«رياضة النواب» تطالب بحل إشكالية عدم إشهار 22 نادي شعبي في الإسكندرية.. والوزارة: «خاطبنا اللجنة الأولمبية»    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    «المشاط»: منصة «حَافِز» تعمل عى تعزيز القدرة التنافسية للشركات    جنوب أفريقيا ترحب بمطالبة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحرب غزة    بولونيا ضد يوفنتوس.. مونتيرو يعلن أول تشكيل مع اليوفى بالدورى الإيطالى    حارس آرسنال يحدد موقفه من البقاء    التحقيق مع الفنان عباس أبو الحسن بعد دهسه سيدتين بالشيخ زايد    فيلم "السرب" يواصل تصدر شباك التذاكر    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    سيد جبيل: قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو وجالانت صدمة كبيرة لإسرائيل    وزارة الصحة تطلق 8 قوافل طبية مجانية بالمحافظات    الكشف على 929 مواطنا بحلايب وشلاتين ضمن قافلة جامعة المنصورة الطبية.. صور    لطلاب الامتحانات.. احذوا تناول مشروبات الطاقة لهذه الأسباب (فيديو)    رئيس مجلس الشيوخ: «مستقبل وطن» يسير على خطى القيادة السياسية في دعم وتمكين الشباب    مصرع شاب وإصابة 2 في حادث تصادم أعلى محور دار السلام بسوهاج    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات مركز الإختبارات الالكترونية    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    «تقدر في 10 أيام».. «حياة كريمة» تقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة    السرب المصري الظافر    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    «سوميتومو» تستهدف صادرات سنوية بقيمة 500 مليون يورو من مصر    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    د. معتز القيعي يقدم نصائح حول الأنظمة الغذائية المنتشره بين الشباب    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    لاعبو المشروع القومي لرفع الأثقال يشاركون في بطولة العالم تحت 17 سنة    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    الإعدام شنقًا لشاب أنهى حياة زوجته وشقيقها وابن عمها بأسيوط    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    ضبط المتهمين بسرقة خزينة من مخزن في أبو النمرس    برنامج "لوريال - اليونسكو" يفتح باب التقدم للمرأة المصرية في مجال العلوم لعام 2024    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحشتونا
نشر في الدستور الأصلي يوم 26 - 02 - 2010


دعاء سلطان
نتذكر الغائب فقط عندما ندرك حجم الفراغ الذي تركه، والذي لم يتمكن أحد - مهما حاول - من سده.. يظل الفراغ كبيرًا ويظل من يحاول التصدي لملئه صغيرًا جدًا، فالمكان في انتظار صاحبه الذي لا يعوضه أي مغامر أو طامع أو طامح، عندما يمر عليك اسم الإعلامية المبهجة نجوي إبراهيم.. إلخ.
تتحسر علي رشاقة حواراتها وذكاء طلتها، وحسن استماعها لضيوفها، وتأدب خلافها ونقاشها، وإن اختلفت معهم علي طول الخط؟ في عصر صار فيه المذيع ملاكمًا يحمل سلاحًا - إذا تطلب الأمر - لذبح ضيوفه المختلفين معه في الرأي.. ألن تسرح في «ماما نجوي» وبقلظ - نجم طفولتنا - خصوصًا وأنت تشاهد «عته» و«بله» برامج الأطفال التي تقدم علي شاشات التليفزيون المصري؟ هل تمكن أحد من ملء الفراغ الهائل الذي تركته الإعلامية المثيرة للجدل صاحبة الرؤية والثقافة هالة سرحان، بعد أن ملأ الإعلاميون والإعلاميات الساحة بصخب بالغ الإزعاج؟.
عار علي كل من يعمل في صناعة السينما أن يجلس المخرج المذهل في طفولته خيري بشارة في منزله، بينما يعمل بائعو الأوهام في فيلمين في آن واحد! ويختفي المخرج صاحب التجربة الفريدة والوحيدة هاني الموجي من الصورة السينمائية تمامًا، ويبتعد محمد صبحي أو يتم إبعاده عن المسرح، ويتركنا فرائس لأعمال مسرحية يعتقد أصحابها أنهم يقدمون نمرة في كباريه.
كيف فرطنا في نضج فنانة بحجم نجلاء فتحي، ورصانة فنانة بحجم سهير المرشدي؟ وكيف توقفت جوليا بطرس قوية الصوت خفيفة الطلة؟.. هل ابتعدوا لأنهم لا يحتملون ما يحدث من مهازل تحيط المناخ العام كله؟ أم ابتعدوا لأنهم لا يجدون ما يناسبهم؟ أم أبعدوا لأن الساحة لا تقبل سوي أرباع الموهوبين ومحترفي الثلاث ورقات؟ في كل الأحوال فإن ابتعادهم لم يكن سببه إفلاسهم أو نضوب مواهبهم أو خفوت بريقهم، فهل من محترم يطرق أبوابهم ليعيدهم إلي منتصف الصورة، ويجدد حبهم في قلوبنا، لأنهم وحشونا جدًا.
