هل بدأت إثيوبيا في توليد الكهرباء من سد النهضة؟.. عباس شراقي يُجيب    «سياحة السعودية» ترصد 4700 مخالفة في مكة تزامنًا مع موسم الحج    كولومبيا تقرر وقف بيع الفحم لإسرائيل إلى أن توقف الإبادة الجماعية في غزة    ترتيب 9 مجموعات لتصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم بعد انتهاء الجولة الثالثة    مصطفى عسل يهزم بول كول ويتأهل لنهائي بطولة بريطانيا للاسكواش    الأرصاد تكشف عن موعد الموجة الحارة الجديدة القادمة للبلاد    مصيف بلطيم يرد الروح.. الطقس معتدل وشكل البحر يعدل المزاج (لايف)    "شُفت الرسول في المنام".. سفاح التجمع يروي قصته فى مرحلة المراهقة    تعليق غامض من عمرو مصطفى بعد واقعة صفع عمرو دياب لمعجب    قصواء الخلالي: أتعرض لهجوم ممنهج من جماعات الضغط الأمريكية الصهيونية    آسر ياسين يروج لفيلم «ولاد رزق 3»: "القاضية"    رئيس «قصور الثقافة» يفتتح مهرجان فرق الأقاليم المسرحية ال46 (صور)    جامعة المنوفية تشارك في مبادرات "تحالف وتنمية" و"أنت الحياة" بقوافل تنموية شاملة    منها عسر الهضم.. كيف تتجنب المشكلات الصحية أثناء «الدايت»؟    أول تعليق ل مقدمة البلاغ ضد زاهي حواس بشأن استغلال مكتبة الإسكندرية    الأحد أم الاثنين؟.. الإفتاء تحسم الجدل رسميا بشأن موعد عيد الأضحى 2024 في مصر    الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة الغربية ويعتدى على فلسطينيين (تفاصيل)    مواعيد سفر قطارات عيد الأضحى 2024 بعد انتهاء أيام الحجز    بشرى سارة من التربية والتعليم لطلاب الثانوية العامة بشأن المراجعات النهائية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل في مستشفى أبو كبير المركزي    ورش ولقاءات توعوية للأطفال في احتفالات اليوم العالمي للبيئة بأسيوط    منتخب مصر يتوج ب14 ميدالية في بطولة العالم لليزر رن بالصين    أفضل الأدعية في العشر الأوائل من ذي الحجة    «زراعة القاهرة» تحصل على شهادة الأيزو الخاصة بجودة المؤسسات التعليمية    هيئة الدواء تكشف حصيلة حملاتها الرقابية في المحافظات خلال شهر مايو    النحاس يرتفع مجددا بنسبة 22% فى السوق المحلية خلال أقل من شهر    لمرضى السكر.. 8 فواكة صيفية يجب تضمينها في نظامك الغذائي    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    تقارير: نيوكاسل يضع حارس بيرنلي ضمن اهتماماته    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    القبض على سائق متهم بالتحرش ب "معلمة" في أثناء توصيلها أكتوبر    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة "صور"    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    المصري يطرح استمارات اختبارات قطاع الناشئين غداً    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    أول ظهور لكريم عبد العزيز بعد وفاة والدته    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    التشكيل الحكومي الجديد| وزراء مؤكد خروجهم.. والتعديل يشمل أكثر من 18 وزيرًا.. ودمج وزارات    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في الدورة الثالثة من مبادرة المشروعات الخضراء    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهد من الجحيم
نشر في التحرير يوم 23 - 08 - 2016


(1)
قبل 12 عاما قررت السلطات المحلية حفر طريق يربط بين مدينة ريفية ومجموعة من القرى لا يزيد طوله عن عشرين كليو مترا، كان السبب المعلن وقتها البدء في إدخال هذه القرى لمشروع ضخم للصرف الصحي، الحفر امتد من الطريق إلى دواخل القرى ليحولها تدريجيا مع قدوم كل شتاء إلى مستودعات للوحل، والطريق تباعد بين القرى وبعضها وبينها وبين المدينة الصغيرة، وما كان يقطع في خمس دقائق تباعد إلى ما يقرب الساعة.
خلال 12 عام تغيرت ملامح عديدة على إثر هذا القرار الذي يبدو بسيطا، ومغرقا في المحلية؛ مجرد تدمير طريق لعدة كيلومترات؛ ابتعدت سيارات المواصلات اللائقة خشية اللجوء لصيانة مكلفة، مرضى تزهق أرواحهم قبيل الوصول للمستشفيات، أطباء يهاجرون القرى ويغلقون عياداتهم، لضياع الوقت ذهابا وإيابا، حتى اختيارات الطلاب لكلياتهم باتت مختلفة، وحين تأتي الانتخابات يصبح إصلاح الطريق وعدا انتخابيا لا يتم تنفيذه، أو يتراجع عنه مرشح خاسر كعقاب جماعي لمن لم يختاره.
تتراجع السياسة والبرامج ويصبح التنافس الحزبي رفاهية إزاء هذا الوضع.
