كتب- علاء عزمي: - ظهور الأصابع الغيرانية عبر الجنرال قاسمى فى الحرب على داعش بالعراق وسوريا يعقد المعارك ويجعلها أكثر صعوبة - طهران تلعب بورقة داعش لتفزيع العالم السنى وإجباره على الرضوخ لأطماعها مقابل تخليصه من رجال البغدادي - داعش سيزداد شراسة كلما كان طرف المواجهة معه مقاتلون من الشيعة الذين يعتبروهم التنظيم "كفر ووجب قتالهم"
استهداف جنود دولة الخلافة الإسلامية للشيعة ليس اكتشافًا.. قتل ونحر من يعتبرهم الدواعش رافضة من أهم أدبيات تنظيم أبى بكر البغدادي.. الأصول العراقية للتنظيم، بما يتضمنه ذلك من تراثات التناحر الطائفى بين الشيعة والسنة فى دولة صدام حسين السابقة، يبقى لها دورًا ما فى تلك المعادلة الدموية، لكن للحكاية حزمة من الأسس الشرعية المتطرفة فى كل الأحوال.. قبل أيام، هزت أحزمة داعش الناسفة وسياراته المفخخة حى السيدة زينب السورى بدمشق.. حيث مرقد حفيدة النبى صلى الله عليه وسلم.. للهجوم، وهو الثانى على التوالى فى غضون أشهر قليلة مستهدفًا المنطقة نفسها، دلالات سياسية عسكرية وأخرى شرعية.. استهداف حى السيدة السوري، جاء بعد ساعات ربما من رصد الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الخاص بدولة الملالي، والاسم الأبرز فى الطبقات العسكرية العليا بطهران، على مشارف مدينة الفلوجة، حيث تدور الحرب الأعنف للقوات النظامية العراقية المدعومة بعدد من الميليشيات المسلحة، ضد تنظيم الدولة الإسلامية، داعش.. الرجل بدا فى حالة إدارة ميدانية للمعارك لصالح بغداد..!! وتُعرف أجهزة الاستخبارات والموسوعات العسكرية الغربية فيلق القدس تحت القيادة الناجعة لسليماني، بأنه "فرع من الحرس الثورى الإسلامى ينشط فى الخارج. وتُتهم وحدات فيلق القدس شبه العسكرية بدعمها جماعات مسلحة فى الشرق الأوسط".. وبالنسبة لمصر تردد اسم سليمانى إبان حكم الرئيس الإخوانى المعزول، محمد مرسي، حينما كان أهله وعشيرته وجماعته يجسون نبض الشارع فى إمكانية تأسيس ميليشيات أمنية تابع للرئاسة، على غرار الحرس الثورى الإيراني.. وحظى سليمانى براعية مباشرة من أعلى الرموز الدينية بطهران على مدار العشرين عامًا الماضية، حيث تم التعامل معه كبطل مغوار، وقائد عسكرى فذ لا يشق له غبار، وظل يتمتع بحماية مباشرة من جانب المرشد الأعلى، على خامنئي، جراء فتوحاته وغزواته القوية لإيران فى اليمن وسوريا ولبنان والعراق.. وجود سليمانى فى قلب معركة الفلوجة، التى باتت تعكس مشاهد طائفية بامتياز على يد القوات الشيعية المعاونة للجيش العراقي، كميليشيات الحشد الشعبى وحزب الله العراقي، وهما من أبرز الفصائل المدعومة إيرانيًا، سيمنح بلا شك دفعة معنوية وثأرية عقائدية للدواعش للثبات على الأرض، وعدم التزحزح إلا بشق الأنفس.. اعتراف الحكومة العراقية نفسها، بأنها تستعين بسليمانى كمستشار فى حربها على داعش، سيزيد الأخير من إصراره على مواصلة حفلات الدماء، حيث أصبح بين يديه المصوغ الشرعى والسياسى لمواصلة حرق الأخضر واليابس، حتى فى ديار المسلمين، بحجة اقتلاع النفوز الإيرانى الشيعى والقصاص من الخونة المتعاونين تحت مظلته.. موقف الحكومة العراقية نفسها، وكذا حلفائها فى واشنطن، من سليماني، يقدم للدواعش دلائل كثيرة على صدق نظريتهم بشأن ضرورة تكفير وقتل الشيعة والمتعاونين معهم من العملاء، ولو كانوا من أهل السنة.. لاحظ أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على مدار العام الماضي، كان على عداء صارخ وعلنى مع قاسمى على وجه التحديد.. قبل أشهر، وتحديدًا بعد صدور قرار العبادى بتفتيش كافة الطائرات الإيرانية القادمة إلى بلاده للسيطرة على تدفق السلاح على الميليشيات الشيعية، وقعت فى مطار بغداد اشتباكات عنيفة (لا يمكن أن تمر دون علم سليماني) على إثر تفتيش