هاني خليفة ..الغياب المزعج
عبير عبد الوهاب
في طريقه للسينما بأحد شوارع مدينة أسيوط.. كان كل ما يفكر فيه ذلك الطالب بالفرقة الثانية بكلية الحقوق، هو قضاء يوم ممتع مع أصدقائه في مشاهدة فيلم «يوم مر.. يوم حلو» للمخرج خيري بشارة، الذي يعشق الطالب الصغير كل أفلامه ويحفظها عن ظهر قلب بحواراتها وكادراتها وكل تفاصيلها، لكنه لم يتخيل أن الفيلم سيكون سببا في تغيير مسار حياته 180 درجة، وأنه سيكون سببا في أن يتحول من مجرد شاب عاشق للسينما، ولجيل الثمانينيات من المخرجين، لواحد من أهم المخرجين في مصر، وأكثرهم إبداعا، وإمتاعا. مع نزول تيتر النهاية.. اتخذ الطالب هاني خليفة -داخل قاعة العرض السينمائي - قراره الأهم بترك كلية الحقوق، والالتحاق بقسم الإخراج بمعهد السينما، لعله يقدم أفلاما ممتعة مثل ذلك الفيلم الذي شاهده لتوه، ومرت الأيام، وتخرج الطالب في المعهد، وكانت مصادفة عجيبة أن يكون أول فيلم يكتب اسمه علي تيتراته، كمساعد مخرج أول هو «قشر البندق».. للمخرج خيري بشارة!
تلك التركيبة النفسية العاشقة لعالم السينما بكل تفاصيله، قد تفسر لنا جانبا من أسباب ابتعاد هذا المخرج المبدع والممتع عن السينما سبع سنوات كاملة بعد آخر أفلامه - وأولها أيضا - «سهر الليالي».. الفيلم الذي دمّر كل المقاييس السينمائية "المتخلّفة» المنتشرة في ذلك الوقت، وقضي علي وباء اسمه: «نجم أوحد» فيلم كوميدي «نجاح جماهيري»، من خلال واحد من أهم وأصدق أفلام السينما المصرية في العشرين عاما الأخيرة. أثبت هاني خليفة في «سهر الليالي» أنه من أقدر المخرجين علي تحريك الممثلين وتوجيههم، عندما حصد أبطال الفيلم - الثمانية - جائزتي أفضل ممثل وممثلة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ المهرجانات السينمائية الدولية.
غاب هاني خليفة عن السينما سبع سنوات، لأنه لم يجد السيناريو الذي يغريه للعودة.. اعتذر عن عدم إخراج «أوقات فراغ»، بسبب خمسة ملايين جنيه «زيادة»، كان خليفة يري أن الفيلم في حاجة إليها ليخرج في مستوي يرضي هو عنه، بينما كان المنتج حسين القلا يري أن الفيلم يمكن تنفيذه بأقل تكلفة، ورفض سيناريو فيلم "حليم» لأنه كان أقل من طموحه، وفضل الاتجاه للتليفزيون عندما عثر علي سيناريو بعنوان «الجامعة» يرضي طموحه الفني، فبدأ في التجهيز له منذ حوالي عام. عودة هاني خليفة للسينما في الوقت الحالي بالتأكيد ستغير الكثير من الواقع السينمائي المؤلم الذي نعيشه، فذلك الرجل الذي كتب شهادة ميلاده كمخرج موهوب بمشروع تخرجه «عربة الستات» الذي لم تقل جماهيريته عن الأفلام التجارية رغم جرأة تناوله، هو الرجل نفسه الذي استطاع أن يلتقط ميزة من كل مخرج عمل مساعدا له، فهو ساحر في غرفة المونتاج مثل أستاذه خيري بشارة، قادر علي شحن الممثلين بالطاقة مثل رضوان الكاشف، وعلي تقديم صورة سينمائية راقية كما هي عادة داوود عبد السيد، لذلك فإن عودة هاني خليفة للسينما بعد كل هذا الغياب بالتأكيد ستكون مصحوبة بطعم سينمائي مختلف، قادر علي تغيير طعم المرارة الذي أصبح موجودا في معظم أفلام اليومين دول.

محمد صبحي
محمد صبحي..العودة إلى الوطن الأصلي
محمد هشام عبيه
متي كانت آخر مرة شاهدت فيها محمد صبحي الذي تعرفه؟ نتكلم عن «عرفة الشواف» في «وجهة نظر»، وآدم في «الهمجي»، و«زكي الدبور» في «الجوكر»، و«الديكتاتور» في «تخاريف»، والأستاذ في «كارمن»، و«قرني» في «سكة السلامة»، و«حسن أبو طبق» في «لعبة الست»، و«سطوحي» في «انتهي الدرس ياغبي»؟!
