فى الصباح، يخرج الثلاثة للعب خلف البناية التى يسكنونها، يجمعون علب السجائر الفارغة، وأغطية زجاجات المياه الغازية، وكل المهملات الصالحة لبناء عالم، يكفى الشعور بملكيتهم إياه للتغاضى عن هشاشته وعن الجهد المبذول فيه مقابل زواله السريع والحتمى.. تسمروا أمام جثث ثلاث قطط ممددة إلى جوار بعضها البعض، لا أثر لضرب أو جرح؛ فعلق أصغرهم: ربما نائمة؟ فاقترب الأكبر، يمس الجثث بطرف حذائه فى حركة سريعة الارتداد؛ حتى تأكدوا من خطأ هذه الفرضية، فعاد أصغرهم وقال: كيف ماتت؟ أجابه الأكبر: ربما أحدهم «مشيرا إلى نوافذ وشرفات البناية» وضع طعاما مسموما للفئران وأكلته القطط.. فعلق الأوسط: هكذا.. القطط تموت والفئران تهرب! قال الأصغر: ماذا سنفعل الآن؟ بقوا صامتين برهة وكأنهم يتخيلون الاستمرار فى اللعب على مقربة من الجثث، أجاب الأوسط: ندفنهم؟ هز الأكبر رأسه: نعم، هيا بنا. فى البدء فكروا فى عمل حفرة كبيرة، تضم القطط معا، إلا أن أكبرهم اعترض: ونضعهم فى الحفرة فوق بعضهم؟! قال الأصغر: الأفضل حفرة لكل قطة.. فكروا كيف يحفرون دون أدوات؟ قال الأكبر: الأدوات ليست مشكلة، نبحث عن جزء يكون الحفر فيه سهلا ونحفر بأيدينا.. اختاروا بقعة تكثر فيها الرمال ومخلفات البناء، جثوا على رُكبهم، وامتدت ست أكف صغيرة للحفر، كلما تقدموا شعروا أن الألم الناجم عن ضغط التراب فى الخط بين الأظفر والأصبع لن يفارق ذاكرتهم. بعد أن انتهوا من الحفرة الأولى، قال الأوسط: الآن ندفن واحدة ثم.... قاطعه الأصغر: لا، ماتوا معا؛ ندفنهم معا. فاستأنفوا الحفر، ثم نهضوا على أقدامهم، وتأملوا الأعماق؛ فبدوا كثلاث علامات استفهام لسؤال واحد.. قال الأكبر بلهجة حازمة: فلنحضر الجثث! ساروا إليها، ثم وقفوا أمامها، قال الأكبر: نمسك من الذيل بقطعة قماش أو ورق جرائد، جالوا ببصرهم عبر المكان، سار كل واحد فى اتجاه، وعادوا بالمطلوب، بحركة واحدة اقتربوا من القطط وانحنوا لحملها من الذيل، لم يفسد سيمترية الحركة سوى أكبرهم؛ كان أعسر، ساروا إلى مكان الحفر، أنزلوا القطط ببطء، ثم استقاموا فى وقفتهم، تجرأ الأوسط على دفع التراب بقدمه؛ فجحده الأكبر بنظرة جعلته يتراجع.. قال الأكبر: نردم بأيدينا؛ فجثوا على رُكبهم، ودفع كل واحد التراب بيديه نحو الحفرة التى أمامه، وبعد أن ينتهى يمسح براحتيه على التراب؛ ليتأكد أنه قد ردم الحفرة إلى آخرها… وقف الثلاثة وما زالت أعينهم على الأرض، اقترح الأصغر مترددا: هل نقرأ القرآن؟ نظر هو والأوسط نحو الأكبر، فقال: تكفى الفاتحة، ورفع كفيه بالقرب من وجهه، فعلا مثله، وبعد أن انتهوا مسحوا بأيديهم على وجوههم حتى ملأت رائحة التراب الهواء الذى يتنفسونه، رغبوا بعدها عن اللعب، وعاد كل واحد إلى أسرته غير مبالٍ بالتراب على وجهه ويديه وملابسه، رغم أن عقولهم الصغيرة لم تكتشف أن ردا مثل «كنا ندفن القطط» كفيل بتخاذل أيدى الأمهات المتأهبة لصفعهم.