طائرة أتية من طهران وكان على متنها عدد من القادة رفيعى المستوى من الحرس الثوري. كما فاجأ سليمانى العبادى بحضور اجتماع عقده الأخير مع قوى شيعية عراقية شبه عسكرية للتحصل على مباركتها لإجراءاته الإصلاحية، قبل أن يوجه له انتقادات عنيفة وكأنه موظف صغير لديه، وليس رئيس وزراء لدولة مجاورة يفترض أنها ذات سيادة، بينما زاد رئيس فيلق القدس السابق، بأنه يمثل إيران لا نفسه فقط فى ذلك الموقف.. كما كانت هناك شكوى من قبل عسكريين أمريكان من أن قوات شيعية شبه عسكرية، بالطبع تدين بالولاء لسليماني، ارتكبت فوضى على نحو كبير فى محافظة الأنبار لدرجة أعاقت جهود اقتلاع داعش منها.. التناحرات السابقة بين سليمانى والعبادي، كادت أن تكلف الأول انهيار رضاء المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، على خامنئي، تجاهه على خلفية ما بدا من أنه يتحرك من دون أن يعود للقيادات فى طهران.. بينما ترددت أنباء قوية عن استقدام الجنرال محسن رضائى بعد 20 عامًا من خلعه بدلته العسكرية من منزله ليحل محل سليمانى فى قيادة فيلق القدس.. لكن على ما يبدو أن سليمان أحتوى غضب المرشد، وحافظ على موقعه، ليتواصل بقاؤه على رأس فيلق القدس، بيد أن العبادى نفسه أُجبر على التعاون معه لدحض داعش، وربما لضبط الإيقاع السياسى فى الداخل العراقى المرهون إلى حد كبير بالحسابات الإيرانية.. إيران تبتز الجمع، وفى المقدمة الحكومة العراقية، بسلاح محاربة داعش، فيما أن الأخير يستفيد دومًا من انتهازيتها بتقوية أسانيده الشرعية بين القواعد والأتباع لمواصلة السباحة فى أنهار الموت الموحشة باسم رفع راية الخلافة..
وجود الأصابع الإيرانية فى معارك تحرير العراق وسوريا من داعش، يصعب المهمة من دون شك.. الداعشى يصبح فيها نمرًا شرسًا مدفوعًا بوقود إيديولوجى طائفى عنيف لا يفهم كأولوية أولى له، وعلى عكس تنظيم القاعدة، إلا تكفير الشيعة وقتالهم.. يقول محمد علوش، مؤلف كتاب «داعش وأخواتها»، إنه "من رحم القاعدة فى العراق ولد فيما بعد تنظيم داعش وتبنى نفس أطروحات (مؤسسه الأصلى أبى مصعب) الزرقاوى وزاد عليها حتى استقر فى أدبياته بتكفير جميع الشيعة من دون تخصيص". وتابع "فقد ذهب تنظيم القاعدة فى العراق (داعش لاحقاً) فى تعريف عقيدته الى تكفير الشيعة بمذاهبها المعروفة اليوم خلافاً لما هو مقرر ومشهور عند علماء اهل السنة قديماً وحديثاً، حيث ورد فى عقيدته: (والرافضة عندنا طائفة شرك وردة). وينقل علوش عن عقيدة التنظيم فى قتال الشيعة وتكفيرهم نصًا: "الموجود اليوم هم الرافضة والإسماعيلية الباطنية والنصيرية الباطنية والدروز الباطنية وهذه الطوائف الأربع هم الذين يؤلهون آل البيت ويستغيثون بهم وهم قبوريون فهؤلاء مشركون كفار وليسوا بمسلمين ولا فرق بين علمائهم أو مقلديهم وجهالهم فكلهم مشركون وليسوا بمسلمين ولا يعذرون بالجهل فى عبادتهم لغير الله". هكذا سيذكر الدواعش أنفسهم فى الفلوجة، كلما تم رصد الجنرال سليمانى فى المعارك، لتدور رحى التفجيرات والاغتيالات والقتل دون هواده.. إيران تلتقط القصة برمتها، تعى أنها رقم صعب فى المعادلة الداعشية العراقية السورية، ومن ثم ساعدت فى تغذية وجود الدولة الإسلامية على الأرض عبر واجهاتها فى بلاد دجلة والفرات والشام، كنور المالكى وبشار الاسد وشركائهما، ليصبح حل المعضلة لديها فى النهاية، كما هو الحال بالتواجد الكبير لسليمانى ورجاله فى الفلوجة، وفى مناطق سورية عدة أيضًا.. داعش لن يترك الشيعة وإيران التى ستظل تعبث فى أنفه، لتفزيع العالم السنى به، وكذا لإجبار ذلك الأخير على الرضوخ لطلباتها وخططتها التوسعية بالمنطقة، تحت ذريعة تخليصه من عفريت الإرهاب الذى شاركت هي/ أى طهران/ دون شك فى صناعته، ولا عزاء للأبرياء من ضحايا عنف التكفير المسلح..