لعلك لاحظت أننا نتحدث هنا عن «محمد صبحي» الممثل والمخرج المسرحي الجريء والفذ، ولا نتحدث عن محمد صبحي المؤلف المجتهد، أو محمد صبحي ممثل الدراما الأقل وهجا مقارنة بخشبة المسرح، فماذا بعدما عرفت تلك المعطيات ستكون إجابتك؟
منذ سنوات طويلة بكل تأكيد، وكأن هناك شيئا ما غامض أبعد محمد صبحي عن عرشه المتوج وموطنه الأصلي في المسرح، وأقنعه بأنه يمكن أن يحقق ما حققه من نجاح ويصنع «تراثا مسرحيا حقيقيا سيعيش أبدا» في التليفزيون، لكن نتيجة ذلك لم تكن سوي حدوث فراغ حقيقي في المسرح المصري بخروج صبحي منه، دون أن يقابل ذلك طفرة حقيقية في الدراما المصرية بدخوله إليها.
لابد أن هناك شيئا ما حدث لصبحي عندما قدم مسلسله الأشهر «يوميات ونيس»، لكن إصراره علي عمل أجزاء منه، أفرغ المسلسل من مواطن جماله تدريجيا، دعك من أن تجاربه الأخري في الدراما مثل «فارس بلا جواد» و«ملح الأرض» - حتي لو اعتبرناها تحمل فكرة مغايرة، ظلمها السيناريو والتنفيذ- فإنها بدورها لم تمثل نقلة في الدراما التليفزيونية، في الوقت الذي جاء هذا علي حساب عمل صبحي للمسرح، خاصة بعدما اقتنع بأنه يمكن أن يؤلف ويمثل ويخرج علي خشبة المسرح، فكانت النتيجة أن ظهرت مسرحية «ماما أمريكا» محملة بفكرة لافتة، لكنها تفتقد لإحكام ودقة وجماليات مسرح محمد صبحي الذي اعتاد عليه الجميع من قبل. من الظلم بكل تأكيد تحميل محمد صبحي وحده مسئولية ذلك الغياب، لابد أن هناك عوامل وجهات أخري ساهمت في ذلك، مثل التردي الذي شمل حال المسرح في مصر لسنوات ممتدة، وانسحاب الدولة من تقديم أعمال مسرحية محترمة مكتوبة باللغة العربية وليست مترجمة، إضافة إلي تغيير مقاييس السوق المسرحي، وانتصار المسرح الغنائي الشعبي لصاحبه شعبان عبد الرحيم ورفاقه ومسرح السخرية من السيدة السمينة وأصحاب العاهات لصاحبه سمير غانم ورفاقه، علي المسرح السياسي والاجتماعي والإنساني القيم الذي كان يقدمه صبحي طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات، لكن كل ذلك لا يمنعنا أبدا من أن نطالب المسرحي الكبير محمد صبحي بأن يعود إلي موطنه الأصلي «المسرح»، مبدعا حقيقيا، وصاحب رسالة بجد، لعله يرحمنا من الفيروسات التي تهاجمنا من خشبة المسرح، لأن الدنيا- عن جد- مش ناقصة فيروسات!

نجوى إبراهيم
نجوى إبراهيم..وقار وطفولة وثقافة المذيعة
حميدة أبوهميلة
ماما نجوي.. اسم شديد الالتصاق بفترة ما من طفولتك.. أمومة نجوي إبراهيم مازالت تتبعها حتي الآن.. الكل يناديها ماما نجوي، وهي تنظر بابتسامة راضية جدا.. هي في تلك اللحظة مذيعة ذكية، وتلعب علي وتر تفهمه.. يقربها أكثر للمشاهد.. تأتي بالصغير بقلظ، وتحكي معه نوادر مضحكة، لكنه لا يتعلم أبدا، فتملي عليه التعليمات من جديد بنفس راضية ومتسامحة.. طبعا نجوي إبراهيم قادرة جدا علي إنقاذ المشاهد من سيل البرامج ومن أتوبيس المذيعات الذين لا يفقهون شيئا، والذين يرددون كلاما مصمتا بلا شعور، لأن نجوي إبراهيم تعرف حدود مهنتها جيدا، وتعرف أبعاد المنطقة التي تتحرك فيها، لذا فإن النجاح كان دوما يسير جنبا إلي جنب معها، مع كل برامجها مثل «اخترنا لك» و«ماما نجوي» و«فكر ثواني واكسب دقايق».. إنها فترة التألق التي رافقت طفولتنا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كانت مذيعة ناجحة حينما تقدم برنامج منوعات، وناجحة حينما اختارت الطفل لتخاطبه، وناجحة أيضا وهي تشاكس الجمهور في برامج المسابقات وتنتزع منه إجابة وضحكة.
