توقيع بروتوكول تعاون لإنشاء فروع جديدة للجامعات الروسية في مصر    رحاب الجمل: محمد رمضان في "احكي يا شهرزاد" كان ملتزم وبيصلي    عضو «حقوق الإنسان»: انتخابات مجلس النواب تتم في سهولة ويسر    الثلاثاء 9 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    بعثة البنك الدولي تزور وزارة الإسكان لمتابعة ملفات التعاون المشترك    «مدبولي»: مصر أصبحت مركزًا عالمياً لصناعة الضفائر الكهربائية    رانيا المشاط وممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تناقشان جهود تعزيز التنمية الاقتصادية    تداول 18 ألف طن بضائع عامة بموانئ البحر الأحمر    ضبط 1.5 طن سكر ناقص الوزن وغير مصحوب بفواتير بمركز ديروط فى أسيوط    مصلحة الضرائب: الحزمة الضريبية الجديدة تتضمن حوافزا ومزايا للملتزمين    قوات خاصة إسرائيلية تقتحم مخيم الأمعري للاجئين وسط الضفة الغربية    رفض ليبي لتصريحات يونانية حول الحدود البحرية    أبو الغيط يدين اقتحام قوات الاحتلال لمقر الأونروا فى القدس    الجيش الروسي يتقدم في أوكرانيا ويستهدف بلدة ميرنوهراد    قافلة «زاد العزة» ال90 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    كمبوديا تتعهد بقتال تايلاند بشراسة    مراسلون بلا حدود: 67 صحفيا قتلوا خلال ال12 شهرا الماضية    نائبة بمجلس الشيوخ: التحركات الأمريكية ضد الإخوان انتصار لتحذيرات مصر عبر السنوات    الطباخ وهشام فؤاد الأقرب لقيادة دفاع الزمالك أمام كهرباء الإسماعيلية    بيراميدز يستهل مسابقة كأس الرابطة بمواجهة البنك الأهلي    الحبسي: عصام الحضري أفضل حراس مصري عبر التاريخ.. وشناوي "الأهلى" بعده    فتح باب التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك.. اليوم    وزير الإسكان يهنئ وزير الشباب والرياضة بعد اختياره رئيسًا للجنة التربية البدنية باليونسكو    تشكيل ليفربول المتوقع أمام إنتر ميلان    تحرير 898 مخالفة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    ضبط عنصر جنائي شديد الخطورة بحوزته 1.25 طن مخدرات بالإسماعيلية    إخلاء سبيل سائق متهم بنشر فيديو التلاعب في اللافتات الإرشادية بالدائري    تعليم القاهرة تعلن موعد الاختبار التجريبي لمادة البرمجة والذكاء الاصطناعي لطلاب الصف الأول الثانوي    إصابة فتاة بحروق أثناء التدفئة بطهطا شمال سوهاج    ترامب يستعد لإصدار أمر تنفيذى لتوحيد قواعد تنظيم الذكاء الاصطناعى فى أمريكا    مليون عضة سنويا.. خبير بيولوجي يطرح تصورا لإدارة أزمة الكلاب الضالة في مصر    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    جعفر بناهي يترشح لجائزة أفضل مخرج في الجولدن جلوبز عن فيلم «كان مجرد حادث»    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث آليات تعزيز التعاون بين البلدين    أحمد سعد وويجز يروجون لفيلم "الست" بطريقتهما    في ذكري «يحيي حقي».. أيقونة أدبية عربية جليلة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    فريق جراحة القلب والصدر بمستشفيات قنا الجامعية ينقذ شابا من إصابة قاتلة بصاروخ تقطيع الرخام    فوائد الامتناع عن الطعام الجاهز لمدة أسبوعين فقط    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    الحبس عقوبة استخدام التخويف للتأثير على سلامة سير إجراءات الانتخاب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    متحف اللوفر بين الإصلاحات والإضرابات... أزمة غير مسبوقة تهدد أشهر متاحف العالم    أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025    لقاءات دينية تعزّز الإيمان وتدعم الدعوة للسلام في الأراضي الفلسطينية    العطس المتكرر قد يخفي مشاكل صحية.. متى يجب مراجعة الطبيب؟    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أذربيجان.. أرض النار والجمال (1/2)
نشر في التحرير يوم 14 - 07 - 2016

كأنني أسير في شوارع القاهرة في خمسينيات وستينيات، وحتى سبعينيات القرن الماضي، هكذا قلت لنفسي وأنا أتجول في باكو (Baku) عاصمة أذربيجان، ذلك أن كل ما أشاهده بعيني يذكرني بالقاهرة في أزمنة مجدها. المباني النظيفة العريقة التي يعود طرازها المعماري إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. الشوارع الهادئة. الحدائق العامة. استحواذ الخضرة على المساحات الكبيرة. السكون النفسي الذي يعتري العابرين. ملابس النساء البسيطة والجميلة التي تكشف مفاتنهن دون ابتذال. الأدب الجم الذي يتصف به أهل المدينة. الباصات المريحة. إلخ.
