اعتبر مبعوث الرئيس الروسي إلى أفغانستان، مدير القسم الثاني لشؤون آسيا في الخارجية الروسية، زامير كابولوف أن وفاة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف، لن تؤثر بشكل سلبي على الوضع داخل البلاد أو حولها. وأكد" كابولوف" أنه "بعد وفاة كريموف كان هناك الكثير من الترقب بأن يحاول المتطرفون زعزعة الاستقرار في أوزبكستان، ولكنهم لم ينجحوا حتى الآن في ذلك". وتوفي الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف في نهاية شهر أغسطس الماضي عن عمر يناهز 78 عامًا، ولم يتم الإعلان الرسمي عن وفاته إلا في 2 سبتمبر الجاري، بعد إصابته بنزيف دماغي، كما أكدت المصادر أن ابنته والمحيطين به فضلوا عدم الإعلان مباشرة عن وفاته لكي يتمكنوا من ترتيب الأوراق في البلاد بعد رحيل "كريموف" الذي تختلف حوله وحول سياساته الآراء وتتناقض تناقضًا شديدًا. وفي الحقيقة، لم يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قمة العشرين في الصين إلى موسكو في 6 سبتمبر، وإنما توجه مباشرة إلى أوزبكستان وتوقف قليلا في سمرقند لتوديع الرئيس الأوزبكي. هذه الخطوة من جانب الرئيس الروسي حملت أهمية استثنائية، نظرًا لخصوصية علاقات البلدين من جهة، والمنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية التي تحكم العلاقات بين موسكو وطشقند من جهة أخرى، وفي الحقيقة، أجمل بوتين كل ذلك في عبارات بسيطة وموجزة: - أوزبكستان، شعبًا وقيادة، يمكنها أن تعتمد كليًا على روسيا كصديق وفيِّ لها. - إسلام كريموف وضع أساسًا متينًا في العلاقات بين بلدينا، سواءً كانت علاقات استراتيجية أو علاقات شراكة استراتيجية. - نأمل بطبيعة الحال في استمرار كل ما وضعه الرئيس إسلام كريموف، ونحن من جانبنا سنفعل كل ما بوسعنا لدعم مسيرة تطورنا المشترك ودعم الشعب الأوزبكي والقيادة الأوزبكية. وفي نفس اليوم، الثلاثاء 6 سبتمبر، أعلن نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا دانيال روزنبلوم أن الولاياتالمتحدة تعتزم مواصلة علاقات الشراكة مع أوزبكستان بعد وفاة الرئيس إسلام كريموف. وقال: "أنا هنا في طشقند في هذه الأيام، لتقديم العزاء بوفاة الرئيس كريموف، وكذلك للتدليل على الالتزام المستمر لشراكتنا مع أوزبكستان". وإذا كانت أوزبكستان ضمن برنامج "الشراكة من أجل السلام" الذي أنشأته الولاياتالمتحدة عقب تفكك الاتحاد السوفيتي لتحتوي فيه الجمهوريات السوفيتية السابقة، تمهيدًا للتعامل معها بعيدًا عن روسيا، فقد كانت هناك رابطة الدول المستقلة التي تم إنشاؤها لاحتواء أي آثار جانبية لعملية تفكك الاتحاد السوفيتي والتي ضمت 12 جمهورية سوفيتية، عدا دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي سارعت بالابتعاد عن روسيا والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي 15 مايو 1992، قامت 6 دول سوفييتة سابقة (روسيا وأرمينيا وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان) بالتوقيع على معاهدة أمنية جماعية، وفي العام التالي انضمت أذربيجانوبلاروسيا وجورجيا، وبعد 5 سنوات وافقت 6 دول على تجديد المعاهدة لخمس سنوات إضافية، ما عدا أذربيجان وجورجيا وأوزبكستان، بينما في عام 2002 وافقت الدول الست (روسيا وأرمينيا وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وبلاروسيا) على