واقعية ممزوجة بالشاعرية، كادرات جمالية، ودقة في التفاصيل، فمن أجواء الإسكندرية الساحرة، إلى أحياء القاهرة الشعبية، وحتى أقاصي الصعيد بمعيشته الصعبة وتقاليده، أخذنا المخرج خيري بشارة في عالمه السينمائي، مقدمًا أفلامًا تميزت عن غيرها ببصمته الخاصة، وأسلوبه المختلف عن الاخرين، ليوصف بأنه "شاعر التفاصيل". "شبرا" المنشأ والطفولة شكلت بداية التكوين لعالم خيري بشارة السينمائي، فهي كما وصفها في أحدى حوراته "مدرستي الحقيقية في الحياة"، مضيفًا "حياتي في شبرا بكل ما فيها من أفراح وكل ما فيها من آلام هي صنعتني كمخرج، هي عملت مني خيري بشارة اللي في الأفلام دي"، لذا لم ينساها المخرج الكبير في واحد من أهم أفلامه "يوم حلو يوم مر"، حيث عائلة "عائشة" الأرملة التي تناطح في الحياة من أجل أبنائها، ووصفه خيري بأنه "ذكريات شبرا". في السبعينات كانت بداية خيري بشارة مع السينما، حيث الأفلام التسجيلية التي برع في إنتاجها لفترة، قبل أن ينتقل إلى الروائية، فبعد تخرجه من المعهد العالي للسينما عام 1967، عمل مساعد مخرج في عدة أفلام، حتى سافر في بعثة تدريبية إلى بولندا لمدة عام ونصف، ليخرج بعدها عددًا من الأفلام التسجيلية الهامة، ومنها صائد الدبابات عام 1974، وطبيب في الأرياف عام 1975، و طائر النورس عام 1977، وتنوير عام 1978. انتقاله للسينما الروائية جعل خيري بشارة من مشاكل الناس الإجتماعية همه الأول، فأبرز ذلك في معظم أفلامه، كال" العوامة70" عام 1982 الانطلاقة السينمائية الحقيقية له، الذي وصف بأنه رمز لجيل السبعينات، بأفكاره، ومعاناته، ومشكلاته. "للشجر المورق العالي، وللريح المغنية وللإنسان، على الأرض ذات الخير، في قوّته وفى ضعفه" بهذه الكلمات أفتتح الكاتب يحيي الطاهر عبد الله روايته "الطوق والأسورة" والتي حولها خيري بشارة إلى فيلم بديع يحكي عن تلك العادات والتقاليد، التي تطوق أحدى قرى الصعيد البعيدة، حيث تعيش "حزينة" مع عائلتها في انتظار ابنها العائد من الغربة. حاول خيري بشارة عام 1989الخروج من إطاره قليلا، فبدأ مرحلة جديدة في سينماه، أولها فيلم "كابوريا" للنجم أحمد زكي، محققًا إيرادات عالية، وإشادة من الجمهور، في حين اختلف عليه النقاد. أما "آيس كريم في جليم" فهو فيلم لا ينساه جيل الثمانينات أبدًا، فقد عبر عن همومهم وأحلامهم في قصة بسيطة، لسيف الشاب العشريني الفقير، الذي انتقل من الإسكندرية للقاهرة، بحثًا عن فرصة لتحقيق موهبته في الغناء، إلا أن أحلامه تتعثر بواقعه. للدراما التليفزيونية نصيب أيضًا من عالم خيرى بشارة، فقد أخرج عدة مسلسلات تليفزيونية أهمها مسألة مبدأ، وملح الأرض، والفريسة والصياد، وريش نعام. بهذه الأعمال خرج لنا خيري بشارة بسينما ودراما مميزة، رصد من خلالها الواقع، وأهتم بالفقراء والمهمشين، وأحلامهم البسيطة، لأنه رأى فيهم قضية من الواجب الانحياز إليها.