لا أعرف علاء عبد العزيز. لم أقرأ له إلا مقاله الوحيد فى موقع «الحرية والعدالة» الخاص بطائفة الإخوان، مقال مغمور لرجل مغمور. مساء اليوم الذى عين فيه عبد العزيز وزيرا، وأصبح جنديا على سبيل الخطأ فى المعركة الخطأ، حظى المقال بشهرة لافتة، فللمرة الأولى لم نسأل عن كفاءة الوزير الجديد، وإنما: من يكون هذا الرجل المجهول؟ فى مساء اليوم الأول لاعتصام مجموعة من الأدباء والفنانين 5 يونيو 2013، كنا نبيت فى مكتبه، وسمعته للمرة الأولى فى برنامج تليفزيونى. كان عصبيا متشنجا، وما هكذا يكون الوزير ولا المثقف، ولا السياسى حين يتحدث عن مثقفين وفنانين لا يملكون إلا مواهبهم. أشفقت عليه، وتمنيت له الشفاء، وكان التمنى من وراء قلبى، لثقتى باستحالته، استحالة الشفاء لا الوزير؛ فمن تجاوز الخمسين، وهو مغمور غير متحقق، يصعب عليه التصالح مع المتحققين أو مع حياة يرى أنها ظلمته. وأعترف بذكاء الإخوان فى تجنيد عبد العزيز، أقرب المنتمين للفنون والثقافة شبها بهم، فى التشوه النفسى، والرغبة فى الانتقام من الأسوياء عشاق الحياة. ولا أتخيل أن يختار المشوهون نفسيا أحدا يتمتع بالخيال، ويجيد النقاش، ويتسع صدره لمخالفيه فى الرأى والاجتهاد، فلا اجتهاد حيث يوجد مرشد لقطيع، أما الأحرار فيحبون أحرارا، ويفخرون بالاستعانة بهم، ولا يشعرون بالغيرة منهم، ولا النقمة عليهم، لأنهم أحرار. ولا أتصور أن يتراجع عبد العزيز عن أى قرار أحمق، لأنه ليس قراره، هو مجرد آلة، جندى فى التوقيت الخطأ، عبد مملوك لا يقدر على شىء، وتبين لمولاه أنه أينما يوجهه لا يأت بخير، الرجل مسكين مغلوب على أمره، ينفذ أجندة التنظيم السرى. ثم إنه لا يعرف المثقفين لكى يعزل هذا أو يولى ذاك. هذه معركته الأخيرة، وبعدها لا مكان له بين المثقفين ولا الإخوان، وهو تحسب لذلك بانضمامه إلى حزب تكفيرى يزايد على الإخوان أنفسهم. فى ما بعد، حين تهدأ المعركة، وهى بالطبع محسومة لصالح المستقبل، سأجدنى مدينا لعبد العزيز بالشكر، لخمسة أسباب: أولا: هو الوحيد الذى أجبرت حماقاته المتواصلة رجلا مثل أحمد عبد المعطى حجازى على الاستقالة من رئاسة تحرير مجلة «إبداع»، وهو مطلب ثقافى مزمن. ثانيا: فى أقل من شهر أصبح مصطلح «الثقافة» جزءا من نقاش المواطن وحوارات الميكروباص، ولم يعد الشأن الثقافى كهنوتا يخص منتجيه، وإنما مستهلكيه والدائرة المحيطة بهم، وهم أميون بسطاء تولوا حمايتنا، والهتاف معنا ضد الإخوان والمتأخونين، حين أغاروا الثلاثاء على المعتصمين أمام وزارة الثقافة. ثالثا: تحقق للفنانين التشكيليين والموسيقيين وراقصى الباليه والمطربين ما حلموا به، وما لم يخطر على قلب بشر، أن يهدم الحائط الرابع الفاصل بين خشبة المسرح والجمهور. الفنان هنا فى قلب المشهد، تحت الشمس، يقتسم الحلم والأغنية والأسفلت مع جمهور يصفق ويشارك ويرى الإبداع لحظة ولادته، أو فى تجلياته المتجددة حين يعاد إنتاجه فى سياق مختلف. رابعا: كشف عورة غير المتحققين، أشباه عبد العزيز نفسه، أنصاف المبدعين، أنصاف المتحققين. لا يليق بمثقف أن يمسك العصا من المنتصف فى وقت الأزمات، هى لحظة اختيار فارقة، وعليه أن يلعب ثورة أو تواطؤا، أن يختار الوقوف فى صف قاتلى النقراشى والشيخ الذهبى والسادات و107 جنود فى يوم العيد عام 1981 وفرج فودة ونجيب محفوظ، أو فى صف صنع الله إبراهيم الذى رفض جائزة من يد فاروق حسنى أمام 300 مثقف مصرى وعربى عام 2003، ولم يهادن. خامسا: كشفت الأزمة حاجتنا، حاجتى الشخصية، إلى استعادة نجيب سرور ليتحدث عن «مدمنى حبوب منع الحمل.. منع حمل السلاح»، عن مثقفين يجيدون ركوب الموجات، من الثورة إلى الاعتصام. عند هذه النقطة لا بد أن أصمت، لأن أصدقائى سيكفون عن القراءة بعد هذا السطر، ويلعنون المقال وكاتبه، ويقولون فى سرهم أو فى العلن.. «يخرب بيتك.. مش وقته»!