نجحت نجوي إبراهيم تماما في أن تجعل الناس يربطون ربطا شديدا بين اسمها وبين اسم البرنامج.. لم تكن تجد أحدا يقول لك: شوفت برنامج «فكر ثواني واكسب دقايق»؟، الصياغة الأدق هي أنه سوف يسألك: «شوفت ماما نجوي امبارح في برنامج فكر ثواني واكسب دقايق؟».. كانت خفيفة ولطيفة ونجمة لكل أفراد الأسرة، وهي مازالت قادرة علي صنع مجد مواز فقط، إن هي قررت أن تطل مرة أخري في برنامج بشروطها التي سوف تضمن له النجاح قطعا.
نجوي إبراهيم لها برامج شهيرة مثل «فرح كليب» الذي كان يعرض علي قناة الأسرة والطفل، وكان يحمل فكرة جديدة جدا وقتها وهي عرض أفراح المشاهير وغير المشاهير علي الشاشة.. الفكرة تم استنساخها كثيرا فيما بعد، حتي إنه تم إنشاء قناة فضائية خاصة «مسايا» علي نفس الفكرة، لكن برنامجها حتي الآن هو الأجمل. البرنامج توقف عرضه في عام 2002 حينما تركت رئاسة القناة.
بعدها وجدنا مذيعة توك شو مميزة ومثقفة وغير مفتعلة.. تحاور وتتحدث بجرأة، لكن دون ابتذال.. انفعالاتها مضبوطة بالميلي علي إيقاع الناس.. لا تتزايد حينما تناقش مشكلاتهم، ولاتحاول استفزاز ضيفها كي ترضي منتظري الإثارة الفارغة، مثلما تفعل كثيرات حاليا، ويقدمن للمشاهد وجبة من الزعيق والتراشق اللفظي، ثم يشعرن أنهن حققن انتصارا غير مسبوق. كان ذلك خلال برنامج «الحياة» الذي ظل يعرض كل خميس من كل أسبوع علي شاشة قناة دريم 2 ولمدة أربع سنوات متتالية حتي توقف عام 2006. نجوي إبراهيم مازالت تتمتع بوهج يؤهلها لأن تقدم عشرات البرامج الناجحة جدا كمذيعة مختلفة قادرة علي خطف الكاميرا وخطف انتباهك، وفوق هذا كله تلك الطلة الطفولية الوقورة، ولا ندري كيف تجتمع الطفولة والوقار مع الثقافة في وجه وشخصية هذه المذيعة الجذابة.

هالة سرحان
هالة سرحان ..ملكة «التوك شو» المتوجة
إيهاب التركي
«ازاي مصر تحرم نفسها من موهبة زي ديه؟!».. هي الجملة التي يمكن أن يقولها المتفرج دون تفكير بعد مشاهدة إعادة لإحدي برامجها القديمة الناجحة، أو بعد اضطراره لتجرع مرارة مشاهدة برنامج توك شو سخيف جديد لمذيعة متلعثمة مترددة ضحلة الثقافة أو معدومة الموهبة، ورغم انتشار القنوات الفضائية والتوك شو بحلوه ومره خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن الاحساس بافتقاد إعلامية موهوبة قدمت الكثير لبرامج التوك شو المصرية والعربية مثل «هالة سرحان» يظل كبيراً.. اعلامية أجادت الحوار وجذب المتفرج في عصر جعل كثير من مذيعات ماسبيرو الفرجة علي برامج التليفزيون عذابًا ومعاناة.. إعلامية لم تمنعها كياستها ومجاملتها لضيوفها أن تكون جريئة في أسئلتها، وهجومية إذا لزم الأمر، ليكف الضيف عن اللف والدوران ويجيب علي أسئلتها بصراحة.
هالة سرحان ملأت دنيا الإعلام جدلاً وضجيجاً، وكان لها من الإنجازات ما يضمن لها الاستمرار والإضافة لسنوات كثيرة قادمة، لكنها في غفلة من الزمن، وبعد حلقة من برنامج لها يناقش قضية فتيات الليل عرضت عام 2007 اختفت من علي الشاشة، وأصبحت هي نفسها موضوع حلقات التوك شو الأخري. البعض اتهمها بفبركة الحلقة، والبعض اتهمها بالاساءة لسمعة مصر، لكن الجميع شارك في ذبحها دون أي استثناء، ولا أحد يعلم علي وجه الدقة لماذا تطورت المسألة إلي أن تصبح «هالة سرحان» ملكة التوك شو المتوجة تعيش بعيداً عن وطنها وعن شاشة التليفزيون، دون أن يتمكن أحد من ملء الفراغ الذي تركته، وسواء اختلفت معها أو اتفقت، فهي حالة إعلامية من طراز خاص، وقد استطاعت في سنوات قليلة نقل التوك شو من خانة البدعة المرفوضة من جانب مدمني الإعلام الحكومي المنافق إلي خانة الإعلام كما يجب أن يكون كاشفاً وجريئاً. نجحت «هالة سرحان» من خلال برامجها مثل «ياهلا» و«هالة شو» و«السينما والناس» علي قنوات ART ودريم وروتانا، واستطاعت أن تجعل من برامجها نماذج لبرامج التوك شو الأخري، وحاول كثير من البرامج منافستها خاصة في سقف الحرية التي كانت ترفعه إلي أعلي دائماً.. فتحت «هالة سرحان» من خلال برامجها الجريئة مساحة الحرية في الإعلام المرئي. ناقشت رجال السياسة والفن وناقشت مشاكل حساسة في المجتمع، وسألت الأسئلة المحرمة والممنوعة في المجتمع، فنالها الهجوم الكبير الذي يسر وتم وصمها بتهمة الإساءة لسمعة مصر.
