وزير الإسكان يعقد اجتماعا لبحث ملف تشغيل مشروع حدائق تلال الفسطاط    المؤشر الرئيسي للبورصة يواصل تراجعه بمنتصف التعاملات بضغوط هبوط أسهم قيادية    عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي: سنوقف الهجمات على إسرائيل حال التزمها باتفاق غزة    فرانس برس عن مصدر في حماس: الحركة لن تحكم قطاع غزة في المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الحرب    جيمس رودريجيز يعادل رقم فالديراما التاريخي مع منتخب كولومبيا    إصابة 7 أشخاص بينهم 5 سيدات فى حادث تصادم سيارتين بسوهاج    وفاة طفل بأزمة قلبية خوفا من كلب فى أحد شوارع قرية كلاحين أبنود بقنا    محافظ الدقهلية يتفقد مديرية الصحة ويؤكد التعامل الفوري مع جميع البلاغات    بني سويف: تجهيز قسم العلاج الطبيعي بوحدة قمن العروس بالواسطى تمهيدا لافتتاحه    رئيس الوزراء الباكستاني يدين استفزازات أفغانستان ويتوعد برد قوي    مستوطنون إسرائيليون يقتحمون المسجد الأقصى    المفوض الأممي لحقوق الإنسان يدين استمرار قتل وإصابة المدنيين في الفاشر بالسودان    كواليس جديدة في ملف تجديد ثلاثي الأهلي    هولندا في مواجهة قوية أمام فنلندا ضمن تصفيات المونديال    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12-10-2025 في تصفيات أوروبا لكأس العالم والقنوات الناقلة    الرئيس السيسى يتابع مع شركة أباتشى الموقف الاستكشافى للمناطق الجديدة    إنفوجراف| أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه    ضبط 106074 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    بالأرقام.. جهود الداخلية خلال 24 ساعة لتحقيق الأمن ومواجهة الجريمة    ضبط دجال بالإسكندرية بتهمة النصب على المواطنين بادعاء العلاج الروحاني    مهرجان القاهرة السينمائي يوضح حقيقة البوستر المتداول لدورته ال46    امير كرارة ومصطفى قمر وشيكابالا في العرض الخاص لفيلم «أوسكار عودة الماموث»    مي فاروق: «ألبومي الجديد تاريخي.. والتكريم الحقيقي حب الجمهور»    بدء توافد النجوم على مؤتمر مهرجان القاهرة ولبلبة والعدل وأحمد مجدى أول الحضور    رامى الحلوانى من شرم الشيخ: أجواء من السعادة تسبق قمة السلام بمشاركة الرؤساء    تعرف على مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم فى كفر الشيخ    «التضامن»: 121 زيارة رقابية لدور الرعاية وتحرير 8 محاضر ضبط قضائي خلال سبتمبر    أسعار الفاكهة اليوم الأحد 12 أكتوبر في سوق العبور للجملة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    رئيس«المؤسسة العلاجية» يتفقد مستشفى دار الولادة لمتابعة جودة الخدمات الطبية    «التضامن» تقر قيد 4 جمعيات في 3 محافظات    أحمد حسن: نسعى لحل مشاكل المنتخب الثاني قبل كأس العرب.. ومجموعتنا تضم ثنائي في المونديال    رحيل فارس الحديث النبوى أحمد عمر هاشم.. مسيرة عطاء فى خدمة السنة النبوية    أسبوع الانتصارات    حرق الرموز وصناعة النجوم: تسريب وترويج وتشويه وتريند    وكيل "تعليم الفيوم" يشهد طابور الصباح وتحية العلم بمدرسة المسلة الإعدادية للبنات    وزارة التعليم تحدد 3 امتحانات بالفصل الدراسى الواحد .. اعرف المواعيد    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 12اكتوبر 2025 فى المنيا    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12-10- 2025 والقنوات الناقلة لها    الرئيس السيسى : حماية المياه تمثل قضية مصيرية ولم تعد شأنا محليا أو إقليميا    كلية الإعلام جامعة القاهرة تحصل على تجديد الأيزو في جودة الجهاز الإداري    تعرف علي أسعار البنزين والسولار صباح اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    لليوم الخامس .. فتح لجان تلقى أوراق طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    بتهمة نشر أخبار كاذبة والإنضمام لجماعة إرهابية.. محاكمة 56 متهمًا اليوم    العظمى في القاهرة 28 