الجمهور الذى صنع جماهيرية باسم يوسف يقف الآن فى موقع معلوم سياسيا. هذا -وحده- ضغط على باسم يوسف لا أحسده عليه، فى برنامج قائم بالأساس على السخرية من شخصيات عامة. لو اختار -مثلا- أن يسخر من الضعفاء فقط فلربما فقد صدقيته وجاذبيته، وإن اختار أن يسخر من أصحاب السلطة بلا خطوط حمراء ربما فقد جمهورا وموارد. ألا يكفيه هذا ضغطا؟! بلى. هذا مكان لا أتمنى نفسى فيه. تستطيع الكاتبة أن تكتب ألف مقال فى جريدة تبدو فيها بصورة الشجاعة التى لا تهتم إلا ب«المبادئ». حتى لو كانت مبادؤها تلك مجرد شعارات مضلة كما فى أغلب حالات استخدام كلمة مبادئ بدلا من النقاش المنطقى. تستطيع أن تهمل من يغضبون منها. تستطيع أن تضحى بمرتب شهرين وتحول نفسها إلى شهيدة. أما إن تحول الغضب إلى قيمة مادية محسوسة، أما إن تحولت المذيعة إلى وجه مكروه، إن سقطت سقوطا جماهيريا. بيدها لا بيدى عمرو. فهذا الكابوس الحقيقى. وهذا ما يجعل التليفزيون عظيم الأثر عظيم الخطر، سريع الأثر سريع الثأر. لو كنت من باسم يوسف لاعتبرت أن أقل المسارات مخاطرة بالنسبة لى ستكون إيقاف البرنامج بقرار فوقى. هذا يريحنى من كثير من العناء. ولا يعرضنى لاختبارات غير معلومة النتائج. وهذا ما قد يفكر فيه مسؤولون فى المحطة حفاظا على «الدجاجة التى تبيض ذهبا»، حفاظا على البرنامج من الاحتراق الجماهيرى، حفاظا على أموالهم ومصالحهم قبل أى شىء. من وجهة نظر استثمارية أفهم هذا الدافع. لكن أن يظن أحد أن منع برنامج باسم يوسف سيكون «لمصلحة مصر» ويحملنا جميلا فهذا ما لا أفهمه ولا أتقبله. جميلك مردود يا عم الحاج، لا حاجة لنا به. أنا أريد أن أرى دراما الموسم الجديد من البرنامج، بلا قيود، لكى تجيب لى على أسئلة مهمة فى الحكاية اللى لسه ماخلصتش: 1- عايز أشوف بطل الدراما -باسم يوسف- هيتصرف إزاى، هيعرف إزاى يقود مركبه وسط الأمواج دى. وأيوه، عايز أعرف إزاى هياخد قراره وهيهاجم مين ويستثنى مين. هيدافع عن إيه وهيطنش إيه. مش علشان أقيمه أخلاقيا، لأ، أنا مهمتى الأساسية أشوف المنتج اللى هيطلع دا هيبقى إعلاميا مسلى ومشوق ولا لأ. هيحافظ على الجمهور ولا لأ. أنا عايز أشوفه هينجح فى مهمته ولا لأ. «وأتمنى له التوفيق طبعا». يعنى أنا ماعرفش إيه الاختيار النافع وإيه الاختيار الضار. أنا محتار له. أنا حتى نفسى أشوف موهبته فى اكتشاف نجوم جدد، وهل هيقدر يعوض خسارته الفادحة فى مرسى ولا لأ؟ 2- عايز أشوف السلطة، لو اضطرت، هتتصرف إزاى. إيه نظرة الناس دى لنفسها، إيه مدى ثقتهم فى شعبيتهم وجماهيريتهم، وإيه مدى ثقتهم فى أنفسهم أمام نكتة أو تعليق تليفزيونى ليس فيه سب ولا قذف ولا ادعاء إجرامى بالباطل. 3- عايز أشوف رد فعل الجمهور. هل هو فعلا كتل كل أفرادها شبه بعض، ولا داخل الكتل دى درجات. يعنى ممكن كتلة تكون مؤيدة للسلطة ولكن ماعندهاش مانع أبدا إن السلطة تتعرض للسخرية منها، مؤيدة للدولة كضامنة للحريات، وليس كمتحكمة فيها. أو ممكن نلاقى الجماهير قابلة نوع من السخرية ونوع تانى لأ، أو على أشخاص وأشخاص تانى لأ، أو قابلة السخرية من غير أى أثر على التأييد، بالعكس، دى السخرية بتطمنهم على مستقبل سلوك السلطة. وممكن تفاجئنا تماما بوعى لم يخطر ببال أى منا منفردا. هذا مهم بالنسبة لى لأنه يجعلنى أفهم أين نحن، بالتجربة، وليس بالافتراضات المسبقة الآتية من أناس يعتقدون أنهم وحدهم الذين يفهمون مصلحة الشعب. لكنهم لا يتركون هذا الشعب يحدثنا بنفسه عن رؤيته لمصلحته، ولا يتركون فردا يفكر لنفسه فى مصلحته، ويتحمل بنفسه نتيجة اختياراته. ثم إن هذا مهم لأنه يعدنا نفسيا للتعامل مع المرحلة القادمة، ليس من خلال الكلمات والتطمينات، بل من خلال الممارسة العملية. سيبوا باسم يوسف يفكر، هو كبير ويعرف يفكر لنفسه، وسيبونا نشوف رد الفعل. سيبوا الحياة مشوقة.