وبعيداً عن مصمصة الشفاه وإعادة ترديد ما حدث، يجب طرح سؤال مهم وهو إلي متي تظل إعلامية بهذه القيمة بعيدة عن وطنها؟ ومن يجرؤ علي وضع الأمر في حجمه الحقيقي؟ فمن المؤكد أن «هالة سرحان» لم تكن تتخابر لصالح الأعداء، وبقاؤها حتي الآن خارج وطنها دون تسوية قضيتها يسيء إلي الوطن أكثر مما يمكن أن تفعله حلقة تناقش واقعًا مصريًا لن يفيد أحد انكاره والادعاء أنه غير موجود.


نجلاء فتحي
نجلاء فتحي ..تألق لا يعترف بالزمن
حميدة أبوهميلة
الشاشة تحن كثيرا إلي ابتسامتها.. ابتسامتها غير الناقصة.. والتي تزيدها اكتمالا وصدقا.. تلك الأسنان غير المستوية التي تعطي ضحكتها سحرا يصعب أن تلمسه مع أخري.. غير ذلك هناك حضور قوي وقدرة غريبة علي السكن داخلك بمجرد أن تبدأ في ترديد نص الحوار، وهنا يقفز سؤال: كيف تحتفظ بكل تلك البراءة بعد كل هذه السنوات؟! وسؤال آخر.. لماذا تحرمنا من طلتها، وكيف يمكنها أن تُسكن موهبتها داخلها كل تلك السنوات؟
نجلاء فتحي اسم عزفته السينما المصرية كثيرا في السبعينيات والثمانينيات.. ثم جاءت التسعينيات لتشهد انسحابا بطيئا للحن الذي لن يتكرر.. ولماذا لن يتكرر، لأن به من المتناقضات والتنويعات ما يرهق الباحث له عن تصنيف.. هي طفلة جدا.. بنبرة صوت شقية وممتلئة بالأنوثة، تجعلك تقف مكانك وترضخ لجميع طلباتها واحدا واحدا.. الطفلة كانت في قمة شقاوتها في دور ضحي في فيلم «غرام تلميذة»، حينما أوشكت أن تسبب خللا عقليا لأحمد رمزي بطل الفيلم، وحينما جعلت كل المشاهدين يضحكون. إذن فهي ممثلة كوميدية، وهي أيضا أنثي جدا بصوت مبحوح.. هادئ ورقيق ورائق وهامس في دلال دون ميوعة، وفي هذه المنطقة سوف نجد الكثير جدا لنتحدث عنه.. سوف نجد فتاة في قمة الرومانسية تقدم أفلاما لن تنسي، ومنها «دمي ودموعي وابتساماتي» و«أجمل أيام حياتي» و«أنف وثلاث عيون» و«حب وكبرياء»، لكن هل بعد كل هذا تنسي الأمومة؟ صعب جدا.. شاهدها في «حب لا يري الشمس» عام 1980وفي «سوبر ماركت» عام 1990 وفي «الجراج» عام 1995، ثم شاهدها في قمة التألق والجمال والحب والفرح والحزن والحيوية.. شاهدها وهي تجسد حياة كاملة في فيلم «أحلام هند وكاميليا» مع المخرج محمد خان، نجلاء فتحي قدمت أفلاما مهمة أخري منها «سونيا والمجنون» و«عفوا أيها القانون» و«إسكندرية ليه».
عام 2000، هو عام الاختفاء الكبير للفنانة الراقية.. قدمت خلاله فيلمي «كونشرتو في درب سعادة» و«بطل من الجنوب»، ثم فضلت الانسحاب صمتا وفي هدوء.. تلك السيدة التي مازالت الشاشتان الصغيرة والكبيرة تحلمان بها.. عشاق تلك الفنانة ينتظرونها، وهم دوما علي أمل أن تلبي النداء ذات مرة، وتطل بخبرة السنين عليهم في دور يليق بها.. هناك فراغ كبير وحقيقي تركته نجلاء فتحي، وهناك استعداد تام من الكل لاستقبالها، وهي قادرة علي العودة بنفس الوهج والتألق والأنوثة التي لم ولن تغيب.

