأتراح، فى حرب 1956 حدث، وفى نكسة 67 حدث، وفى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وكذلك فى انتصار 6 أكتوبر العظيم حدث، لا ينتظر الكاتب أو المبدع أن ينزل عليه وحى من السماء حتى يبدع قصيدة أو قصة أو رواية أو مسرحية، لأن هذه الإبداعات ربما تحتاج إلى وقت طويل حتى تختمر الأحداث ليكون، لذلك ينطلق الكتاب والمبدعون ليعبروا عن أنفسهم كيفما اتفق، وكيفما أرادت اللحظة العبقرية، والتى تخرج الكاتب عن أدوات التعبير عن نفسه، فنجد الشعراء والموسيقيين والروائيين يعبرون عن انفعالاتهم التى تنقل الحدث الموتر والمتوتر بشكل يخرج عن الأنساق الأدبية المعهودة، هكذا كان انتصار 6 أكتوبر منذ أربعين عامًا، دفع هؤلاء الكتاب والمبدعين ليعبروا عن أنفسهم بطرق مختلفة، حسبما عاش كل منهم اللحظة، وكيفما رأى الحدث، هنا مختارات قليلة من بستان أكتوبر العامر والغامر بعطوره وروائحه العظيمة، هنا كتاب ومبدعون من العالم العربى الواسع والذى كان موحدًا، أو أنه توحد على مواجهة عدو واحد، فالحرب لم تكن فى مصر فقط، بل إنها كانت فى سوريا والعراق والسعودية والجزائر، الحرب كانت تهم جميع العرب، لذلك تعددت الأغراض والحلم كان واحدًا، هنا أعلام ورموز، أطلقوا مشاعرهم بأشكال مختلفة، رقصوا وغنوا وشخبطوا وأطلقوا صيحات فرح مدوية تحت سقف حلم عربى واحد، تعالوا لنشم هذه العطور من بستان أكتوبر العظيم.

الشاعر محمود درويش.. العرب قادمون
انتظرنا أيها العالم، انتظرنا قليلا، فإننا قادمون إليك، مشغولون، الآن، ببناء الأيدى التى تصل إليك.
منكبون، الآن، على تربية الأقدام التى تحملنا إليك.
غارقون، الآن، فى عملية تركيب الجسور التى يعبر عليها صوتنا إليك.
انتظرنا أيها العالم، انتظرنا قليلا، فنحن الآن نتعلم المشى على الأرض، مرة أخرى، نتعلم المشى، فلا تلعب كثيرًا كثيرًا بالكرة الأرضية التى تهتز، لا تلعب كثيرًا، فعما قليل يصير بوسعنا أن نعيدها إلى التوازن، إذا شئت، وعما قليل يصير بوسعنا أن ندفعها إلى الانفجار إذا شئت.
نحن نتعلم المشى.
_ انترنا أيها العالم!..
ها هو وجهنا يخرج من قاع النيل كحمامة كانت تغرق.
وها هى يدنا تخرج من فرن الصحراء كتحية كانت تحترق.
وها هى روحنا تعود من السبى، ترتدى جسدًا من قمح وشمس.. وتعود.
- متى تذكرتم، متى؟ يسألنا العالم
- حين نسيتنا تماما، نقول للعالم
ونواصل المجىء.
- ألا تعتذرون؟يسألنا العالم.
- لن تعطينا المغفرة، أن موتنا وحده، هو الذى يأخذ شكل المغفرة، ونحن نعتذر.. نعتذر لأننا تأخرنا فى الرحم، ولكن الولادة عسيرة فى هذه الأيام، والجنود الغزاى يحاصرون مدخل الرحم، وأنت الشاهد المحايد أيها العالم.
- القابلة تأتى مع الجنين، من الداخل تأتى القابلة.. من الداخل.
وها أنتم تعرفون.
- انتظرنا أيها العالم! انتظرنا قليلًا، فإن الولادة العسيرة، تملأ المدن، ونحن قادمون إليك، تأخرنا لأننا كنا نبحث عن طريق آخر، ولم تخبرنا أن دهاليز الدم الخصبة هى الدرب الوحيد الذى يفيض إليك، ثم تخبرنا أن باب الرحم هو فوهة البركان.
.. فى طريق آخر، سقطت أيدينا فى النيل.
وفى طريق آخر، ضاعت دمشق المكان عن دمشق الزمان
وفى طريق آخر، وقعت وجوهنا فى ليل أغلقت عليه الباب
وشاع العقم
- أيها العالم! ألا تصدق إنها الحرب
- ما هى إذن؟ يسأل العالم
- إنها إعلان الحضور، وإنها طريق الوصول إليك، للحرية يشبه صوت الحرب، لكنها تختلف، وإذا كنت حرًا أيها العالم، أو إذا كنت تحب الحرية، ستدرك أنها ليست الحرب، ولكنها ضجة الحرية.
