ناقد للإمام: إن غنامًا أشد منى بأسًا وأقوى مراسًا ولا أطيقه فى الحرب ولكن أنا واثق بالله الإمام على نصح ابن الهضام أن لا يمد يديه بسوء إلى شقيقه عندما يواجهه فى الحرب كان ناقد ابن الملك الهضام قد نصح الإمام على فى حلقة الأمس أن يعود إلى الحصن وينتظر غنام شقيقه وجيشه الجرار، وقد اقتنع ابن أبى طالب برأيه وأمر أصحابه بالعودة إلى الحصن، وقبلها كان قد طلب من القداح بن واثلة أن يذهب إلى غنام وينقل له معلومات غير صحيحة عنه، ورفض القداح بسبب خوفه على حياته، مؤكدا للإمام أن له أسرة ويخشى عليها بعد وفاته، الإمام طمأنه وشجعه حتى وافق وذهب بالفعل إلى غنام وجيشه، واصطحبه حتى اقترب من الحصن، وقام فرسانه بنصب خيامهم أمام الحصن وكان عددهم 10 آلاف فارس قام باختيارهم من بين مئة ألف فارس شجاع، وانتظر غنام أن يفتح باب الحصن ويخرج الإمام ورجاله، وفى هذه الحلقة سنرى الإمام وهو يفتح الأبواب ويخرج ويشق صفوف الفرسان حتى يصل إلى مجلس غنام بن الهضام، أو كما قال الراوى: وتقدم أمير المؤمنين وقال لأصحابه: أنا خارج أمامكم فى نفر قليل من قومنا لأننا إذا خرجنا جميعا نخشى أن يفوتنا ما عزمنا عليه ويبعد عنا ما أملناه ويستيقظ القوم لنا، فقالوا له: يا سيدنا ومولانا افعل ما بدا لك، فدعا الإمام بناقد وجنبل والرغداء وغيرهم من الأبطال المعروفة بالشجاعة، فأقبلوا إليه ووقفوا بين يديه وقالوا له: أؤمرنا بما تريد، فقال على: يا ناقد إن أنت وصلت إلى أخيك غنام فلا تيأس عليه ولا تمدد يديك إليه بسوء وائتنى به أسيرا، وإياك أن تأخذك لومة لائم فى الدين فكن فى مَن ذكرهم الله وأثنى عليهم لما أنهم عادوا فى الله آباءهم وأبناءهم وعشيرتهم، فلما سمع ناقد ذلك تبسم وقال: يا سيدى وحق ابن عمك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن غناما أشد منى بأسا وأقوى مراسا ولا أطيقه فى الحرب ولكن أنا واثق بالله تعالى ومتوكل عليه، فقال الإمام: يا ناقد قل لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، ثم إن الإمام أمر أصحابه أن يرتحلوا وقالوا: يا معشر الناس إذا رأيتم ناقد ناشبا (النشاب: السهام) القوم فأتونا بخيلنا مسرعين، فبينما الإمام كذلك وهو يوصى أصحابه سمع صهيل الخيل وصياح الرجال عند نزولهم وقد ارتجت بهم الأرض فقال الإمام: يا ناقد قد ظهر السرور والفرح، فنظر إليه ناقد وهو مبتسم ضاحك فقال: يا سيدى هؤلاء الجيوش قد ارتجت الأرض لكثرتهم، فقال: لا يهولنك ذلك فإن الله تبارك وتعالى معنا لا يخفى عليه من أمرنا مثقال ذرة، هو معنا أينما كنا وهو القادر عليهم بقدرته ينصرنا عليهم إن شاء الله تعالى، قال ناقد: يا سيدى لا أفلح شانئيك ولا خاب مواليك، فشكره البطل الإمام وقال: يا ناقد إنى متشوق إلى الضرب أشوق من الظمآن إلى الماء البارد، فنزل القوم وامتدوا بالوادى فملؤوا الأرض بالطول والعرض ونصبوا الخيام والمضارب، فلما استقر بغنام الجلوس ولم يستقبله أحد قال: أين القداح بن واثلة؟ فنودى به فأتى إليه ووقف بين يديه، فقال له غنام: يا قداح ما كان فيهم من يستقبلنى ويخرج لى قبل وصولى إليهم؟ فقال له القداح: يا سيدى إن خوف بن أبى طالب قد تمكن من قلوبهم فيخشون من حيلة تقع بهم، فبينما هو يخاطب القوم وإذا بباب الحصن قد فتح وخرج منه الإمام مسرعا ومعه قومه وقد تركوه مفتوحا، وتقدم أمير المؤمنين وهو غير مكترث بهم إلى أن اخترق عسكر غنام ووصل إليه فوجده جالسا ومن حوله أكابر قومه والقداح بإزائه وغنام يحدثه، فلما نظر القداح إلى الإمام اصفر لونه وتأخر إلى ورائه فبقى غنام يحدثه، وهو (القداح) يقول: يا ويلك قد أتاك الليث الغالب أمير المؤمنين على بن ابى طالب، ثم أشهر سيفه وفعل أصحابه مثله وكبّر الإمام وكبّر أصحابه الذين معه، وسمعهم الذين فى الحصن فكبروا وأطلقوا لهم الأعنة وقوموا الأسنة (الرماح)، فلما نظر غنام ذلك اندهش وحار وذهل ونظر أمير المؤمنين وقد يعلوه بالسيف، فصرخ صراخا كبيرا منكرا فانكب (أقبل) عليه أصحابه من كل جانب ليمنعوا عنه الإمام، فلم يكبر ذلك على الإمام وهو غير مكترث بهم بل صار يضرب يمينا وشمالا، فيقطع بحسامه (سيفه) الدروع (الملابس الواقية) السائرة والبيض العادية، فإن ضرب طولا قد (قطع) وإن ضرب عرضا قطع، فبينما القوم كذلك إذ خرج من عساكر المسلمين غلام أمرد (لم تنبت لحيته) رشيق القد (القوام) مشرق الوجه متوشح (يلبس) بإزار أحمر وبيده سيف مشهور، فأقبل حتى وصل إلى جيش غنام وحمل عليهم، فتأملوه فإذا هى الرغداء بنت الخطاف، فأدركها وجازاها خيرا وأمرها بأن ترجع وقال لها: نحن نكفيك هذا الأمر بأنفسنا، ثم أقبل ابن (ناقد) الملك إلى الإمام رضى الله عنه وقال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى عزمت على كشف القناع وأريد أن أقدم إلى أخى بالإنذار فعسى أن يصلح الله من شأنه وشأن من معه، فقال الإمام: لا أمنعك من ذلك اخرج على بركة الله تعالى ورسوله وحسن توفيقه. «قال الراوى»: فتقدم ناقد إلى أخيه ونادى برفيع صوته يا أخى قد ظهر الحق لطالبه وخسر صاحب الباطل فى مذاهبه، وقد ذهبت دولة الأصنام وجاءت دولة الإسلام وعبادة الملك العلام وظهر دين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم نادى أخاه غناما وقال له مثل ما قال لأخيه، فلما سمع غنام ذلك من أخيه ثار بالغضب وأخذه الغيظ والحنق فقال لقومه: هذا أخى الضال الذى أغضب أباه وإلهه المنيع، وها أنا خارج إليه وملقى بنفسى عليه فإذا رأيتمونى وصلت إليه فسارعوا نحوى عاجلا، فقالوا له: سمعا وطاعة، ثم خرج من قبل المعسكر وهو ينشد يقول: لبيك أنت أخى إن كنت منقذى من الهلاك منجينى من النار لبيك يا ابن أخى إن كنت مسعدنى فالسعد انجلى لى من ظلمة النار بادر إلىّ وخلص مهجتى ودمى من المهالك واسمع بث أسرارى «قال الراوى»: فلما فرغ غنام من شعره أتى نحو أخيه بغير عدة ولا سلاح، فلما رأى ناقد أخاه وهو على تلك الحالة لم ينكر شيئا من أمره، فدنا منه ليعانقه ويستعطفه، فلم يمهله غنام دون أن دكس «ضغط» عليه بجواده ثم داخله «دخل عليه» وعاقصه «لواه» وضرب بيده على أطواقه وسحبه إليه فاقتلعه من سرجه «ما يوضع على ظهر الفرس ليركب»، فلما رأى المشركين ذلك من غنام وقد اقتلع أخاه