جوليا بطرس
جوليا بطرس.. صوت رائق.. وروح متمردة
أحمد خير الدين
صرخة أطلقتها مدوية وممزوجة بحرارة شديدة وصدق خالص وسؤال طرحته دون أن تنتظر له إجابة، وأغنية قدمتها لتظل واحدة من أجمل الأغنيات الوطنية الحقيقية التي يعشقها الجمهور العربي ويسمعها في كل حادثة تصيبه - وما أكثر تلك الحوادث - فتملأه حماسا وثورة.. «وين الملايين؟».. تلك الأغنية التي قدمتها المطربة اللبنانية جوليا بطرس منذ سنوات طويلة لتكون هي بداية تعارفنا مع هذا الصوت الساحر، وتلك الحنجرة التي برعت من خلال كل أغنيات ألبوماتها أن تقدم ألوانًا طربية وغنائية متنوعة مثل «غابت شمس الحق» و«حبيبي» و«أنا بأتنفس حرية» و«ما مرق». لكن يبدو أن الأجواء التي نحياها اليوم لم تعد مناسبة لأصوات وعقليات مثل جوليا.. المطربة المميزة التي استمرت في الغناء والتمرد والثورة، بل إنها قدمت وبجرأة - تحسد عليها- أغنية شديدة الروعة في الإشادة بالسيد حسن نصر الله وبرجال حزب الله أسمتها «أحبائي»، ولم تفكر حتي في كونها منتمية لشركة مملوكة لأمير سعودي الجنسية «روتانا»، وأحد أفراد العائلة المالكة التي تكن لحزب الله كل عداء. ومن بعدها اختفت جوليا بطرس عن الساحة تماما وتوقفت عن إصدار ألبومات غنائية جديدة علي الرغم من أن الشركة التابعة لها تصدر ألبومات للمغنيين المتعاقدين معها بكثافة شديدة، لكنها فضلت أن تبتعد دون أن تقدم أي تنازلات، وأعلنت إصرارها علي أن تستمر وتواصل حياتها الفنية بالشكل الذي أحبها الجمهور فيه، وإلا فلن تعود مجددا.
من بين الثوابت التي تتمسك بها جوليا هو إصرارها الشديد علي استمرار تعاونها الفني مع الملحن زياد بطرس الذي قدمت معه معظم أغانيها، كما أنها مصرة علي تقديم لون من الأغاني الحماسية قد لا ترحب به شركات الإنتاج والتوزيع الفني، ولا حتي قنوات الأغاني التي تكتفي بعرض نوعية أخري ليظل ألبومها الأخير «تعودنا عليك» عام 2006 هو آخر لقاء للجمهور العربي بها، لتظل بعيدة منذ أكثر من أربع سنوات عن جمهور ينتظرها ليستمتع بصوت عذب تملكه مغنية مختلفة وملتزمة بأن تختار كلمات تليق بمكانتها وموهبتها لتقدم في النهاية أعمالاً بعيدا عن هذا العبث الذي يصدعون بها آذاننا، ويطلقون عليه زورا وبهتانا غناء.. عودة جوليا بطرس إلي الساحة الغنائية هو أمنية ومطلب من جمهور عشق صوتها وتجربتها المختلفة وانتظر جديدها، وكله ثقة أنها لن تخذله.

سهير المرشدي
سهير المرشدي..سيدة المسرح والسينما والتليفزيون
أحمد خير الدين
فنانة من طراز خاص.. تملك مخزونا لا ينضب من الموهبة، بل إنه يكفي لثلاثة أجيال فنية أو يزيد.. فما عليك سوي أن تلقي نظرة سريعة علي أرشيف سهير المرشدي وتاريخها السينمائي والتلفزيوني، لتدهشك مشاركتها في عدد كبير من الأفلام والمسلسلات التي تعد من العلامات البارزة في تاريخ الفن المصري الطويل.. ليس هذا وحسب، بل إنها تعاملت خلال تلك الأعمال مع مخرجين كبار بحجم الراحلين صلاح أو سيف ويوسف شاهين وهنري بركات وحسين كمال، كما أن معظم الشخصيات التي جسدتها سهير المرشدي طوال هذا التاريخ الحافل أصبحت راسخة في أذهان المشاهدين ولن ينسوها مهما مرت السنوات علي تقديمها لتلك الأعمال، فمن ينسي «فاطمة» في فيلم يوسف شاهين «عودة الابن الضال» أو «عدولة» في رائعة جمال عبد الحميد «أرابيسك» أو «سماسم» في ملحمة «ليالي الحلمية»، أو «مرمر» في رواية محمد عفيفي الوحيدة التي تحولت لفيلم سينمائي أخرجه هنري بركات، وحمل اسم «حكاية بنت اسمها مرمر»، إلي أن قدمت آخر أفلامها «رغبة متوحشة» مع خيري بشارة عام 1992، ابتعدت سهير المرشدي تماما عن الساحة الفنية، ولم تظهر مرة أخري سوي منذ سنوات في مسلسل «لا أحد ينام في الإسكندرية» عام 2007، لكنها لم تكن العودة اللائقة بتلك الموهبة العظيمة التي لن تتكرر.