إنشاء منطمة معاهدة الآمن الجماعي. أما عام 2006 عادت أوزبكستان للانضمام إلى المنظمة، لكنها انسحبت مرة أخرى في عام 2012. ولم تغادر أوزبكستان برنامج "الشراكة من أجل السلام"، ولكنها كانت على علاقة مُعقدة نسبيًا مع الهيئات والمنظمات التي تضم الجمهوريات السوفيتية السابقة. وكان لدى الرئيس الأوزبكي طموحات وآمال في الابتعاد عن روسيا، أو على الأقل إظهار إمكانية الابتعاد عنها، ووصلت الأمور إلى أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، عرض الرئيس إسلام كريموف على واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية لها في أوزبكستان. وبالفعل تم إنشاء قاعدة "خان آباد" العسكرية الأمريكية في جنوب أوزبكستان، وبعد ما يقرب من 5 سنوات، أصدر "كريموف" قرارًا بإغلاق هذه القاعدة، بعد وقوع احتجاجات أنديجان وأحداث الصدامات الظائفية والعرقية التي كادت تطيح بإسلام كريموف نفسه. وهو ما أثار قلق وغضب الرئيس الأوزبكي من الشريك الأمريكي الذي كان قد بدأ يتعامل مع أوزبكستان كما يتعامل مع جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية، ولكن من جهة أخرى كانت العديد من الإشارات تتجه نحو روسيا التي كانت غاضبة جدًا من إسلام كريموف، ومنزعجة من تقاربه الشديد مع الولاياتالمتحدة، ومحاولاته لفتح أجواء بلاده للأمريكيين من أجل دعمهم في أفغانستان، وبالتالي، يقطع الطريق على روسيا في استخدام هذه الورقة عبر قواعدها العسكرية في طاجيكستان. وعلى مدى 26 عامًا هي كل فترة حكم الرئيس إسلام كريموف (1990 – 2016) خضعت بلاده للعديد من الاستقطابات، والشد والجذب، ومحاولات الاستمالة بشتى الطرق، وخلال السنوات العشر الأولى من حكم كريموف حاولت تركيا إعادة اللغة التركية إلى أوزبكستان أو استخدام حروف الكتابة التركية وفتح منافذ اقتصادية. ومن جهة أخرى حاولت دول الخليج إعادة الحروف العربية وضخ استثمارات هائلة في الاقتصاد الأوزبكي، في حين بدأت الصين بضخ استثمارات بسيطة لاختبار الأجواء وردود الأفعال. وفي نهاية المطاف تمكن كريموف بدرجات ما من المناورة للعبور فوق "المغازلات السياسية والمالية والاستثمارية". وعلى الرغم من كل ذلك، فالمحاولات الأمريكية لا تزال قائمة بشأن هذا البلد الذي تأسست بنيته التحتية في العهد السوفيتي، وكان مركزًا للصناعات السوفيتية الثقيلة مثل الطائرات والجرارات وغيرها. فعقب وفاة الرئيس الأوزبكي عزَّاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكلمات أثارت الدهشة والاستغراب، إذ أعرب عن تعاطفه مع شعب أوزبكستان، وهنأه بيوم الاستقلال، إلا أنه قال: إن "أوزبكستان ستبدأ الآن فصلًا جديدًا في تاريخها يكون فيه مكان للسيادة والأمن والمستقبل ويقوم على احترام حقوق جميع مواطنيها"، أي نفس التصريحات الملتوية التي يطلقها الأمريكيون قبيل الإقدام على عمليات الابتزاز السياسي في هذه الدولة أو تلك. وجاء الرد سريعًا على لسان رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية أليكسي بوشكوف الذي رأى أنه "لا مكان للولايات المتحدة في الفصل الجديد من تاريخ أوزبكستان". وقال: "إن أوباما يعتقد أن أوزبكستان تفتتح فصلًا جديدًا في تاريخها، لكنه مُخطئ إذا كان يعتقد بأنه سيتضمن واشنطن". في الواقع، فالولاياتالمتحدة لا تكتفي بالتصريحات، ولكنها تقوم بخطوات مهمة في اتجاه التسلل مجددًا إلى آسيا الوسطى. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن إطلاق مبادرة مشتركة مع دول آسيا الوسطى حول "الحوار" بشأن محاربة الإرهاب في المنطقة. واستضاف، في 3 أغسطس الماضي، وزراء خارجية كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان أوزبكستان في واشنطن، وقال موجها الحديث لهم: "يتعلق أحد البرامج التي سنطلقها اليوم، ببدء حوار في إطار المناقشات العالمية حول مكافحة الإرهاب، سيركز على دول آسيا الوسطى في التصدي لنزعات التطرف، وتخفيض الخطر التي يشكله الإرهابيون الأجانب في مناطق الصراع بالشرق الأوسط". كما أعلن الوزير الأمريكي عن خطط واشنطن لتخصيص مبلغ قدره 15 مليون دولار لمساعدة دول آسيا الوسطى في إنتاج الطاقة الصديقة للبيئة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وأكدت السفارة الأمريكية في أوزبكستان أن مبلغ 15 مليون دولار، الذي تحدث عنه كيري، سيخصص لتمويل مشاريع مشتركة في "محاربة الإرهاب، وتوسيع تبادل التجارة، وتطوير قطاع الطاقة المتجددة". أما وزارة الخارجية الأوزبكية فقد قالت، تعليقًا على اللقاء: إن "المناقشات ركزت على مواضيع التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والبيئة والأمن"، ولكن لا أحد تحدث عن اللقاء بصيغة "С5+1" (دول آسيا الوسطى الخمس+ الولاياتالمتحدة) الذي شارك فيه ممثلو أوساط الأعمال في الولاياتالمتحدة والمستثمرون المهتمون بالعمل في سوق آسيا الوسطى. والمعروف أن أول لقاء بهذه الصيغة بين كيري ووزراء خارجية دول آسيا الوسطى عقد في نوفمبر 2015 في سمرقند بأوزبكستان. وفي نهاية المطاف، تظهر ورقة أوزبكستان من جديد، وتُبعَث آمال وطموحات الولاياتالمتحدة في فتح قواعد عسكرية، أو ضخ استثمارات بحجم معين مقابل شروط ومطالب سياسية واقتصادية، وربما أمنية، خاصة وأن أوزبكستان تواجه عمليًا ضربات الإرهاب من الداخل ومن الحدود، وهي تجاور أفغانستان أصلًا. ولا يمكن أن نتجاهل أحداث وادي فرغانة، أو الصدامات العرقية على الحدود مع قيرغيزستان. وبالتالي، قد تبدأ الولاياتالمتحدة باستخدام بعض الأوراق بنفس طريقة استخدامها في الشرق الأوسط. ما يعني أنه كلما كانت فترة ما بعد كريموف قصيرة، كلما تم الحفاظ على الأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية في البلاد، وهو ما أعرب عنه بوتين عشية توجهه من الصين إلى أوزبكستان بأن "تبقي القيادة الأوزبكية الجديدة على استقرار بلادها.. وسوف تأتي شخصيات جديدة إلى السلطة في أوزبكستان، وهي التي ستقرر ما عليها فعله مستقبلًا.. آمل كثيرًا في أن يتمكنوا من الحفاظ على الاستقرار الذي أشرت إليه في بلدهم.. فهذا الأمر يحظى بأهمية منقطعة النظير بالنسبة إلى بلد كأوزبكستان، إذ لا بد منه للحفاظ على الذات ومستقبل التنمية"، والحفاظ على أواصر الصداقة القائمة بين روسيا وأوزبكستان، وفي تطويرها مستقبلا.. وسوف نبذل كل ما في وسعنا من أجل المضي قدما" في هذا الاتجاه". كلمات "بوتين" هذه تحمل العديد من الرسائل، وربما التحذيرات للقيادات الأوزبكية الجديدة. فأوزبكستان ليست بعيدة عن موسكو، وهي مع جمهوريات آسيا الوسطى تشكل تاريخيًا "حديقة خلفية" لروسيا، سواء القيصرية أو السوفيتية، وبالتالي، من الصعب أن يتصور