فى الوقت الذى انتظر فيه أهالى غرقى «مركب الموت» فى رحلتهم إلى بلاد الطليان، كلمات الرئيس السيسى كى تهدأ روعهم من التقاعس الحكومى لمواجهة الكارثة، واتخاذ إجراءات رادعة ضد كل من تأخر فى إنقاذ «مواطن» حتى وإن اتخذ قرارًا بالفرار من بلده، خرج الرئيس ليسأل الشباب: «عايز أعرف إنتو عايزين تسيبوا البلد ليه؟!! عايزين تسيبوا البلد و تسافروا مكان تانى ليه؟». «التحرير» سألت الشباب الراغب فى الهجرة، وبعض من هاجروا فعلًا، وعاشوا فى بلاد الأوروبيين، فى محاولة للإجابة عن تساؤل الرئيس السيسى، فكان - الشباب كفر بالبلد «أنا واحد من الناس باحاول أهاجر بكل الطرق، رغم إنى عايش فى وسط كويس وشغال فى وظيفة ممتازة، وباقبض مرتب كويس وعندى عربية وكمان شقة تمليك»، هذا ما قاله على عبده، استشارى نظم ومعلومات، وصاحب مبادرة «حول مصر على موتوسيكل» وهو أول عربى يسجل رقمًا قياسيًا عالميًا على «دراجة نارية» لدعم السياحة، مضيفًا: «الشباب مبقاش عنده أى ثقة فى البلد، يعنى مثلا لو معاك ١٠٠ ألف جنيه معظم الشباب يفضل إنه يسافر عن إنه يعمل بيهم مشروع فى مصر، لأنك لو هتفتح مشروع هيقابلك عقبات كتير زى التراخيص المعقدة والروتين اللى ملوش آخر، ولازم يا تدفع رشاوى يا تشوف واسطة عشان تخلص التصاريح». وتابع: «وحتى بعد ما تحصل على التصاريح بتلاقى مضايقات من الموظفين عشان ياخدوا منك إتاوة شهرية، وإلا مش هتشتغل زى بتوع الحى، اللى أقدر أقوله بكل أسف الشباب كفر بالبلد، الخدمات الطبية فى انهيار، والناس لا ترى أى محاولة للإصلاح، إنت عارف لو الباسبور المصرى أتقبل فى كام دوله معقولة شوية، مش حقولك أوربا ولا أمريكا، مش حتلاقى حد فى البلد، هتستغرب لو عرفت أنى بحاول أسافر جنوب إفريقيا، وكمان بوظيفة أقل كتير من وظيفتى لمجرد الهروب». "بقينا عايشين غصب عننا" «نفسى أسيب البلد وأروح فى أى حتة، عشان تعبت ومش قادر على تحمل الضغوط أكتر من كده وخايف على عيالى، البلد توحشت على ولادها، مفيش آدمية فى التعامل ولا أى إحساس بتقدير الحكومة والدولة لرعاياها، أصبحنا مجبرين على كل حاجة، عايش غصب عنك بتدفع غصب عنك بتاخد خدمات غصب عنك حلوة بقى وحشة مش من حقك تعترض عامل زى ادفع وبعدين اشتكى، ومهما اشتكيت ماحدش هيعبرك» هذا ما قاله محمد حسين أحد العاملين فى جهاز الدولة الإدارى. قمع سياسى وأمني. قال أحمد حمدى، أحد العاملين الشباب بالجهاز الإدارى للدولة، إنه مثل الكثيرين ممن يفكرون فى السفر والهجرة كأحد أبرز الحلول للهروب من القمع والظلم اللى شايفينه بيتم مع الكثير من المظلومين والمختلفين فى الرأى، فضاع مستقبلهم فى السجن دون أى ذنب "فدا خلاهم يفكروا أنهم يسيبوا البلد قبل ما الدور ييجى عليهم"، وعدم شعور الكثير من الشباب بأن هناك فئات بعينها مميزة فى الوضع الاجتماعى والمرتبات والحوافز المالية وغير المالية. أما السبب الثانى من وجهة نظر "حمدى" فهو هربًا من الأزمة الاقتصادية الطاحنة وغلاء الأسعار وسوء الأحوال المعيشية له وأسرته قائلاً: «غالبيتنا مرتباتهم مش بتكفى متطلبات الحياة اليومية فدا بيخلينا ندور على الهجرة، ده بالنسبة للى شغالين أصلاً، ناهيك بالعاطلين الذين لا يجدون عملاً بالأساس". قال أحمد محمد حاصل على بكالوريوس تجارة: "أنا سافرت من أجل البحث عن الشغل اللى مش موجود، ومواجهة غول الأسعار اللى بتزيد كل ساعة، وتوفير تكاليف الزواج، فالظروف الاقتصادية أصبحت لا تحتمل فى مصر". "إحنا هنا فى فرنسا بنى آدمين" "الناس هنا بتعاملنا كبنى آدمين، لكن فى مصر مفيش أرخص من البنى آدم، ومفيش أسهل من الموت تحت أى سبب إما إهمال طبى، أو حادث طريق، أو مسجون" هذا ملخص ما قاله سعد عطية، أحد المهاجرين غير الشرعيين، الذين سافروا منذ سنوات، واستقروا فى فرنسا، مضيفاً: "الشباب بتلجأ للسفر فى البحر من غلبها وصعوبة الحياة فى مصر". وأكد عطية، أنه لا تجوز المقارنة بين الحياة فى أوروبا وبين مثيلتها فى مصر، فنحن هنا "عايشين بجد" لكن أنتم "عايشين ميتيين"، تعليم محترم وسكن ومستشفيات "زى زى ابن البلد"، مشيرًا إلى أن الدولة تمنح من ليس لديه إقامة "كارت صحى" اسمه "إيدى ميدكال"، يستطيع المهاجر غير الشرعى من خلاله إجراء جميع العمليات الطبية أو الكشوف مجاناً، بخلاف حساب فى البنك وإعانة بطالة. وأوضح عطية أنه سافر إلى فرنسا عبر الهجرة غير الشرعية، من خلال السفر للتشيك فى عام 2005، وبعد ذلك سافرت إلى النمسا وتم القبض عليا لأكثر من شهر، وسافرت إلى إيطاليا وتم القبض عليا أيضاً لمدة أسبوعين، ملخصاً ما حدث له "اتبهدلت على ما وصلت فرنسا". ورداً على سؤال "التحرير".. هل فكرت فى العودة والاستقرار فى مصر؟، قال عطية زرت مصر منذ فترة قصيرة ولكنى "اتصدمت" من مستوى المعيشة وسوء الأحوال الاقتصادية، وكل أصدقائى وأقاربى حذرونى من العودة، فلغيت الفكرة فوراً.