استطلاعات الرأى الأمريكية الأخيرة، لا بد أن تدهشك، ف76٪ من الأمريكيين، يعارضون توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، وهذه النسبة تشمل الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، أى أن الغالبية الأمريكية ترفض، حتى المنتمين إلى حزب أوباما يرفضون، وكل دول العالم ترفض، والعالم العربى يرفض، فيما عدا الإخوان والمتأسلمين، الذين يتفاخرون بخيانة أوطانهم، ويرون أنه فى خيانة الأوطان كل الدين وكل الشرف، وكل عار الفخر، ولكن إدارة أوباما تصر!، ولو أنه من العسير عليك أن تفهم لماذا، فاقرأ السطور التالية. أمريكا، ومنذ عام 1974م، لديها خطة لتقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة؛ بحيث تُضيع جهوده فى إعادة لمّ الشمل، وليس فى الاتحاد، القادر على جعل العرب قوة عظمى، تعلو فوق كل القوى، وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، أضاف الأمريكيون إلى مشروعهم فكرة تصدير الإرهاب إلى العالم العربى، عن طريق تصعيد المتأسلمين للسلطة، مما ينقل مشكلاتهم إلى العرب، بدلا من الغرب، وعلى الرغم من ثقتها بأن معظم التيارات المتأسلمة إرهابية النزعة، ديكتاتورية الفكر، وحشية التعامل، إلا أنها رأت أن تصديرها إلى العالم العربى ستشغلها لعشر سنوات على الأقل، وستهبط بالعالم العربى كله إلى الحضيض، فكريا وعلميا وسياسيا واجتماعيا، وهو ما تحلم به أمريكا؛ ليزول أى خطر، يمكن أن يهدّدها فى المستقبل، ثم إن عشر سنوات من الانحدار، فى عالم يَثِب وَثْبًا فى سلم التطوّر، كفيلة بصنع جدار هائل عملاق، من التكنولوجيا والمعرفة، بينها وبين العرب، الذين سيكونون قد اقتربوا من قاع القاع، وسارت خطة المشروع الأمريكى على خير ما يرام، يؤازرها المتأسلمون اللا وطنيون، الذين يشتمونها فى العلن، ويتهمونها بالكفر، ثم يتحوّلون فى الواقع إلى عساكر شطرنج من طين العار، على رقعة مستنقع المشروع الأمريكى، الذى يحلم بتكسير العالم العربى إلى دويلات، أضعف من أن تواجهها، ولهذا ساعدت أمريكا، وساعد نظام أوباما جماعة الإخوان، وموّلها بثمانية مليارات دولار؛ لكى تصعد إلى السلطة، ولكن الأمريكيين فوجئوا بما لم تشمله خطّتهم قط، فوجئوا أوّلا بالغياب التام للرؤية السياسية، لدى جماعة الإخوان اللا وطنيين، وبأسلوبهم الاستبدادى الطغيانى المتعجرف، مع شعب ثار طلبًا للحرية والكرامة، ثم فوجئوا بأن الشعب، الذى تصوّروا أنهم قد أفرغوا طاقته، فى ثورته وتحدّياته، لم يكن يفرغ فى الواقع سوى بعض الفائض من طاقته الوطنية فحسب، وما زال يدّخر حب الوطن لموقف آخر، تفجّر فى الثلاثين من يونيو، بحشود لم يشهد التاريخ كله مثلها، وفوجئوا بأن قائد الجيش رجل صلب جرىء، يحمى وطنه بحياته، حتى ولو تعارض هذا مع المشروع الأمريكى الطويل، الذى أنفقت عليه مليارات المليارات، ولأوّل مرة، فى تاريخها المتغطرس، يتلقّى قفا أمريكا صفعة رنّانة، من قائد مصرى، وشعب مصرى، يؤيّده بالملايين، ولأنه ما من قوة فى العالم، يمكن أن تهزم شعبا اصطفّ صفًّا واحدا، فقد رأت أمريكا أن تنقل مشروعها من مصر إلى سوريا، لتجعلها بؤرة إرهابية جديدة، تشغل المنطقة أو تثير توترها وتستنزف مواردها لسنوات. والأهم أن تحوّل نظر العالم، الذى يشير إلى قفاها المحمرّ، من قفاها إلى قبضتها؛ بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، تقول فيها: «هيييييه، أنا جدع»، والله سبحانه وتعالى أعلم، هل سينتهى الأمر ب«أنا جدع»، أم ستحدث مفاجآت، داخلها وخارجها، وتحلّ عليها لعنة البلطجة، فتصرخ فى النهاية: الحقوووونا... مَن يدرى؟!