عبر شاشة التلفاز يتابعون الأخبار بحسرة، النوم يفارق جفونهم، التوتر والضغط المرتفع يصاحبهم، قلوبهم هلعت من قسوة ما يشاهدوه، حسرة تنتابهم على بلادهم التي أصبحت ركام والعالم في صمت، حال "زهرة" وأسرتها الذين يقطنون بأجسادهم في قاهرة المعز وبقلوبهم التي آلمها الفراق في "حلب" موطنهم الذي أصبح مرتعًا للدماء التي تسيل في جنباته. نزحت إلى مصر مع أسرتها قبل اندلاع الحرب في 2011 في رحلة عمل لوالدها، تاركين منزلهم وأغراضهم وأموالهم في موطنهم الذين سيعودون إلى أدراجه كما كانوا يعتقدون، لكن عصفت الحرب على آمالهم في الرجوع إلى أرض الوطن، تمر الأيام وتزاد الأمور تعقيدًا، تفرق الأهل والأحباب والجيران كل منهم في بلد تبعدها الأميال عن الأخرى، حلم التجمع مرة أخرى تبدد في مخيلة "زهرة". في المساء، تجمت العائلة حول شاشة التلفاز لمتابعة آخر الأخبار ولكن تلك المرة كان الحدث أشد وطأة من تحمله "شفنا بيتنا جاتلو قذيفة" قالتها "زهرة" التي شهدت طفولتها وصباها في ذلك المنزل الذي أصبح ركامًا، ذكريات عدة تدور بخلدها أمسيات وضحك واستذكار حياة كاملة شهدتها تلك الجدران التي حملت بسماتها وأحلامها، انقضى آخر أمل لديها في الرجوع إلى بلادها يومًا ما بعد مشاهدة تلك اللقطة العابرة بالنسبة لكثير ولكنها تعني حياة بالنسبة لها. سنوات عدة، عاشتها في كنف المصريين تتحدث العربية بطلاقة ألفت البلد والأماكن، ولكنها لا زالت تشعر بضيق تحلم بالعودة إلى ديارها يرهقها عدم تعاطف البعض مع قضية بلادها واستنكارهم من تواجد السوريين بكثرة "في ناس بتقولنا أنتومليتو البلد" بامتغاض قالتها صاحبة ال25 ربيعًا، تتبدل الكلمات والشعور واحد، ولكن أكثر ما يضايقها تعرض أختها الصغيرة لمضايقات في مدرستها وانعزال رفيقاتها عنها، مما تسبب لها في ألم نفسي وكره للدراسة. "حلب مباشر" هي القناة الوحيدة التي تبث ما يحدث بأرجاء حلب ودون ذلك تتابع الأحداث على الإنترنت "بس الناس يللي بيتعاطفوا مع بشار صاروا كتار" بالسورية وبالعامية المصرية تتحدث ولكنها حين تتحدث عن بلادها ينطق لسانها باللكنة السورية وكأنها تريد التعلق بكل ما يربطها ببلادها التي أصبحت ركام ومن الصعب العودة إليها على الأقل في الوقت الحالي. تحاول التواصل مع أهلها لتطمئن عليهم بعد طائلة القذائف التي انهالت على بلادها، ولكن يرهقها صعوبة التواصل معهم "ما عاد في حدا"، بحسرة قالتها مشيرة إلى أن القلة القليلة من عائلتها الذين كانوا "بحلب" فروا إلى البلاد المجاورة، ولا تعلم حتى الآن من طاله شرف الشهادة، وأما عن باقي عائلتها فتفرق شتاتهم بين البلدان هناك من في تركيا والسويد وألمانيا وفرنسا.
حياة رغدة كانت تعيشها في كنف أسرتها الصغيرة وعائلتها أصبحت سراب لا يبقى منها سوى الذكريات، تشرد "زهرة" متسائلة عن الأيام أين ستودي بهم بالرغم من مشاعر الإحباط التي تعيشها إلا أنها تحلم أن تدخل مدينتها يومًا ما تلعب بالثلوج في الشتاء وتترجل الطرقات في في المساء مع رفيقاتها، أحلام مشروعة ولكنها بعيدة المنال تدور في مخيلتها التي لا يراودها سوى الحنين إلى أوطانها.