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    «زي النهارده».. اغتيال الدكتور رفعت المحجوب 12 أكتوبر 1990    مسلسل لينك الحلقة الأولى.. عائلة ودفء وعلاقات إنسانية ونهاية مثيرة    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    رسميًا.. مواعيد صرف مرتبات أكتوبر 2025 للمعلمين والأشهر المتبقية من العام وجدول الحد الأدني للأجور    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. أنظار العالم تتجه إلى مدينة السلام شرم الشيخ لاستقبال قادة العالم.. زلزال يضرب إثيوبيا.. قائد القيادة المركزية الأمريكية: لا خطط لنشر قوات أمريكية فى غزة    مثقل بمشاكل العائلة.. حظ برج الدلو اليوم 12 أكتوبر    السيسي يستقبل «العناني»: الفوز الساحق بمنصب مدير عام «يونسكو» إنجاز تاريخي يعكس المكانة الرفيعة لمصر    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوصايا السبع لنجيب محفوظ
نشر في التحرير يوم 12 - 09 - 2013

«ألف ليلة وليلة» عمل تراثى مدهش ويستحق عن جدارة أن نعتبره أول محاولة جادة للرواية بمفهومها الواسع، فإذا كان النقاد قد اعتبروا أن «دون كيخوته» أول رواية عرفها الإنسان، فإن «ألف ليلة وليلة» أول رواية كتبتها حضارات وشعوب مختلفة، وشاركت فيها أسماء لا نعرف عنها شيئا، ولعل آخر إسهام فى هذا المشروع الضخم هو ما قدمه العظيم نجيب محفوظ فى روايته «ليالى ألف ليلة»، والذى استخدم فيها نفس تقنية ألف ليلة وليلة من حيث الاستفادة من العوالم الغيبية كعالم الجن والعفاريت والملائكة، كما أنه أعاد استخدام الشخوص ك«شهريار وشهر زاد والسندباد البحرى وعلاء أبو الشامات» وباقى الشخصيات التى تعيش فى عالم يقع بين الواقع والخيال، أضف إلى ذلك الشكل الدائرى الذى اتسمت به الرواية كى تنتهى بك من حيث بدأت لتجد نفسك قد خرجت سالما من متاهة الحكايات المذهلة.. ونحن لو تحدثنا هنا عن رواية «ليالى ألف ليلة» فنحن سنكون بصدد دراسة تستحق كتبا كاملة، لذلك فسيقتصر كلامنا على شخصية واحدة من الرواية، وهى شخصية السندباد ذلك الحمال البسيط الذى يضجر من الحياة العادية، ومن الواقع، فيقرر أن يرمى بنفسه فى عرض البحر والمجهول، ورغم النصائح والتحذيرات فإنه يرى أن الواقع لن يتغير سوى بالمخاطرة والتجربة، وأن العمل كحمال لن يحمل له جديدا فى المستقبل، على العكس، ستضمر العضلات يوما، ويتداعى البنيان، وتخور القوى فيفقد عمله.. ويخرج السندباد من مقهى المدينة إلى البحر، وتعيش المدينة فى سلسلة من الحوادث الغريبة، ويسقط أهل المدينة فريسة تلاعب العفاريت ومكر الغير والتحايل، ويعلو شأن ناس وينحط شأن ناس، وتدور الدنيا فيرى السلطان شهريار حكايات شهر زاد وهى تتجسد أمامه، بل ويصبح هو نفسه جزءا من تلك الحكايات، فيعرف للدنيا وجها آخر، ويعانى من توبة تكاد تكون نصوحة، وتمزقه الحيرة فيغرق فى تساؤلاته الوجودية.. ويعود سندباد فى نهاية الرواية حاملا لأهل المدينة الهدايا النادرة والعجيبة وحاملا للسلطان تجربة فريدة، ويقدم عمنا وعم أعمامنا نجيب محفوظ تلك التجربة فى حوار بديع بين السندباد والسلطان شهريار.. فماذا جرى لسندباد؟
فى رحلته الأولى تتحطم السفينة، فيتعلق هو ومن معه بلوح خشب عملاق ويجدف حتى يصل إلى جزيرة سوداء، ينزلون عليها، ويستقرون بها، ويتجولون فيها فتتحرك الأرض تحت أقدامهم، ويظنون أنها تغرق غير أنهم يكتشفون أنها لم تكن أرضا ولا مستقرا ولكنها فى الحقيقة حوت ضخم، ويقول السندباد للسلطان: «تعلمت يا مولاى أول ما تعلمت أن الإنسان قد ينخدع بالوهم فيظنه حقيقة».
وهذا ما حدث معنا، حين قررنا أن نتوقف عن حمل الأحمال، وأن ننظر إلى المستقبل ونعيد حساباتنا، وأن نجازف ونرمى بأنفسنا فى حضن المجهول، وكان الاستقرار الكاذب هو أول وهم نصادفه فجاءت معركة عجلة الإنتاج، ثم معركة الدستور أولا، وراح الشعب ضحية وهمه.
وتساءل السلطان: «وكيف نفرق بين الوهم والحقيقة؟» فقال السندباد بعد تردد: «علينا أن نستعمل ما وهبنا الله من حواس وعقل».