ناقد من بحر سرجه أتوا إليه مسرعين مسرورين، حيث أخذ ناقد من المسلمين، فلما أخذه غنام أوثقه كتافا وسلمه إلى أصحابه فمضوا به إلى عسكرهم، فلما رأى الإمام من المشركين لم يمهلهم دون أن يحمل عليهم وحمل معه أصحابه ومالوا على المشركين، فحمل غنام وحمل معه أصحابه ومنعوا الإمام وأصحابه الوصول إلى القداح وناقد، ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل فافترق القوم ورجع كل فريق إلى أهله، وقد حزن المسلمون لفقد ناقد بن الملك والقداح حزنا شديدا ورجع الإمام وهو يفور بالغضب وقال: والله لا أكلت طعاما فى ليلتى حتى أنظر ما يكون من أمر أصحابى ناقد والقداح فلا صبر لى عنهما. «قال الراوى»: ثم أمر الناس بإضرام النار وزيادة الحرس وجعل الإمام يطوف من حول عسكره يحرسهم بنفسه وهو قلقان على ناقد والقداح، فبينما الإمام يحرس أصحابه إذ سمع هفيف الخيل وسمع صوت غنام وكان قد أثبت معرفته، فلما سمع حسه اهتز فرحا، وسمعه يقول لأخيه: يا ناقد أما زعمت أن لك صاحبا يختصك ومن الشدائد ينقذك فما لى أراه متباعدا عنك وللمهالك سلمك، وناقد يقول: يا ويلك إن لى صاحبين صاحب فى السماء يرانى وهو الكبير المتعال وصاحب فى الأرض لو علم بمكان لأتانى وخلصنى من سجنك، وسمع القداح يقول لا آخذ الله من أوقعنى بالخلاص وعدنى وضمن لى السلامة من كل شىء يؤلمنى، وما زالوا كذلك إلى أن قربوا من الإمام وغنام فى أوائلهم، فوثب الإمام وثبة وصل بها إلى عدو الله غنام وقال له: أقلل من الكلام فها أنا أمير المؤمنين على ابن أبى طالب، فسمع القداح صوته فصاح: يا سيدى سألتك بالله إلا ما خلصتنى قبل صاحبنا ناقد، فقد علمت ما نزل بى من أجلك، وكان الإمام لما وثب إلى عدو الله غنام ووصل إليه مد يده وقبض على أطواقه وسحبه فاقتلعه من سرجه، وقال له: قد خلص أخوك صاحبه الأصغر بأمر سيده الأكبر فمن ينقذك منى يا ويلك وهمّ أن يعلوه بالسيف، فقال له: يا ابن أبى طالب أبق علىّ كما أبقيت على صاحبك وأحسن إلىّ بكرمك. «قال الراوى»: فتقدم الإمام إلى ناقد وحله من وثاقه وأمره أن يشد أخاه غناما شدا وثيقا، وتقدم إلى القداح وحله والعشرة أبطال الذين أتوا معه ينظرون إلى فعل الإمام، فما جسر أحد منهم أن يتكلم فلم يستطيعوا أن يتحركوا من أماكنهم، فقال لهم الإمام: من قال منكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فلا أمد يدى إليه إلا بالخير، ومن لم يقلها مددت يدى إليه وقطعت رأسه بهذا السيف، فقالوا بأجمعهم: نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ففرح الإمام بإسلامهم فرحا شديدا، ثم أقبل إلى غنام وقال له: هل لك فى كلمة تقولها تمحو بها ما سلف من ذنوبك، فقال غنام: يا ابن أبى طالب وما الكلمة التى أقولها فتمحى بها ذنوبى؟ فقال الإمام: تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وتقر لله بالوحدانية ولمحمد ابن عمى بالرسالة، فقال غنام: يا ابن أبى طالب هذا شىء لا أفعله أبدا وما أنا بتارك دين آبائى وأجدادى ولو قطعت إربا، واعلم أنك لم تكن من رجالى وإنما أخذتنى غصبا وغدرتنى، ولو كنت لك فى الميدان لبعد عليك ما أملته ولا كنت ملكتنى. «قال الراوى»: فعند ذلك وثب الإمام فحل وثاقه وهو يتململ من شدة غيظه ورمى إليه سيفه وحجفته «الترس» واشتد الإمام غضبا وقال لغنام: يا عدو الله وعدو نفسك خذ سيفك وحجفتك واشتد ودافع عن نفسك، فقال: يا ابن أبى طالب لقد أنصفت فى فعلك وأصلحت فى صنعك دونك يا ابن أبى طالب القتال، أتحسبنى كغيرى من الرجال، فلما سمع ذلك الإمام غضب غضبا شديدا، وقال: يا عدو الله لقد تجرأت فى قولك فاعتزل إلى ناحية أخيك لئلا يهوله بك يا عدو الله وعدو نفسك، ثم إن الإمام جذب سيفه وأخذ غناما واعتزل عن القوم ثم فاجأه مفاجأة الأسد لفريسته، وضربه بالسيف ضربة هاشمية علوية فتلقاها عدو الله واستتر بحجفته على رأسه، فنزل السيف على الدرقة فقطعها ونزل على رأسه من بين فخذيه وتجندل طريحا يخور فى دمه، وعجل الله بروحه إلى النار فكبر وأخذ ما كان عليه ودفعه إلى أخيه ناقد، وسُر على بقتل عدو الله، فقال ناقد: يا أبا الحسن ما فعلت بعدو الله غناما؟ قال: يا ناقد إنه صار إلى النار فلا تأسف عليه فإنه ليس بأخيك، ثم أقبل على القداح وأخذ ما كان عليه وقال له: يا قداح كيف رأيت نفسك؟ قال: يا أبا الحسن خلصتنى بعد اليأس من الحياة والإشراف على الموت، فقال له على: يا قداح إن الله قد أنقذك من الموت، وإن شئت فارجع إلى أهلك ودارك مصاحبا بالسلامة، فقال القداح: يا أبا الحسن وكيف أمضى إلى أهلى وديارى وقد أنالنى الله ما لم ينله أحد من قومى، فو الله لا أمضى حتى آخذ من الغنائم ما يسرنى وأسد به فقرى وأوسع منه على أهلى وينشرح به صدرى. «قال الراوى»: فتبسم الإمام رضى الله عنه ضاحكا من قوله وقال له: يا قداح لأعطينك من الغنائم ما يسر قلبك ويغنى فقرك وترجع مجبورا إلى أهلك إن شاء الله تعالى، فقال القداح: يا أبا الحسن هذا من فضلك وكرمك، فعند ذلك عطف علىٌّ إلى عسكره وهو مسرور بالقوم وخلاص أصحابه وقتل عدو الله غناما، فلما أتوا إلى عسكرهم فى ساعة واحدة وقد مضى من الليل شطره، وقد كان أصحاب على تفقدوه فى الليل فلم يجدوه فكبر ذلك عليهم، فلما وصلوا إليه ونظروا إلى ناقد والقداح والعشرة الذين أسلموا من جماعة غنام مع على، قالوا له: يا أبا الحسن: هؤلاء القوم، قال: ما هؤلاء عصابة مالت إلى الإسلام ورغبت فى الإيمان، ففرح القوم بذلك وباتوا بقية ليلتهم، فلما برق ضياء الفجر أذن علىّ وصلى بالناس صلاة الصبح، فلما فرغ من الصلاة ناداهم: يا قوم خذوا آلة حربكم واستعدوا للقتال رحمكم الله، فأخذ كل منهم آلة حربه وأتوا إلى أن وقفوا بين يدى أمير المؤمنين، فوثب الإمام وعزم على القتال ونادى برفيع صوته: معاشر الأرذال كم تدفعوا الحق بباطلكم والحق أغلب وها أنا أشفق عليكم منكم على أنفسكم، واعلموا أن الله تعالى أنقذ أصحابنا ناقد والقداح، وقتل صاحبكم غنام وأورده بحسامى موارد الحمام، فهل لكم أن تقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وهذا تصديق قولى لكم، ثم نادى القداح وناقد فأجاباه وأسرعا إليه، فقال لهما الإمام: نحن قوم لا نكذب ولا يليق بنا الكذب فما أنتم قائلون؟