انسحبت كذلك من علي خشبة المسرح الذي طالما عشقته، وقدمت عليه عددا من أروع أدوارها في مسرحيات مهمة تعد من علامات المسرح المصري والتي كتبها أشهر مؤلفي المسرح العربي، فقدمت رائعة الأديب الراحل عبد الرحمن الشرقاوي «النسر الأحمر» كما قدمت واحدة من أهم مسرحيات الكاتب السوري سعد الله ونوس وهي « يوم من هذا الزمان» بالإضافة إلي أعمال أخري للأديب الكبير توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، كما قدمت واحدة من أهم أعمالها مع الكاتب محمد سلماوي، وهي مسرحية «رقصة سالومي الأخيرة». إلا أنها ورغم هذا الرصيد الكبير، اختارت أن تبتعد عن المسرح بعد آخر أعمالها «للأمام قف» التي قدمتها في عام 2001.
غابت المرشدي بعدها لسنوات مفضلة ألا تقدم أي تفسير لغيابها عن الساحة كتلك التفسيرات والتبريرات المكررة التي مللنا سماعها عن ضعف الورق أو عدم مناسبة الأدوار التي تعرض عليها لنجوميتها، أو أن هذا الزمن لم يعد مناسبا لها أو أن مخرجي هذا الجيل لا يعرفون شيئا عن العمل الفني كما يفعل غيرها.. غابت لأن الأجواء التي تشهدها الساحة الفنية لم تعد تناسبها، فقررت أن تكتفي برؤية ابنتها «حنان مطاوع» وهي تمشي بخطي ثابتة هي الأخري دون أن تستغل بنوتها لاثنين من قامات الفن المصري سواء والدتها أو والدها المسرحي الراحل كرم مطاوع.. ابتعدت وهي رافضة كذلك أن تظهر في برامج تلفزيونية بلهاء لتتحدث عن ذكرياتها الفنية والشخصية، لكننا نتمني أن تعود إلينا من جديد.. لتنقذنا بموهبتها من أنصاف الموهوبين الذين أصبحوا يطلون علينا ليل نهار، ووصف النجمة يسبق أسماءهم دون أي خجل في أعمال لا تستحق حتي ثمن الخام أو كهرباء الإضاءة التي أنفقت علي تصويرها.

فيلم الحب في الزنزانة
إبراهيم الموجي.. ساحر السيناريو
محمد هشام عبيه
كم مرة ضبطت نفسك جالسا مشدوها مشدودا وأنت تتابع الضابط وحيد بصحبة فتاة الليل التائبة وهما يحاولوان الإيقاع بأكبر شبكة للمخدرات في ذلك الفيلم الممتع «النمر والانثي»؟ كم مرة اكتشفت أن هذا الفيلم تحديدا يقترب عمره من الثلاث ساعات ومع هذا لم تشعر بالملل للحظة واحدة قط؟ وإنما تجد نفسك تصفق مع عادل إمام في جذل وقد اكتشفت معه أن كلمة سر صفقة المخدرات الكبري تكمن في ذلك الرتم الإفريقي «دوم.. دوم.. دوم..دومدمممم». هل فكرت في السر؟ إنه سحر إبراهيم الموجي.
هو ذلك السحر الذي إنساب أيضا في مجموعة من أهم وأمتع أفلام الثمانينيات «حب في الزنزانة» - أي دماغ هذه التي تصنع واحدة من أروع قصص الحب خلف القضبان؟! «المشبوه» - حيث يتألق عادل إمام مجددا برفقة السندريلا سعاد حسني في فيلم إنساني رقيق - و«عفوا أيها القانون» أول - وربما آخر - وأفضل أفلام المخرجة إيناس الدغيدي.
الموجي من مواليد 1943، حصل علي دبلوم معهد السينما قسم الإخراج 1968، وبدأ حياته الفنية بإخراج الأفلام التسجيلية كما عمل أيضا مساعدا مع شادي عبد السلام في الأفلام التسجيلية، ورغم أن حظه من الإخراج السينمائي لم يكن جيدا واقتصر علي فيلمين فقط «المرشد» و«عيون الصقر»، إلا أن لمسته الساحرة في كتابة السيناريو توقفت بفعل فاعل - ربما بفعل شركات الانتاج غير المدركة لموهبته المتدفقة - منذ آخر أفلامه «كوكب الشرق» عام 1999، أي أننا محرومون من ذلك المبدع الكبير منذ أكثر من عشر سنوات.
