ما بين ضبط للخطاب الديني وقتل للإبداع، اختلفت ردود الأفعال تجاه قرار وزارة الأوقاف بشأن "خطبة الجمعة المكتوبة"، وسط انتقادات حادة لقرار وزير الأوقاف. الوزير الدكتور محمد مختار جمعة أكَّد - في غير مرة - أنَّ هذه الفكرة لا تقتل الإبداع لكنَّها تساهم في ضبط الخطاب الديني، وحماية منابر المساجد من الداعين للتطرف والحاضين على التشدُّد، بينما رأى معارضون للقرار أنَّه يقتل الإبداع، فباتت مهمة الإمام أن يقرأ ما تعده الوزارة له دون جديد. إضعاف للأئمة وغياب للتفاعل وانعدام البلاغة "التحرير" رصدت آراء مختصين في هذا الشأن فقال الدكتور حسن عبد الفتاح أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: "الخطابة من دروب البلاغة والفصاحة والبيان منذ القدم، ولها أهيمة كبيرة وقيمة عظيمة في التأثير في نفوس الناس، كما تعالج القضايا الدينية والحياتية والأخلاقية والإنسانية والمشاكل الاجتماعية، وبخاصةً خطب الجمعة التي يختلف مدى التأثير فيها والنفع بها تبعًا لفصاحة وبلاغة الخطيب وتمكنه في أداء خطبته". وأضاف: "الخطب المكتوبة ستؤدي إلى إضعاف الأئمة علميًّا وثقافيًّا؛ لأنَّ أكثر الأئمة والخطباء سيعتمدون على هذه الخطب المكتوبة، ويتركون الإطلاع والقراءة دون بذل أي جهد أو تعب.. هذا الأمر سوف يقضي على الإبداع والاجتهاد عند الخطباء، ويفقد الخطبة لأهميتها وقيمتها لأنَّ كثيرًا من الناس كانوا ينتظرون بعض الخطباء المتميزين". وتابع: "الخطب المكتوبة ستقتضي كذلك على هذه القيمة العظيمة لكثير من الخطباء المتميزين في وزارة الأوقاف، وسوف تفقد التفاعل بين الخطيب والجمهور لأنَّه سيمضي الوقت ينظر للورقة دون الحديث المباشر مع الناس". واستطرد: "الخطب المكتوبة ستؤدي إلى فقدان الغرض البلاغي وهو لكل مقامٍ مقال، وفي القرآن الكريم قوله تعالى "لكل نبأ مستقر" أي لكل شيء وقت يقع فيه من غير تقدم وتأخر؛ لأنَّ كل خطيب هو الأدري والأعلم بقضايا ومشكلات المكان والمجتمع الذي يعيش فيه، فلو دخلت عليه جنازة المسجد فمقتضى الحال هنا أن يتحدث عن الموت والصبر على المصائب، ولو وجد عقد قرآن فمقتضى الحال أن يتحدث عن الزواج والحقوق الزوجية، ولو وجدت خصومة أو نزاع فمقتضي الحال أن يتحدث عن الصلح بين الخصوم والعفو والصفح الجميل بين الناس". وأوضَّح عبد الفتاح: "الأهداف التي من أجلها أعدت الخطب المكتوبة طبقًا لرؤية الأوقاف، ومنها الإطالة على الناس فيمكن معالجتها بطرق أخرى مثلًا يمكن الزام الخطباء بوقت محدد وليكن نصف ساعة بالصلاة، بما يتناسب مع طبيعة العصر وقدرة الناس على الاستيعاب وطاقة الخطيب على الأداء وفي حالة المخالفة يمكن محاسبة الإمام الذي يطيل الخطبة إذا صدر شكوي ضده من الناس". أين روح الداعية؟ الشيخ قرشي سلامة إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، كبير أئمة قنا أكَّد: "لم يعتد ضيوف الرحمن من الشعب المصري على إلقاء أئمة المساجد خطبهم مقرؤة من الورق، فحينما يلجأ إليها شيوخنا كبار السن الذين يصعب عليهم التركيز ينصرف عنهم المصلون". وأضاف: "الخطبة المكتوبة ستؤدي إلى فقدان روح للداعية وتعطيل طاقات البحث لدى الأئمة، فالكثير من الأئمة والخطباء سوف يعتمدون بشكل كلي على الورقة، ولن يراجعوا آية أو يستشهدوا ببيت من الشعر، فضلًا عن أنَّه سيقتل روح التنافس بين العلماء في الدراسة والإطلاع ويصبح الجميع سواسية المجد المجتهد مع غيره، بما لا يليق بعلماء الأوقاف، كما أنَّ الورقة ستكون حاجزا بين الخطيب وبين مستمعيه فالخطيب لا يخطب بلسانه فقط ولكنه يستعين بتعبيرات وجهه وإشاراته، أمَّا بالنسبة للمستمعين فستكون الورقة حاجزًا بينهم وبين أمامهم وسوف تفقد الخطبة تأثيرها مهما كان الخطيب فصيحًا ومؤثرًا". وذكر القرشي: "هذا القرار هو إهانة وقتل للإبداع ومحو لشخصية الإمام وضياع ما تبقى من كرامته وسط جمهوره، ولن يكون هناك فارق بين الإمام والعامل بعد ذلك، ونتساءل ماذا عن كيفية تعامل وزارة الأوقاف مع الأئمة المكفوفين، وكانت مصر ومازالت يقتدي ويهتدي بها من حولها من الدول وكانت تتميز بأئمة مبدعين ودعاة مصلحين، فهل يليق بمصر أن تتبع ما حولها من الدول بخطبة مكتوبة؟". قرار مرفوض الشيخ أشرف جاد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف قال: "القرار مرفوض لأنَّه لا يدع فرصة للابتكار للأئمة، بما يتنافى مع دوره كواعظ وداعية.. لابد للخطيب أن يطور من نفسه ويتطلع على كافة الأمور قبل الصعود إلى المنبر". القراءة بطريقة برايل الشيخ أسامة الدالي إمام وخطيب بوزارة الأوقاف ذكر ساخرًا: "القرار سوف يساهم في تدريب للأئمة جميعا وخطباء المكافأة على تعريف الإمام ما هو الفكر وطريقة التفكير بما يتماشى مع العصر، بالإضافة إلى تعلم الإمام أسلوبًا جديدًا للعرض لم يكن مألوفًا لدى الناس، وتعلم الإمام كيف يتكون لديه مفردات لغوية وأدبية، وفي نظري الخطبة المكتوبة تدريب قطاع كبير من الأئمة والخطباء علي طريقة التجديد في الخطاب الديني، أمَّا الأئمة المكفوفين فسيقرؤن الخطبة بطريقة برايل". الوزير يرجع إلى الخلف بعد انتقادات عديدة، تراجع وزير الأقاف عن موقفه "جزئيًّا"، فبعد أنَّ أكَّد فرض الخطبة المكتوبة "جبرًا" ومعاقبة غير المتلزمين بها، عاد معلنًا أنَّ الخطبة حاليًا استرشادية، وأعلن أنَّه يتم حاليًّا وضع القواعد التنفيذية للخطبة لتكون بالشكل المناسب وتمثل الخطبة الرسمية للوزارة. الوزير جمعة قال - خلال إحدى مؤتمراته الصحفية - إنَّه لن يتم إجبار أي إمام على الخطبة المكتوبة أو اتخاذ أي إجراءات تعسفية ضد من لا يلتزم بها، لافتًا إلى أنَّ الوزارة تفتح حوارًا مفتوحًا مع كل أئمتها للوصول إلى الاقتناع الكامل بجدوى الخطبة المكتوبة. وأشار الوزير إلى أنَّ خطبة الجمعة المقبلة ستظل استرشاديةً، مع تغيير أسلوب كتابتها ليكون نموذجًا للخطبة المكتوبة، وإتاحة الفرصة للأئمة بإدخال أي تعديل عليها، والالتزام بموضوع الخطبة ووقتها، وعدم توظيفها لأغراض سياسية أو حزبية تهدد أمن واستقرار المجتمع.