ويسبح السندباد فى البحر حتى يصل هو ومن معه إلى جزيرة أخرى، ويهده التعب فينام على صخرة بيضاء ملساء وحين يستيقظ يكتشف أن هناك سفينة جاءت وأخذت أصحابه فبقى هو وحيدا...
«تعلمت يا مولاى أيضا أن النوم لا يجوز إذا وجبت اليقظة».
ونحن أيضا تعلمنا أن التخاذل والنوم وقت الجد قد يقضى على أحلامنا، وتركنا الميدان لجمعة قندهار، وتكدسنا أمام شاشات التليفزيون لمتابعة جلسات محاكمة الفلول فى الوقت الذى كان غيرنا يستعد لمعركة الانتخابات البرلمانية والشورى والرئاسة.
ويحالفه الحظ فيكتشف أن الصخر ما هى إلا بيضة عملاقة لطائر مهول يُسمى طائر الرخ، ويستطيع هو بذكائه أن يسخره لنفسه فيطير به بعيدا ويرمى به فى جزيرة جديدة، وفى هذه الجزيرة يستقبله الحاكم بترحاب، ويغدق عليه هو وغيره بالطعام والشراب، فينشغل الجميع ببطونهم أما هو فلا يأكل إلا ما يبقيه حيا ويقظا، وتدور الأيام، ويأتى الحاكم، ويأخذهم جميعا إلا السندباد، وقد أصبحوا براميل من الدهن واللحم، ويجلس السندباد وحيدا، ويضربه الملل فيتسلل كى يرى ما يفعل بهم الحاكم، فيرى الحاكم وهو يشوى أصحاب السندباد ويأكلهم.
ويقول شهريار للسندباد: «الملك أيضا فى حاجة للورع».
ونحن كذلك جاءنا حاكم أراد أن يأكلنا بالزيت والسكر والطعام، ترك له الغافلون الحكم من أجل شهوة البطن فكادوا أن يلاقوا نفس مصير أصحاب السندباد.
ويقول السندباد: «تعلمت يا مولاى أن الإبقاء على التقاليد البالية سخف ومهلكة»، فقد غرقت سفينته وهى فى طريقها إلى الصين، وحط هو ومن معه على جزيرة، ونال من حاكمها وأهلها المعاملة الطيبة حتى إنه تزوج منهم وتزوج صديق له، وماتت زوجة صديقه فقتلوا صديقه أيضا ودفنوه معها وذلك هى عاداتهم، فما كان من السندباد سوى الهرب بحياته بعد مرض زوجته.
وما أكثر ما عشناه فى الفترة السابقة من معارك يريد بها الجانب الآخر أن يجبرنا على عادات عفا عليها الزمن، من إرضاع للكبير، وزواج الصغيرات، ونكاح المجاهدة، وغيرها من الأشياء التى لا تناسب عصرنا ووقتنا وتعطل مستقبلنا!
وفى جزيرة مهجورة يجد السندباد نفسه وحيدا لأول مرة، وفى أثناء تجواله يعثر على كهل عجوز، ويطلب منه العجوز أن يحمله حتى يشرب من النهر، ويحمله السندباد بالفعل، وما إن يستقر العجوز على كتفه حتى يكتفه برجل من حديد، فيكتشف السندباد أنه وقع أسيرا تحت رحمة عفريت محتال، ويرفض العفريت أن يتركه فيصبح السندباد عبدا عنده لا يهنأ بنومه ولا بلقمة حتى يعصر له العنب فى يوم ويخمره فيشربه العفريت وتترخى عضلاته فيسقط على الأرض، وهنا.. يلتقط السندباد حجرا ويهشم به رأس العفريت.. لماذا؟ حتى ينقذ رجالا غيره.. هذا هو العدل.
ونحن أيضا أخرجنا العفريت من سجنه، وتعاطفنا معه ومع فصيلته حتى كاد أن يتخذنا عبيدا، ولولا العقل والإرادة لما عاد إلى سجنه.. ولنا فى تلك الحكاية عبرة أخرى.. حيث إنه لا تصالح ولا تعاطف مع الماكر المحتال، لأنه لن يتوقف عن خبثه. وفى الرحلة الأخيرة، يتزوج السندباد فى جزيرة، ويصنع أهل الجزيرة جناحين من الريش، ويكون هو المنوط بتلك التجربة، فتقول له زوجته: «احذر أن تذكر اسم الله وأنت فى الجو وإلا احترقت»، فيعرف السندباد أن دماء الشيطان تجرى فى عروقهم ويستعين بالله ويطير فى الهواء ليكون أول إنسان يرى الدنيا من أعلى، وينعم بالحرية..
وفى هذه الرحلة الأخيرة يرد نجيب محفوظ على الأغبياء الذين حاولوا قتله، ولم يفهموا فنه يوما، وأنه لا يرى له نجاة سوى بإله يرعاه فى رحلته الأخيرة.. فكيف يكون كافرا إذن؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.