صحيح أن الموجي بطبعه من نوعية كتاب السيناريو الذين يكتبون علي مزاج ورواقة قد تجعل المسافة بين الفيلم والآخر سنة أو أكثر، إلا أن غيابه عن السينما كل هذه السنوات يؤكد أن «فيه حاجة غلط»، وبخاصة أن أفلامه الناجحة فنيا كانت تجمع إيرادات كبيرة، وهو أمر يهدم نظرية أن أفلامه غير تجارية.. حجة أي جهة إنتاج ضعيفة. دعك من أن معطيات الواقع السينمائي في مصر قد تغيرت في السنوات الأخيرة، ولم يعد الإنتاج مقتصرا علي نوعية أفلام بعينها، فما السر إذن وراء حرمان السينما من قلم إبراهيم الموجي العذب؟ هل هو «كسل» من السيناريست المخضرم؟ لكن هل هناك موهبة يمكنها أن تخاصم الكتابة؟ أم أن الرجل يدرك قيمة العديد من الأفلام التي قدمها، فلا يستطيع أن يتفاوض مع منتجين ربما لا يعرفون عن سيرته السينمائية المشرفة شيئا؟ كل الاحتمالات واردة، لكن ذلك لن يمنعنا أبدا من أن نطالب ساحر السيناريو إبراهيم الموجي بأن يعود.. عله إن فعلها وألقي بسحره الجميل، بطل ذلك السحر الأسود الساكن في أفلام - مشيها أفلام - نشاهدها، وكأننا نبتلع حمض الكبريتيك المركز!

فيلم الطوق والأسورة
خيري بشارة.. يوم حلو.. وأيام كثيرة جدا من المرارة
إيهاب التركي
في الوقت الذي يحتفي مهرجان برلين بالمخرج الكبير «رومان بولانسكي» المسجون حالياً علي ذمة قضية قديمة، يقبع المخرج «خيري بشارة» في بيته معاقباً بحرمانه من ممارسة الإخراج السينمائي، وكل جريمته أنه مخرج لم يساوم علي رؤيته الفنية، وكانت آخر جرائمه الفنية، هي فيلمه الأخير وعنوانه «ليلة علي القمر» الذي تعثر فيه لسنوات حتي عرض عام 2008، ومن يومها لم يسمع أحد عن «خيري بشارة» أحد أهم المخرجين المعاصرين الذين تمكنوا من تغيير شكل السينما المصرية المعاصرة. فيلمه الأخير كان إنتاجًا متعثرًا قام به بجهود ذاتية عام 2003 وتم تصويره بكاميرا الديجيتال بعد أن تنكرت السينما لصانع أفلام «الطوق والإسورة» و«العوامة رقم 70» و«يوم حلو.. يوم مر»، وغيرها من الأفلام التي مثلت نقلة وتطورًا كبيرين في الفكر والصنعة السينمائية، وهو نكران وجحود. ظلت محاولاته لعرض هذا الفيلم تتعرقل 5 سنوات حتي تمكن من عرضه بعدد محدود من النسخ وفي مواعيد حفلات لا تحظي بإقبال جماهيري كبير، وبعكس البطء الذي تم إنجاز الفيلم به كان رفعه من قاعات العرض سريعاً، حتي إن بعض محبي سينما «خيري بشارة» لم يتمكنوا من مشاهدته. لم يكن الفيلم من روائع «خيري بشارة»، لكنه حمل نفس جنونه الفني وتمرده السينمائي وهمه الفكري، والأهم من هذا حمل إصرارا علي الوجود حتي لو بفيلم محروم من الإنتاج الكبير أو الدعاية الضخمة. لم يكن «خيري بشارة» يسير علي نهج صناع السينما التجارية الضحلة، ولم يلعب علي حبال مزج الفكر بالفهلوة وتوابل السينما التجارية كما يفعل بعض مخرجي السينما المعاصرين ممن يخلطون بضاعتهم الفاسدة ببعض الأفكار النبيلة سعياً وراء امتلاك الاحترام وشباك التذاكر معاً. أخلص بشارة للسينما كفن، ولكن نفوذ السينما التافهة تضخم في السنوات الأخيرة، وأصبح وجوده أمراً نادراً، وحتي هذه الندرة أصبحت بعيدة عن الأضواء، فمن المؤكد أن عددا قليلا للغاية قد سمع عن «ليلة في القمر»، وهو مغامرة سينمائية جمعت بين الفانتازيا والواقع، تناول فيها بسخرية ومرارة الرومانسية والوجود وصناعة السينما الحالية، وهي السينما التي تمنع عنه ما تمنحه لأنصاف ومعدومي الموهبة بكل سهولة وبسخاء.. بين الحين والآخر يعود زملاؤه الغائبون مثل «داوود عبد السيد» و«محمد خان» بتحف سينمائية رغم ضعف الإنتاج والدعاية والإمكانيات، ولا شك أن السينما المصرية التي لوثتها السينما الهابطة لسنوات طويلة تحارب وجود مثل هؤلاء الموهوبين بغلق الأبواب أمامهم، وبمنح آلة إلانتاج القبيحة الدعم والدعاية للسينما الرديئة، أصبح ما يقدم من عك وهراء علي الشاشة هو السينما في عرف الأغلبية، وأصبح «خيري بشارة» وزملاؤه كالغرباء علي السينما رغم أن صناعة السينما تناديهم لإنقاذها من الجمود ومن التحول إلي صناعة بلا فن أو متعة أو قيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.