ولكن ما حكايتي مع أذربيجان؟ ولماذا غادرت دبي وتوجهت إليها؟ وما أبرز مشاهداتي في هذا البلد المنسي بالنسبة لنا نحن المصريين؟ وماذا قال لي إسرافيل عندما قلت له: إنني حزين جدًا لأنني أغادر باكو؟
تعالوا أقص عليكم نبأ هذا البلد الجميل في مقالين، فلو امتلكت الصبر على متابعتي ستكتشف أشياء جميلة وجديدة كما أتخيل.
أسباب الرحلة
في يوم السبت 2 يوليو الموافق 27 رمضان اصطحبت أسرتي وغادرنا دبي في رحلة إلى أذربيجان، بعد أن أجرينا الحجوزات اللازمة في الفنادق، وقد اخترت هذا البلد تحديدا لعدة أسباب. منها إنني أريد أن أشاهد عن قرب بلدًا أوروبيًا غالبيته إسلامية، لكنه لا يعرف اللغة العربية ولا يتعامل بها على الإطلاق، صحيح أن باكستان وأفغانستان وإيران بلدان إسلامية وشعوبها لا تتحدث العربية، غير أني أرى من أهل هذه البلاد الكثير في الإمارات وأتعامل معهم، فضلا عن أن أوروبا غير آسيا.
كذلك كنت أريد اقتناص ملامح شهر رمضان الكرم وعيد الفطر المبارك في بلد غالبيته العظمى إسلامية لكن لا علاقة له باللغة العربية، ويبقى أن تكاليف الرحلة إلى أذربيجان ليست باهظة كما كنت أتوقع، فضلا عن أن سمعتها الطيبة فيما يخص المناظر الطبيعية الخلابة التي تحتشد بها هذه الدولة الفاتنة جعلتني أوثر الترحال إليها.
نعمة الجغرافيا ولعنتها
من يشأ التعرف إلى معلومات متعددة عن أذربيجان فليتوجه إلى (جوجل) ليلبي رغباته في المعرفة، لكني سألفت انتباهك إلى بعض الأمور كي أشرح لك - من وجهة نظري - مشاهداتي وانطباعاتي وآرائي حول. أرض النار (هذا هو معنى كلمة أذربيجان في بعض التفسيرات).
حظيت أذربيجان بنعم جغرافية كثيرة، فهي تقع جنوب القوقاز (أوراسيا) يحدها من الشرق بحر قزوين الهادئ الأمواج، أما الطبيعة الجبلية فساحرة. والمناخ لطيف ومقبول طوال العام، فقد بلغت أقصى درجة حرارة وأنا هناك 28 درجة، ويقولون لي إنها لا تنخفض عن 10 درجات في أعتى أيام الشتاء. ويجري في أرضها أكثر من 8300 نهر متنوع الطول والعرض، والطبيعة لم تبخل عليها فوهبتها اللون الأخضر بسخاء مدهش.
أما النقمة فتتمثل في أنها دولة صغيرة المساحة والسكان (10 ملايين نسمة، و86 ألف كم متربع تقريبا)، لكنها محاطة بدول كبرى من حيث الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية، فإيران في الجنوب، وروسيا وأرمينيا وجورجيا في الشمال والغرب، وتركيا في الغرب. هذه الدول خنقت أذربيجان بثقافتها ولغتها وعقائدها، فاللغة الأذربيجانية تشبه اللغة التركية كثيرًا، والغالبية المسلمة يصل تعدادها إلى 8 ملايين ونصف المليون يتبعون المذهب الشيعي تأثرا بإيران، أما الروس فقد زرعوا فيهم فكرة العدالة الاجتماعية وضرورتها أيام الحقبة السوفييتية، لذا فالأسعار رخيصة هناك، كما أنهم صبغوا أذربيجان بصبغة عصرية حديثة لأن هذا البلد كان ضمن الاتحاد السوفييتي حتى استقل عام 1991، لكنهم أيضا فرضوا لغتهم على أهل البلد الذي اضطروا أن يعرفوا الروسية (بالأمر).
الشغف بالعاصمة
أعترف بأنني وقعت في هوى العاصمة باكو، وأنني شغفت بها كثيرًا، ولكن قبل أن أشرح لماذا، علي أن أذكرك بأن باكو وبعض المدن الأخرى بأذربيجان مثل (جبلا وشاكي) تقع ضمن حدود القارة الأوروبية، بينما بقية المدن فتابعة لقارة آسيا، ويفخر أهل أذربيجان بانتمائهم الأوروبي، أما سبب شغفي بها، فيعود إلى أن باكو تتسم بالهدوء والنظافة والجمال، فلا يوجد لديهم (التكدس البشري) وهو أكبر كوارث مصر، فتعداد العاصمة لا يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة، والنظام المروري صارم ومنضبط، ولا يعرفون (عسكري المرور) الذي يهش السيارات بعصاه مثلنا، فالإشارات المرورية تعمل بشكل آلي والكل ملتزم بها، والشوارع والحارات ممهدة، وطوال ثماني أيام قضيتها في أذربيجان لم أسمع بوق سيارة، أو شاهدت حادث سير، أو حتى (خناقة) بين اثنين!