انتظرنا أيها العالم، انتظرنا قليلًا، فإننا نتعلم المشى على سطح الكرة الأرضية، ونعيدها إلى التوازن.
حدق فى وجوهنا..
هذا الدم: فرح
وهذا الدخان: حمام
ومن فوهة هذه البندقية: ينهمر السلام على الأرض الحزينة.
أنسى الحاج.. من يوميات أكتوبر
لعل أكثر ما يؤثر فى نشوة المصريين بما حققوه خلال قتال الأيام الخمسة هذه.. إنها نشوة أمة تقول للأمم النصر من أجل حياتنا لا من أجل موت الآخرين، نريد النصر لمجد الحرية لا لفرض الاستعباد.
أليس المصريون أعرق الشعوب فى حب الحية والفرح بها؟
الحرب المغسولة بالنيل وجهها أقل بشاعة من أى حرب.
وتكاد تطير منها حمامات سلام من أجل الغد.
ماذا نريد؟ الثأر؟ كلا. أخطأ من سماها حرب الثأر، نحن أرسخ من أن نكون مجرد لمد أو لجذر.
ما نريده أبسط بكثير وأجمل بكثير وأصعب بكثير: إنه العدل، نريد أن نحيا، نريد أن نحيا ودون خوف ودون ذل، لا أن نكون ضحايا ولا أن نكون جلادين، بل أحرارًا.
«كنا فى أوروبا.. للمرة الأولى شعرنا باعتزاز، لكوننا عربًا، تغيرت نظرتهم إلينا، صاروا يحترموننا»
من منا لم يسمع صديقه العائد من سفره يخبره كلامًا كهذا منذ بدأت الحرب؟
ولماذ تغيرت نظرة العالم إلينا؟
لأننا أثبتنا أننا أقوياء، وصار يحترمنا.
... يوم كنا نضع ثقتنا فى الأمم المتحدة والقوانين والضمير العالمى، ساعين إلى حل من غير إراقة دماء، كان العالم يحتقرنا».
ويوم نزعنا ثقتنا من «العالم» وتجاهلنا ضميره الكاذب، رفع قبعته وانحنى إجلالًا.
أى عالم هو هذا العالم؟
ألم يجد فينا ما يحترمه غير السلاح والحرب؟
أهذه كل فضائلنا؟
وتسامحنا؟ وإنسانيتنا؟ وتاريخنا؟
وحضارتنا؟ وكل ما فى إنساننا من خير ومحبة وطيبة؟ وحقوقنا العادلة؟ الواضحة؟ البديهية الصارخة؟
أهذه كلها كان يحتقرها «العالم»، كان يحتقرها لأننا لم نثبت قدرتنا الحربية.
احترام كهذا هو فى الواقع إهانة، وإننا نرفضه.
إن لهذه الحرب شفاعتين:
الأولى أنها حرب أصدقاء السلام، والأخرى أنها حرب الذين خيب العالم المتحضر كل آمالهم، فاضطروا باللغة الوحيدة التى يفهمها.
وها هو بدأ يفهمها. بيروت أكتوبر 1973
غادة السمان.. عيد الغفران العربى
كان يوم 6 أكتوبر يوم الغفران الإسرائيلى، فصار يوم الغفران العربى. إنه عيد غفراننا لأنفسنا خطيئة ما بعد 5 حزيران، وعيد غفران التاريخ لنا..
الألعاب النارية فيه كانت قذائف الطائرات...
وأضاحى هذا العيد كانت أجساد المقاتلين العرب الذين تحروا أنفسهم على مذبح التاريخ ليمنحهم التاريخ الغفران.. صوت الرصاص كان أغنية العيد.. والطائرات أراجيحه.. والنصر حلواه...
لقد سقطنا بعد هزيمة 5 حزيران فى هوة الحزن واليأس والعار، وحملنا الهزيمة مثل حجر القبر فوق صدورنا... رزحنا تحت وطأة الشعور بالذنب، وكما يقول الدكتور يوسف إدريس: «فى البداية كنت أغلب زملائى شديد القهر للنفس والتبكيت لها والمعاتبة والإحساس، إننى أحد أسباب الهزيمة، ثم بدأت أكتشف أن الهزيمة الحقيقية هى أن تقف هذا الموقف المكسور»…
«الموقف المكسور» كان من بعضه أن انسقنا إلى تمجيد قوة عدونا لنبرر أمام أنفسنا هزيمتنا... ووجدت أسطورة إسرائيل التى لا تقهر أرضًا خصبة فى نفوسنا المكسورة.. ونسينا طرح قضية احتمالات الحرب، وتوقفنا عند الحديث عن حالة «اللا سلم واللا حرب»، التى توهمنا أن إسرائيل فرضتها وكرستها ولا راد لقضائها!
