"كان نموذجًا لن يتكرر فنيًا وأخلاقيًا وثقافيًا، وكان زاهدًا وعازفًا عن ضجيج المجتمع وطبوله الجوفاء، كما أنه كان خليطًا من عزة النفس والكبرياء والتواضع الشديد أمام العلم والمعرفة"، هذا ما قالته الفنانة سميحة أيوب عن الراحل محمود مرسي في إحدى التصريحات الصحفية تقديرًا لهذا الفنان الذي أضاف للفن أكثر مما أخذ. في 7 يونيو عام 1923، ولد محمود مرسي بمدينة الإسكندرية، وكانت والدته منفصلة عن والده الذي ألحقه بمدرسة داخلية وكانت والدته تزوره يومي الخميس والأحد، ودرس الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة اﻹخراج السينمائي، بأموال ورثها عن والده، وقضى هناك خمس سنوات كاملة. "أنا الهارب"، كانت البداية الفنية لمحمود مرسي عام 1962 مع المخرج نيازي مصطفى مقابل 300 جنيهًا فقط، وقدّم فيها دور الرجل الشرير، وهو الدور الذي برع فيه كثيرًا، حتى وضعه المخرجون في هذا القالب في أكثر من عمل، وتميز في هذا الدور لما تمتع به من صوت أجش وملامح جادة، فأدى أدوار الشر في عدد من الأفلام، منها "ليل وقضبان"، و"أمير الدهاء"، و"شيء من الخوف" و"سعد اليتيم" وغيره. قبل "أنا الهارب" رفض محمود مرسي عددًا من الأعمال السينمائية لاعتبارات خاصة به، فكان له عددًا من المعايير للقيام بدور معين، حتى أنه رفض القيام بدور البطولة في فيلم "باب الحديد" للمخرج الراحل يوسف شاهين، وذلك بعد أن قرر صناع الفيلم منحه 50 جنيهًا فقط نظرًا لأنه كان وجهًا جديدًا، واعترض "عتريس" على أن يتقاضى أجرًا أقل من الأجر الذي تقاضته بطلة الفيلم "هند رستم"، التي أدت دور "هنومة"، وأسند دوره للفنان الراحل "فريد شوقي". توالت نجاحات الفنان محمود مرسي خلال فترة الستينات والسبعينات، فقدّم عددًا من الأفلام الناجحة، من بينها "السمان والخريف" و"طائر الليل الحزين" و"أبناء الصمت"، واتجه في أواخر السبعينات للدراما، فقدّم عددًا من المسلسلات، من بينها "رحلة السيد أبو العلا البشري" و"بين القصرين" و"لما التعلب فات". خلال مشواره الفني، حصد "مرسي" عددًا من الجوائز والتكريمات، من بينها جائزة التمثيل الأولى عن دوره في فيلم "الليلة الأخيرة" عام 1964، وجائزة أحسن ممثل عام 1969 عن دوره في فيلم "شيء من الخوف"، كما تم تكريمه في مهرجان الفيلم الروائي عام 1998، ورفض في عام 1995 ترشحه للفوز بجائزة الدولة التقديرية كممثل، لأنه يرى أن الممثل ليس مبدعا، وأن الأحق بالتقدير هما المخرج والمؤلف. أغنية "السح الدح إمبو" كان لها قصة مع الفنان "محمود مرسي"، والذي قال عنها في تصريحات صحفية سابقة: "أفضل من معظم أغاني هذه الأيام، وأحمد عدوية فنان شعبي حقيقي تخرج من الحارة المصرية، وأنا أرى أنه يجب أن يكون للحارة أغانيها وللغرز والمقاهي والمواخير والطوائف المختلفة أغانيها أيضا". وكذلك أبدى محمود مرسي رأيه في أفلام محمد هنيدي، قائلًا: "محمد هنيدي ممثل محدود القدرات ربما يضحك الناس لكنه غير قابل للتطوير، ولن يصل أبدا إلى مقدرة عادل إمام، وهناك آخرون مثله في القدرات المحدودة مثل علاء ولي الدين وآخرين لا أذكر أسماءهم، وفيلم الواحد منهم يكلف ملاليم ويدر عليه ملايين، والتفسير الوحيد هو أن طوفان التفاهة طاغ، وعموما أنا لا أشاهد التليفزيون المصري ولا أذهب إلى السينما أو المسرح"، وصرّح في عام 2000: "قاطعت السينما لأنني لم أجد السيناريو الذي يرضيني والقصة التي تشبعني"