الثورة التى تبدأ بحقوق تنتهى فى السلطة كمصالح. انظرى إلى ما حدث فى 25 يناير. التى آلت إلى محاولة مجموعة من المواطنين يعرِّفون نفسهم بأنهم جماعة دينية، الاستئثارَ بالمصالح، واستبعاد الآخرين عنها. سواء كان الآخرون حلفاءهم القدامى من «رفاق الميدان»، أو كانوا خصومهم. لا أتحدث معك هنا عن تبريرات سياسية، بل عن الحقيقة الجوهرية، جماعة معينة فى وطن ما بدأت بالحديث عن الحقوق العامة، لكنها على الأرض كانت تقتنص مصالح خاصة. الثورة المضادة جزء من أى ثورة. ليس لها بالضرورة موقع من السلم الأخلاقى. فى الحالة المصرية مثلا، وعقب ما حدث فى يناير 25، كانت قوى يناير تدافع عن شعارات «عيش حرية كرامة»، وهى شعارات عامة إيجابية. بينما كانت قوى الثورة المضادة تتهم قوى يناير بأنها فى الحقيقة مؤامرة لهدم قواعد الدولة. النتيجة أن حجة قوى يناير كانت أقوى أخلاقيا. لأن قطاعا كبيرا من الشعب لا يرى بأسا فى «العيش، الحرية، الكرامة الإنسانية». ولم ير بأسا فى وجوه إعلامية برزت مع ثورة يناير، شابة، وتتحدث عن دولة العدالة، وطبعا ليست مرتبطة بنظام قديم يراه الوعى الشعبى فاسدا. صدق هذا القطاع الشعارات المرفوعة، حتى وهو مرتاب فى المهارة السياسية لهذه الأحزاب الجديدة، وفى قدرتها على تحمل المسؤولية. صدقها حتى وبعضهم يخشى من وصول الإخوان إلى السلطة. وهذا ما حدث. وهذا كان الضربة القاضية ل25 يناير. ما حدث هو أن ظهور الحقيقة مع سلوك الإخوان فى السلطة قلص القطاع المستعد للاستمرار فى دعم 25 يناير على حالها إلى فئة قليلة جدا. الإخوان واللى بيحترموهم. وأخطأ آخرون خطأ جسيما حين أصروا، حتى بعد انكشاف هذا، على دعم الإخوان. مباشرة أو بطريقة ملتوية. لأنهم لم يدركوا أنهم بهذا يمعنون فى هزيمة 25 يناير. بالربط بينها وبين جماعة صارت مكروهة فى الشارع كراهية المرض. ما حدث هو أن الثورة تساوت مع الثورة المضادة أخلاقيا. وتفوقت الثورة المضادة فى أنها ليست لفصيل عقائدى يقاتل الناس على ما وُلدوا عليه. فصرنا نسمع مقولة: لو كده، يبقى أيام مبارك أحسن. هذه الكلمة سمعتها فى روسيا، وفى أوروبا الشرقية، وفى كل مكان حدثت فيه «ثورة سياسية». مقولة تعبر عن طبيعة السياسة. «الثورة المضادة» جزء أصيل فى الحركة التاريخية لأى ثورة. بل لولا الثورة المضادة لم يكن ل«الثورة» معنى. فالثورة المضادة هى المصالح الموجودة، والثورة هى المصالح الجديدة. فى البداية يبدو أن المصالح الجديدة جاءت لتفنى كل المصالح الموجودة. فى البداية يبدو أن المصالح الجديدة هى النهار، والمصالح الموجودة هى الليل. لكن بالواقع العملى يكتشف الشعب أن لا. ليس من أبيض وأسود بهذا الوضوح. بل إن هناك مصالح راسخة للشعب. وهناك مصالح متنازع عليها. المصالح الراسخة هى الخبز والأمن ومحسنات الحياة. المصالح المتنازع عليها هى الطريقة التى يتحقق بها ذلك. الطريقة التى تدار بها السلطة. والجهات التى تديرها. وهذا الجزء من المصالح، المتنازع عليها، هو جوهر الثورة.. كما أنه جوهر الثورة المضادة. هنا تظهر منافع الثورة المضادة. أنها تمنع الفصيل الجديد من بدء دورة جديدة فى الاستبداد بالحكم. الاستبداد استبداد، سواء كان من رفاق الميدان، أو من خصومه. منافعها أنها ترغم الناس على الجلوس والاتفاق على المصالح المتنازع عليها. على طريقة إدارة شؤون البلد، وعلى طريقة «تداول السلطة». الطرفان الرافضان لهذا هما الإخوان ومتطرفو النظام السابق. لماذا؟ لأنهما كليهما ينوى الاستبداد بالسلطة. غرضه من السلطة لا يتحقق إلا بالاستبداد بها. الإخوان استخدموا القطاع العريض من الشعب بعد 25 يناير لتحقيق هذا الغرض، وانكشفوا. متطرفو النظام السابق يظنون الآن أنه يمكنهم أن يستخدموا 30 يونيو لنفس الغرض. وهذا خطأ كبير. أما من لا يعبدون الأسماء، ومن مصلحتهم فى دولة رشيدة، حرة، منشغلة بالتنمية ورفاهية أبنائها، وناضجة إلى القدر الذى تدرك فيه أن السلطة للتداول حسب الدعم الشعبى. أما هؤلاء فيجب أن يقتربوا معا. من كانت مع الثورة ومن كانت مع الثورة المضادة. وأن لا يبالوا بالمهاترات والشعارات. كل شيجين انكشفن وبان.