يترسخ مفهوم النائب الخدمي، وستسود قيم معطلة للتطور، سيظهر الرجل الذي يعد بإصلاح الطرق ويوظف الأقارب، ويعد بحل المأساة المستمرة. لا مكان هنا للسياسة والرقابة والمحاسبة.
تتراجع التساؤلات حول الخسائر والوحل وفساد المقاولين ومعاناة الناس لأكثر من عقد أما أي بادرة إنقاذ يلوح بها منقذ.
لن يتذكر أحد أن السياسة والرقابة والديموقراطية ودراسات الجدوى و ضبط الزمن كانت كفيلة بمنع المأساة من البداية، أو استمرارها طوال هذه السنوات.
وهذا عينة مجهرية لما يحدث في كل مصر.
(2)
كانت السكك الحديدية وراء ازدهار إمبراطورية اسمها أمريكا، بدأ الفكرة جون ستيفنسون أوائل 1812، كان يدرك أن هذه الخطوة ستنتشل الدولة الناشئة إلى القمة، عبرها انتقلت سريعا السلع والخدمات وذهب الناس لفص العمل الناشئة بعيدا، وخلال خمسين عاما دشنت واحدة من أكبر الشبكات الحديدية في العالم.
قبل ذلك بسبعة قرون نقل الأوروبيون فكرة تبدو تافهة عن الصينين، اختراع طوق للحصان، مكنته من جر عربات أكبر حجما من تلك التي كانت تجر بواسطة الثيران، وساهم ذلك في حرث مساحات زراعية أكبر، واستصلاح أراضٍ ظلت جرداء لقرون، وزاد استخدام الحصان في تحريك الطواحين، كما نشطت بشكل أكبر أشكال التبادل التجاري بين البلدان، وانعكس ذلك إيجابا على أشياء أكبر من تخيلها، من بينها زيادة الموارد الزراعية بشكل مفرط، وبالمثل الصناعية، ساهم الطوق حتى في تغيير حسابات الأمم الاقتصادية التقليدية من كون البلدان أسيرة مواردها الطبيعية المعروفة سلفا، فاختراع الطوق ضاعف من الموارد، وتغير وجه الحياة ومستوى رفاهيتها، وتطلعات بشرها، وتفكيرهم، وبالتالي سياساتهم.
تعلموا الدرس من القرن الحادي عشر فيما نحن نعود لأجوائه..
إلى عصر ما قبل الطرق الممهدة.
حين بنيت القلاع و الأسوار وبقيت الشوارع موحلة.
(3)
نقلت "السوشيال ميديا" مزادا طريفا في مدينة نبروه الريفية بجوار المنصورة، قطعة أرض صغيرة تبلغ مائتي متر، بلغ المتر فيه سعرا جنونيا، 205 ألف جنيه.
والسعر يعكس بمفردات السوق الحر القائمة على العرض والطلب أن هناك أزمة عرض، ناتجة بدورها من تراجع الأراضي الصالحة للسكن.
كما يعكس أزمة أخرى خفية وممتدة منذ عقود، وهي السكوت على مصائب الاستثمار الأهلي في العقار، وكيف بات السوق ملاذا لغسيل الأموال أحيانا، وموضعا لمخالفات بنائية وجرائم لمسئولي المحليات، وقبل ذلك كله بات بلا معايير دقيقة حاكمة لبورصة السعر.
ما جعل الحصول على سكن كريم لقطاعات عريضة تعيش في الريف أو مدنه حلما صعبا.
(4)
في كتابه القيم "نهاية الفلاح" الصادر عن المجلس القومي للترجمة، استعرض المؤلف حبيب عايب ما أصبح عليه الفلاح بعد خمسين عاما من الإصلاح الزراعي؛ حيث تخلص أصحاب الملكيات البسيطة والمؤجرين من أراضيهم لصالح ملاك كبار، تنفيذا لتوصيات البنك الدولي بانتشال القطاع الزراعي من الدائرة الحمراء.
أي التخلص من فقراء الزراعة دون التخلص من الفقر.
تخلى الفلاح البسيط عن الأرض جراء ارتفاع عبء الإيجار والتكلفة وضعف العائد، وهو ما وضع الفلاحين أمام ثلاث مصائر سيئة، أولها عودة ظاهرة الفلاحين بلا أرض بما يمثله من انتكاسة اقتصادية واجتماعية لساكني الريف، أو ملئ الفراغات الحضرية الفقيرة بفقراء الريف أو انفجار الوضعين السابقين بالتزامن؛ الريف الفقير بفلاحيه، وضواحي المدن الفقيرة بفقرائها.
فيما خاب رهان الحكومات المتعاقبة حول إدماج الفلاحين في فلك الليبرالية الاقتصادي، لتجر الفلاح للمستقبل، مع تخليه عن المحاصيل الرئيسية لصالح محاصيل التصدير.
يقول مؤلف "عايب"، إن الفلاح التقليدي بات بعد خمسين عاما من الإصلاح الزراعي بلا أرض يزرعها.
ويقول مزاد نبروه إنه بات بلا أرض يسكنها.
وتقول قصة ال12 عاما إنه بلا أرض ينتقل عبرها للحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.