السطور التى ستقرؤها حالًا كتبها العبد لله، ونشرتها هنا قبل نحو ثلاثة أسابيع تحت عنوان «وسائل إعدام الحقيقة»، وتناولت فيها واقعة واحدة من سيل وقائع التدليس والتضليل والتزوير والنصب الإعلامى الفاجر الذى يتم استخدامه حاليًا وبكثافة رهيبة كأبشع وأحط الأسلحة فى الحرب الرهيبة القذرة التى تشنها عصابة فاشية إرهابية مجرمة بدعم فاجر وسافر من أسيادها فى واشنطن وتوابعها، ضد مصر شعبًا ومجتمعًا ودولة.. واليوم أعيد نشر هذه السطور، لعل وعسى يفهم هؤلاء الذين فى رؤوسهم وفى ضمائرهم عطب: «.. فى حرب الخليج الثانية، أو ما يسمى بحرب تحرير الكويت التى خاضتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدما وفّر لها صدام حسين ذريعة مثالية عندما أقدم بحماقة على جريمة غزو هذا القطر العربى الشقيق، وفى واحدة من تجليات المجهود الحربى الإعلامى الرهيب لتسويق هذه الحرب وتسويغها وكسب تعاطف الرأى العام وإقناعه بوجود أساس ومبرر أخلاقى يجعل كلفتها الإنسانية والمادية الباهظة أمرًا مقبولًا، وضمن سيل الصور التى تدفّقت على الناس آنذاك وحوّلت الحرب إلى ما يشبه استعراضًا تليفزيونيًّا دمويًّا يتم بث فقراته على الهواء مباشرة، ساعات وانتشرت (صورة) معينة ظلّت وسائل الإعلام الغربية (والأمريكية بالذات، خصوصًا قناة CNN) تكررها بكثافة وتلح على عرضها، وكانت عبارة عن طائر مسالم مسكين يظهر واقفًا مكسورًا وحزينًا وسط بحر تلوّث حتى فقد لونه الأصلى وتلوّن تمامًا بلون سواد النفط الذى صبغ أيضًا ريش الطائر.. كانت التعليقات والتقارير المصاحبة لهذه الصورة تبلغ المتلقين بمعلومات تبين بعد ذلك أنها كلها مزورة ومختلقة ولا أساس لها بالمرة، إذ قيل إن المياه المثقلة بالنفط هى مياه الخليج العربى وقد تلوّثت على هذا النحو بسبب قيام صدام حسين بتفجير عمدى لحقول نفطية بحرية كويتية، وعليه فإن ذلك الطائر البائس الذى يلعب دور البطل فى الصورة هو من الأحياء والكائنات التى تسكن المنطقة!! لكن الحقيقة سرعان ما انكشفت بعد الحرب، ورسمت ملامح فضيحة مهنية وأخلاقية مشينة وتضرب فى مقتل مصداقية وسائل الإعلام التى تورّطت فى استعمال صورة مستعارة ومنقولة من مشاهد قديمة لتلوّث نفطى حدث فى بحر الشمال الأوروبى بسبب غرق ناقلة نفط عملاقة، ومن ثَم فالطائر الذى مزّق منظره البائس نياط قلوب ملايين الناس ليس من النوع الذى يعيش فى منطقة الخليح العربى أصلًا، أو حتى يمر عليها فى أى وقت!! غير أن هذه الفضيحة بدت مجرد فرع من فضيحة مهنية أخرى أكبر وأشد فحشًا، ألا وهى قبول أغلب وأخطر وسائل الإعلام الأمريكيةوالغربية عمومًا أن تغطى وقائع الحرب فى الخليج ليس بطريقة مستقلة واعتمادًا على إمكانياتها الخاصة كما تقضى الأصول، وإنما تورّطت فى الاستعانة ب(اختراع) يجافى ويصطدم بعنف بأبسط وأهم قواعد ومعايير المهنة فضلًا عن أخلاقها، هذا الاختراع هو أن يكون المراسل الصحفى الحربى EMBEDDED CORRESPONDENT، أى (مراسل مدمج) فى الآلة الحربية الأمريكية، يعيش ويتحرّك معها على مسرح العمليات ويتلقى منها وحدها كل أخبار ومعلومات الحرب، ثم لا يفعل بعد ذلك شيئًا سوى نقل هذه المعلومات والأخبار المملاة عليه إلى جمهور الوسيلة الإعلامية التى يعمل فيها.. أى يتحول من صحفى شغلته وواجبه السعى بنفسه لمعرفة الحقائق، إلى بوق دعائى للجيش الذى يأويه ويطعمه، شأنه شأن أتفه عسكرى فى وحدة من وحدات سلاح الحرب النفسية». طيب، هل لكل هذا الكلام مناسبة؟! نعم، مناسبته هو تلك الفضيحة المدوية التى شهدناها يوم الجمعة الماضى وهى تستقر فى قلب جريمة التدليس والنصب الفاجر، وقد لعب دور البطولة فيها ثلاث محطات فضائية تليفزيونية، اثنتان منها أدمنتا واحترفتا الكذب والتضليل والتزوير الخايب من زمن بعيد، بينما الثالثة بدت وكأنها ما زالت مبتدئة ولم تتخط بعد مرحلة التدريب والمران على النصب. التليفزيونات الثلاثة، هى «فضائحية الجزيرة» الإنجليزية التى هى جزء من «شبكة الدعارة» الإعلامية ذائعة الصيت، وشبكة «CNN»، وتليفزيون «فرنسا 24».. هؤلاء الكذابون الثلاثة كيف غطوا وقائع الخروج الأسطورى الثانى للشعب المصرى فى هذا اليوم المشهود، من أجل تكرار إعلان حكمه وقراره النهائى بدفن مشروع جماعة الشر التخريبى الفاشى وإنهاء خطره إلى الأبد؟! دعك من الكلام الفارغ المكذوب الذى ظل الثلاثة يرددونه طوال ساعات اليوم متجاهلين حقيقة احتشاد عشرات ملايين المصريين فى الشوارع والساحات، وانظر فقط إلى «الصورة» التى ثبّتوها على شاشاتهم القذرة، فقد كانت عبارة عن مشهد مهيب رهيب لضلع واحد من أضلاع محيط «قصر الاتحادية» يتمدد بعمق عدة كيلومترات ويغص بكتل هائلة من المصريين (منهم رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى) المشتعلين بالغضب ضد الجماعة الفاشية وأتباعها من عصابات وشراذم القتلة والتكفيريين الإرهابيين، غير أن مسؤولى التليفزيونات الثلاثة لم يشعروا بأى عار ولا شنار ولا خجل، بينما هم يلصقون على الصورة عبارة تقول «المتظاهرون المؤيدون لمحمد مرسى»!!! يشفى الكلاب ويضركم.. آمين يا رب.