يحاول البشر فى جميع الأزمنة والأمكنة الوصول للسعادة باختلاف الثقافات والمجتمعات، فمن الناس من يعتقد أن السعادة بالمال، فلا يهمه مصدر المال ما دام سوف يسعد من خلاله نفسه وأسرته، ومنهم من يعتقد أن السعادة تأتى بالشهرة، وكثرة الأسفار، أو تناول الأطعمة التى يحبها، أو المتع الجنسية وإشباع الشهوات، أو امتلاك الثروات والعقارات والأراضى، أو التمتع بالنفوذ والقوة والسلطة... إلخ، وهى اعتقادات واهمة لا تؤدى إلى السعادة الحقة فى نظر العقلاء من الأفراد، حيث إن السعادة ليست بالشىء المادى الملموس، لكنها شىء معنوى محسوس، يأتى عن طريق العقل والتفكير وإيمان الفرد وقوة عقيدته الدينية ورضا الفرد عن حياته التى يحياها أو طلب العلم والصداقة ومساعدة المحتاجين، وأن يفتش الفرد دائمًا بداخله عن القدرات والمميزات المتاحة لبلوغ السعادة التى يتمناها. والسعادة كمفهوم هى: شعور الفرد بالرضا والقناعة والمشاعر والأحاسيس الإيجابية، وحالة من التناغم النفسى والإنجاز والأمل، ويتضح ذلك فى كون الفرد ذاته هو العامل المؤثر فى سعادته، والرضا الذاتى أهم من الرضا المادى، وأن ينظر للمستقبل نظرة إيجابية. ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن لا تتوقف السعادة على أسباب خارجية مثل الصحة والمال والأهل والعمر وغيرها من العوامل التى لا يد للإنسان فيه، إنما جعل السعادة داخلية مردودها شعوره بالرضا والطمأنينة، وذلك بعد بذل الجهد والاستعانة بالله والتوكل عليه والرضا بقضائه. ومن هنا فإن مفهوم السعادة الحقيقية مختلف من شخص إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر وزمن إلى آخر باختلاف العقيدة والدين والمجتمع والمستوى التعليمى. كما أن أسباب الضيق والتعاسة ترجع إلى الشعور بالعجز عن تحقيق الآمال والطموحات والإحساس بالضعف والتهميش والإقصاء وقلة الحيلة. أما كون الفرد يستطيع تحقيق أهدافه وطموحاته وأحلامه وآماله فلا يشترط أن يتم هذا فى وقت واحد أو فى مرحلة عمرية زمنية واحدة، لأن الفرد فى مرحلة الطفولة مسببات السعادة عنه تختلف عن مرحلة الشباب أو الشيخوخة، وبالتالى فإن كل مرحلة عمرية لها مسببات السعادة الخاصة بها، والمختلفة من شخص إلى آخر، وبين الذكور والإناث، وبين الشخص نفسه حتى فى أوقات متباينة. ومن الأقوال المأثورة لهيلين كيلر وهى تعد من معجزات الإعاقة، وكانت عمياء صماء بكماء أى لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، لكنها استمتعت بحياتها وصمدت فى وجه التحديات وقالت "عندما يوصد فى وجهنا أحد أبواب السعادة تنفتح لنا العديد من الأبواب، لكن المشكلة أننا نضيع وقتنا ونحن ننظر بحسرة إلى الباب المغلق، ولا نلتفت إلى ما فتح لنا من أبواب". وأسباب عدم السعادة فى المجتمع المصرى حاليًا متداخلة ومعقدة، ويوجد منها جوانب نفسية واجتماعية واقتصادية وشخصية، فانخفاض الدخل وعدم الوفاء بالمتطلبات اللازمة للمعيشة وارتفاع الأسعار والبطالة وعدم الاستقرار السياسى والتدين المظهرى وعدم القناعة بما قسمه الله للإنسان، وارتفاع سن الزواج وصعوبة تكاليفه والتفكك الأسرى وارتفاع نسب الطلاق ومشكلات الأبناء والضغوط المستمرة وارتفاع مستوى الطموح والتطلعات الاستهلاكية بالمقارنة بالعقود الماضية والمواصلات والزحام أدى إلى انخفاض الإحساس بالسعادة أو الشعور بها، خصوصا لدى فئة الشباب من الجنسين، مما أدى إلى ظواهر سلبية مثل العدوانية والتحرش وارتفاع نسبة الجرائم والطلاق المستمرين، مما أدى إلى عدم الاستقرار. إذن ما الحل؟ لا يمكن أن تنصلح أحوال المجتمع بين يوم وليلة، ولا أن ترتفع الدخول بين عشية وضحاها، ولكن الحل الوحيد المتاح أمامنا هو أن يحاول كل منها أن يصلح فى المحيط الخاص به لكى يتمتع ولو بقدر ضئيل من السعادة، فالأب مثلا لا يستطيع الوفاء بكامل التزماته تجاه أسرته، لكنه قد يتمكن من رعايتهم الرعاية الأسرية والمعنوية الحنونة التى تجعله يتفهم مشكلاتهم ويحاول أن يشركهم معه فى الحل، والزوج الذى يعانى من مشكلات زوجته قد يتمكن من الشعور بالسعادة البسيطة إذا ما تحاور معها وتفهم أسباب غضبها وحاول مساعدتها ولو بكلمة طيبة، والأم التى تشكو من عقوق أبنائها قد تجد سعادتها فى اللجوء لحفظ القرآن والأعمال التطوعية الخيرية، والشاب الذى يشكو من البطالة قد يجد السعادة إذا ما تعلم حرفة تدر عليه دخلا يغنيه. أما الوقوع فى فخ التذمر والإحباط والسخرية والتهكم على كل شىء، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعى والتذمر من حال البلد، ولا يكلف أحد خاطره بالتفكير فى الواجب المفروض على عاتقه والمنوط به أداؤه ينشر الطاقة السلبية والإحباط جميعنا قد أعطانا الله مسببات السعادة متساوية، وإذا نظرت حولك فستجد كل منا يشكو من شيء ما يؤرقه وينغص عليه حياته، وهذه هى حكمة الحياة، ولذلك فقل دائما الحمد لله، وحاول أن تبحث عن سعادتك ولو فى أشياء بسيطة مثل ملاعبة طفل صغير أو مشاهدة فيلم كوميدى أو مساعدة المحتاجين أو حتى شرب كوب من الشاى، وأنت تستمع إلى أغنية تحبها، وهى دعوة لأن نبتهج بالحياة ونستمتع بها رغم الصعاب والآلام، وأن نحاول دائمًا تحجيم مساحة الشر والخسائر الإنسانية فيها ونوسع من دائرة الخير والحق والجمال فى رحلتها، وأن نؤمن وبالمثل العليا الجديرة بأن نعتصم بها وسط هدير أمواج الحياة المتلاطمة من حولنا، وسوف يبدل الله شعورك بالتعاسة إلى سعادة بإذن الله.