أحد أن تخرج أوزبكستان عن هذا النسق التاريخي – الأمني – السياسي – الاقتصادي. هناك أيضًا أحد العوامل المهمة والخطيرة في حياة أوزبكستان، وهو ما تطرق إليه محلل صحيفة "كوميرسانت" الروسية مكسيم يوسين، إذ تناول العواقب المحتملة لتغير السلطة في أوزبكستان، معتبرًا إياها أكبر دولة في آسيا الوسطى. "مكسيم يوسين" يرى أن السؤال الرئيسي الذي يبرز بعد وفاة إسلام كريموف، هو: هل سيستطيع زعماء أوزبكستان الجدد الاحتفاظ بسيطرتهم على هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليون نسمة؟ ومن جهة أخرى يشير يوسين إلى أن الوضع في أوزبكستان قابل للانفجار على الرغم من الاستقرار الظاهري. فالإسلاميون الراديكاليون، والكثيرون منهم خاصة في وادي فرغانة، تحولوا إلى النشاط السري، ولكنهم لم يختفوا من الوجود، وفي حال شعورهم بفراغ في السلطة، أو ارتخاء قبضتها الحديدية، فليس من المستبعد أن يحاولوا استغلال هذه الفرصة وإثارة الفوضى إن لم يكن في عموم البلاد، فعلى الأقل في بضع مناطق منها. وبالتالي، فإن زعزعة الاستقرار في أوزبكستان (الدولة الرئيسية في آسيا الوسطى) يمكن أن تثير الفوضى في عموم المنطقة، بما في ذلك في طاجيكستان وقيرغيزستان، وبشكل أقل في كازاخستان. المحلل الروسي يرى أنه "لا ينبغي لناشطي الدفاع عن حقوق الإنسان، الذين ينتقدون طشقند لانتهاك حقوق الإنسان، أن يغرقوا في بحر من الأوهام: فمن المستبعد أن يخلف حكم إسلام كريموف الصارم، وأحيانًا الصارم فوق العادة ولكن العلماني، سياسيون ليبراليون يقودون البلد إلى القيم الأوروبية والمجتمع المنفتح، وهذه القوى غير ملحوظة في أوزبكستان". ووصل المحلل الروسي إلى مقارنة مدهشة، إذ رأى أن "البديل الحقيقي الوحيد للسلطة الحالية، يمكن أن يصبح أصحاب الإيديولوجيا المختلطة من العناصر الإسلاموية والقومية والشعبوية، مثلما حدث في مصر، عندما خلف الإخوان المسلمون الرئيس حسني مبارك رغم أنهم لم يمكثوا فترة طويلة في الحكم لأن العسكريين أطاحوهم بعد سنة". غير أن أوزبكستان إذا حكمها ولو بعض الوقت القوميون والشعبويون بميولهم الدينية، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب دراماتيكية على الأقليات القومية، وبالدرجة الأولى على مليون ومئتي ألف من الروس هناك، هذا إضافة إلى أقليات قومية أخرى من قيرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان وأرمن. ووصل المحلل الروسي إلى أنه "إذا رغبنا بأن نتحدث براجماتيا وليس إيديولوجيًا عن أوزبكستان، فإن السيناريو الأمثل للمنطقة ولموسكو، بل وللعالم المتحضر بشكل عام، هو ذلك الذي تحتفظ فيه حاشية إسلام كريموف بالسلطة في أوزبكستان، أما التغييرات الملحة والضرورية للمجتمع، فتُجرى بالتدريج – بالطريق التطويري وليس الثوري". ولكن يوسين يعود مرة أخرى، ليتعرض إلى نقطة في غاية الخطورة تتعلق ببنية السلطة وعمليات التحديث في أوزبكستان، فهو يرى أن "أوزبكستان، التي بقيت نموذجًا محافظًا على أمور كثيرة من العهد السوفيتي، تحتاج إلى التحديث، وهذا التحديث يجب أن يكون تحديثًا وليس تفكيكًا جامحًا لطراز الدولة، الذي بقي قائمًا 25 عامًا على أي حال، وصان البلد من الوقوع في الحرب الأهلية بغض النظر عن المشكلات المتعددة، التي كانت تذكر بنفسها بشكل دوري، كما حدث في أنديجان عام 2005".