إلى أن كان يوم 6 أكتوبر.. يوم الغفران العربى.. يوم استعدنا الإمكانية الأشرف والقدرة الأنبل: القدرة على الحرب.
نصر؟ هزيمة؟ لا يهم: فالحرب جولات... المهم أننا انتصرنا على موقفنا المكسور.
وكان عيد الغفران العربى.
15 أكتوبر سنة 1973.
نزار قبانى.. حبيبتى تتعطر بالنفط
للمرة الأولى.. أشترى زجاجة بترول.. وأهديها لحبيبتى..
وللمرة الأولى.. تأخذ حبيبتى الهدية باعتزاز.
وتضع قطرة نفط تحت الأذن اليمنى..
وقطرة نفط تحت الأذن اليسرى..
وتشكرنى لأننى أعدت إليها الثقة بأنوثتها.. وأهديتها عطرها المفضل: النفط.
الأنوثة العربية، بعد حرب تشرين، تخلت عن أدوات التواليت القديمة..
نسيت عطر لانفان وديور وروشا، وأصبحت تتعطر بعطر كركوك، والظهران، والأحمدى، وليبيا، والجزائر، وأبو ظبى، والبحرين، وقطر.
حبيبتى بعد حرب 6 تشرين، تفضل أن تستعمل عطرًا قوميًّا.. وأنا أحبها بشكل أعنف، لأن رائحتها صارت مختلطة برائحة وطنى المقاتل.
هل حدث لكم أن أحببتم امرأة فى زمن الحرب؟
هل حدث لكم أن واعدتم امرأة تحت جناح طائرة فانتوم محترقة فى أحد شوارع دمشق؟
هل حدث لكم أن تغزلتم بامرأة تغط مشطها بماء قناة السويس، وتمشط شعرها وهى تسند ظهرها إلى دبابة إسرائيلية معطوبة على خط بارليف؟
هل حدث لكم أن رأيتم عينى حبيبتكم على ضوء الشظايا، وسمعتم صوتها يخرج كالوردة، من تحت أكياس الرمل، وإيقاع صفارات الإنذار؟
هل عرفتم كيف يصير وجه الحبيبة.. وخريطة الوطن شيئًا واحدًا؟..
لقد عرفت كل أنواع الحب..
لكن الحب فى زمن الحروب، شىء آخر.. شىء آخر..
ولقد سافرت إلى كل عواصم العشق..
وتجولت فى كل شوارع العشاق..
ولكن شارع «أبو رمانة» فى مدينة دمشق، بأبنيته المهدمة، وشرفاته المتساقطة، وأصص أزهاره المحترقة، وأشجاره التى حصدتها الصواريخ، أصبح أهم شارع فى العالم، لأن الكبرياء والبطولة أصبحتا من بين سكانه..
الجنود العراقيون والمغاربة الذين قاتلوا دفاعًا عن عذرية الشام، أصبحوا قصيدة على فم الشام..
كل أم دمشقية تروى لأطفالها فى هذه الأيام، قصصًا خرافية عن هؤلاء الفرسان الذين توهجوا كالبروق على ذرى الجولان..
العراقيون على الجبهة، رفضوا استعمال إجازاتهم، ولو لبضع ساعات، لأن السيف فى نظرهم لا يأخذ إجازة.. كيفية الموظفين..
والمغاربة الجرحى فى المستشفيات السورية رفضوا أن يبعثوا لأهلهم رسائل اطمئنان، لأنهم جاؤوا إلى سورية ليموتوا موتًا حقيقيًّا، لا نصف موت..
أساطير.. أساطير.. أساطير تملأ دمشق.. لممتها من شفاه الناس.. وأنا أصرخ من شدة التيه والعنفوان:
(أولئك آبائى فجئنى بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع)
أوروبا ترتعش من البرد..
وهولندا تلطم خديها كامرأة مات زوجها فى عز الشتاء..
وحبيبتى، تلعب بقارورة النفط التى أهديتها إليها.. وتغنى..
تطلب منى حبيبتى وهى تضم القارورة إلى صدرها، أن أكتب بالنيابة عنها رسائل شكر إلى الملك فيصل، والشيخ صباح السالم الصباح، والرئيس هوارى بومدين، والرئيس أحمد حسن البكر، وحاكم أبو ظبى، وأمير البحرين، وأمير قطر..
وها أنا ذا أنفذ رغبة حبيبتى، التى تتمدد على إيوانها العربى الوثير.. وتغنى فيا ليت غناء حبيبتى يطول...
غدًا.. نواصل يوسف القعيد يكتب عن «جُرح الثغرة».. وشهادة السفير الإسرائيلى على اغتيال السادات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.