التماثيل فواكه المدن، فإذا لم تصافح عيناك التماثيل في مدينة ما، فاعلم أن أهل هذه المدينة فقراء روحيًا، وهكذا انتشرت التماثيل بكثافة في العاصمة باكو. في الحدائق. في الساحات. في الشوارع. على واجهات المباني. تماثيل لعلماء وشعراء وصحفيين وساسة. تماثيل لنساء جميلات وحيوانات أليفة. تماثيل متنوعة الشكل والحجم. نظيفة. براقة. تخطف العين وتغذي الوجدان.
أين ملامح رمضان؟
ثلاثة أيام من الشهر الكريم قضيتها في باكو، فلم أر أي ملمح من الملامح الشائعة لرمضان في مصرنا المحروسة، فلا زينات ولا صخب ولا مسلسلات ولا متسولون ولا موائد رحمن ولا صلاة تروايح، أما المطاعم فمفتوحة نهارًا وليلا. تقدم أشهى المأكولات، كما تقدم الخمور كمثل المطاعم الأوروبية، والنساء يتحركن في الشوارع سافرات، وأزياؤهن تتسم بالأناقة والبساطة والجمال، حيث تسود الفساتين والبلوزات منزوعة الأكمام، ولم ألمح أي تحرش من أي نوع، وإنما احترام كامل لخصوصية المرأة، بينما يتبادل العشاق الضحكات وكلمات الغزل في الحدائق العامة في نهارات الشهر الفضيل.
سألت السائق إسرافيل، وهو الرجل الذي اصطحبنا بسيارته الأجرة في أرجاء المدينة. سألته: كيف تفتح المطاعم أبوابها وتقدم الخمور في نهارات رمضان؟ فانزعج بشدة وقال لي وهو الصائم: نحن في بلد حر. لا يستطيع أحد أن يفرض رأيه على أحد، والصيام مثل الدين مسألة خاصة جدًا، ولا يحق لمخلوق أن يمنع جائعًا يريد أن يتناول الطعام، فكل واحد مسؤول عن تصرفاته، لذا فمطاعمنا مفتوحة لمن يشاء، ومن آثر الصيام فهو حر أيضا.
لم يكن للمساجد حضور قوي لا في باكو ولا في غيرها، فهي محدودة العدد، وقد رأيت بعضها فاكتشفت أن معظمها ذات أحجام صغيرة، وقيل لي إن هناك مسجدًا كبيرًا على أطراف العاصمة، لكني لم أتمكن من زيارته، وفي يوم الأحد 28 رمضان، وهو يوم إجازة لديهم، وليس الجمعة، دخلت المسجد عقب آذان الظهر، فلم أر سوى تسعة أشخاص فقط يؤدون الصلاة، وكانت ملامحهم تدل على أنهم من أصحاب المهن البسيطة.
المدينة القديمة
نجح حكام العاصمة في استثمار المدينة القديمة التي يعود زمن إنشاؤها إلى القرن العاشر، حيث أعادوا تجديدها وترميمها وأطلقوا عليها اسم (المدينة القديمة)، وهي تمتاز بعدد كبير من المباني لا تزيد عن أربعة طوايق، تشبه كثيرا المباني الأوربية في القرن 19، التي تتسم بها بعض مباني وسط القاهرة، غير أنها بالغة النظافة، بممراتها الضيقة الصاعدة والهابطة، مع العلم بأنه لا يمكن لسيارة أن تدخل هذه المدينة القديمة قبل أن تدفع للبلدية 2 منات (العملة الرسمية في أذربيجان اسمها منات، والدولار يساوي منات واحد ونصف المنات).
أقمت في فندق يتوسط قلب هذه المدينة القديمة المحاطة بسور عتيق وبوابة تشبه بوابة باب الفتوح بسور القاهرة، وكم كان ممتعًا أن تتجول في أجواء هذه الميدنة مستنشقا عبق الماضي متأملا المطاعم والكافيهات والمحال التي تعرض التحف والأيقونات التذكارية.
ترى. هل أطلت؟
في المقال القادم سأخبرك لماذا يقسم مسلمو أذربيجان بالنار، وليس بالله رغم أنهم مؤمنون وموحدون بالمولى عز وجلّ؟ وما حكاية المصحف الشريف الذي يبلغ حجمه أقل من إصبعين؟ وكيف انتقلنا من قمة جبل إلى قمة جبل آخر في 4 دقائق فقط؟ ومن هم الشهداء الذين تنتشر مقابرهم اللامعة في كل بقعة في البلد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.