جوائز الدولة هذا العام لها مذاق مختلف ذهبت الجوائز إلى قامات ثقافية كبيرة، لكنها ذهبت قبل ذلك إلى المثقفين المصريين تحيى نضالهم الرائع دفاعا عن الحرية، وصمودهم الجميل فى وجه الفاشية. كانت الجوائز قد تم إلغاؤها بعد أن رفض المثقفون أن يحضر وزير ثقافة الإخوان اجتماع المجلس الأعلى للثقافة، وبعد أن أدرك الوزير المرفوض أن الجوائز ستذهب لمثقفين حقيقيين ومبدعين تحولوا إلى مقاتلين دفاعا عن قيم الحرية والحق والجمال، وعن وطن يهدده الفاشيون بإعادته لظلام العصور الوسطى. الصغار يظلون صغارا.. الوزير الإخوانى ظن أنه «يعاقب» المثقفين بإلغاء الجوائز. لم يدرك أنه يضيف سقطة أخرى لنظام أدمن السقوط. ولم يفهم أن مثقفى مصر كانوا مستعدين للتضحية بكل شىء من أجل إنقاذ مصر من فاشية الإخوان ومن مخططهم الإجرامى الذى ظنوا أنهم يستطيعون به تغيير هوية مصر. سقطت الفاشية واستعادت مصر ثورتها. يرفض الإرهاب الاستسلام ويشن حربه القذرة على شعب مصر وجيشها. يحاول الإخوان وحلفاؤهم تعطيل مسيرة الوطن ويفشلون فى مخططهم لحرق مصر. يوما بعد يوم تستعيد مصر عافيتها رغم محاولات الإرهاب فى الداخل، ورغم الدعم الخارجى الذى تقوده الإدارة الأمريكية. فى هذه الظروف تعود جوائز الدولة، ويتم الإعلان عن الفائزين، تزدان اللائحة بأسماء الشاعرين الكبيرين أحمد عبد المعطى حجازى وسيد حجاب، وبالمبدع محفوظ عبد الرحمن، وبفنان السينما داوود عبد السيد، والممثلة الرائعة محسنة توفيق، وبزميلنا العزيز الروائى محمد ناجى، وبباقة رائعة فى سماء الفن والأدب والإبداع الجميل. أعرف أن الآراء تختلف، وأننا نستطيع أن نورد عشرات الملاحظات حول إصلاح مطلوب لنظام الجوائز وحول تحديث ضرورى لمؤسساتنا الثقافية، لكننا أمام لحظة الاحتفال بها احتفالا حقيقيا. هؤلاء المبدعون والمثقفون هم جزء من روح مصر التى استعصت على الفاشيين. هؤلاء الذين ملؤوا حياتنا بالفن والجمال أثبتوا بالفعل أنهم ورثة حضارة ضاربة فى أعماق الأرض، وأبناء ثقافة قادرة على الصمود والتجدد وقادرة أن تبدع فى كل الظروف وأن تحافظ على إبداعها الجميل أمام خفافيش الظلام. نحتفل بجوائز الدولة هذا العام. نحتفل بأجمل ما فينا من قدرة على الإبداع، ومن دفاع عن الحرية، ومن تصميم على أن مصر التى فى خاطرنا لن تكون أبدا مصر التطرف والانغلاق والتكفير ومحاكم التفتيش، بل هى مصر الطهطاوى والنديم وطه حسين والعقاد والحكيم، وبيرم وفؤاد حداد وصلاح جاهين، وهى مصر سيد درويش ومختار وأم كلثوم وعبد الحليم والأبنودى وعشرات الألوف من المبدعين فى كل المجالات. نحتفل بجوائز هذا العام ونحن نعرف أن أمامنا معركة طويلة وصعبة، سقط حكم الإخوان الفاشى ولكن الإرهاب لم يسقط، والحرب ضده لا يمكن أن تقتصر على الجانب الأمنى. معركتنا الفكرية ضد ثقافة الإرهاب والتخلف هى الأصعب. بث الحياة فى مؤسساتنا الثقافية أمر ضرورى. روح الثورة ينبغى أن تصل إلى أعماق ثقافتنا. ردنا على من أرادوا إغلاق الأوبرا وتحريم الموسيقى أن نملأ الدنيا بالإبداع الجميل، بأن نضىء أنوار المسارح المغلقة وقصور الثقافة المهجورة. ردنا على من أرادوا إقامة محاكم التفتيش أن نطلق الحرية ونقتل الجمود ونفتح الأبواب كلها أمام الفكر الحر والإبداع الجميل. نحتفل بجوائز هذا العام.. ليس فقط لأنها ذهبت لرموز نعتز بها، ولكن لأنها تجسد انتصارنا على الفاشية، وتؤكد أن مصر التى فى خاطرنا جميعا لن تنهزم أمام ثقافة الإرهاب، ولن تنخدع بالمتاجرين بالدين، ولن تقبل قيودا على الحرية ولا محاكمة للإبداع. نحتفل بالجوائز.. تحتفل الجوائز بمن حصلوا عليها.