منذ أن تمشط ضفائرها وتحتضن دميتها وتنبت بداخلها غريزة الأمومة، وهي تتطلع إلى طفلها المبهم وتحلم بدفئه وتأمل بتدليله وتتويجه، ولكن لم تكن تعلم أن منحة البارئ لها هي محنة وابتلاء الأيام، تود لو أن تدفع ما لديها من أموال لتضم طفلها، أو تسمع منه كلمة حب في عيدها. هذا هو حال "منال" أم لطفل "ذاتوي"، وهو نوع من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، و"الذاتوية" هي التمركز حول الذات وهو سلوك انطوائي شديد العزوف عن الاتصال بجميع أنواعه ويعاني من تجمد للمشاعر. لم تعش حياة رغدة تحتضن طفلها، ماكثة بين أمل ورجاء في الشفاء منذ ميلاد طفلها، وهي تعاني "لم يكن لدي الخبرة الكافية لتشخيص حالة زياد ولكن بالطبع لاحظت بعض التصرفات الغربية التي تفرق زياد عن باقي الأطفال" قالتها موضحة أن البطئ في الاستجابة ورد الفعل كان أكثر شيء ملحوظ وأيضًا الضحك والبكاء الهستيري دون مبررات فهذه التصرفات المختلفة - جعلت والدتها تكتشف إصابتة بالأوتيزم لدرايتها بطبيعة المرض من قبل. أبت أن تسلم بكلام والدتها واحتضنت طفلها وطرقت أبواب مركز دراسات الطفولة، وبالفعل أيقنت "أم زياد" إصابة وليدها، وذلك بعد إجراء العديد من الاختبارات، ومن هنا بدأت رحلة العلاج في السنة الثانية من عمر زياد. وبعد المرور على محطات كثيرة من جلسات العلاج لم تشعر بتحسن في حال طفلها وأخذت تفكر في ضرورة الدمج بين جلسات العلاج والتأهيل النفسي والسلوكي ففكرة الاستضافة في مركز تأهيل ما شغل بالها إلى أن تمكنت من الوصل إلى مركز تأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة والذي يخصص جزء كبير لأطفال "الأوتيزم". "هناك لقيت الرعاية الشاملة لي ولطفلي" قالتها مستطردة: "ففكرة الاستضافة تقوم علي أن يأخذ الطفل عدد ساعات معينة في اليوم تشمل جلسات تخاطب ورعاية نفسية وتعديل سلوك وعلاج وظيفي وحركي". زياد - طفل زكي بارع في ترتيب الأشياء وتكوينها يقوم بحركات جسمانية تكرارية يضحك ويبكي بصورة هستيرية بدون سبب وأصبح يعاني من اضطرابات في النوم لايحب التنوع عامة وخاصة في الطعام يرفض التعليمات والأوامر، فمعظم هذه الأعراض تقلصت بصورة ملحوظة منذ التحاقه بالمركز ولكنه لازال يعاني من الانطواء والعزلة الاجتماعية.
"دعيت من المركز لحضور دورة تدريبية لبرنامج مخصص للأوتيزم" قالتها مشيرة أنه بعد حضور الدورة تدربت للتعامل مع الأطفال وقامت بالعمل في المركز تحت اشراف المتخصصين ومن ثما تحسنت حالتها النفسية مما انعكس بالطبع علي زياد كما تمكنت من مساعدة الكثير من الأطفال. الجانب المشرق في حياة أطفال الأوتيزم هناك جانب مشرق من حياة الأوتيزم يغني عن اعتلاء السواد هكذا ود أن يبدأ الأستاد منصور نعيم الأخصائي النفسي كلامه بالحديث عن الاطلالة المشرقة من حياه طفل الداتوية، مشيرًا إلى يظهر هذا المرض المبهم عند الكثير في الثلاثة سنوات الأولي من عمر الطفل وبنسبة 70 :80 % يظهر في السنة الأولي، تتشابه أعراض الأوتيزم مع الأمراض السمعية فيختلط علي الكثير من الأمهات تشخيصه، حيث تعتقد الأم أن عدم تفاعل الطفل معها يرجع إلي مشاكل سمعية عند مولودها. تمر الأم مع طفلها بمجموعة مراحل في رحلة ذاتوية زائغة الملامح، فالمرحلة الأولي هي إدراك الخلافات بين طفلها والمشابهين له في نفس المرحلة العمرية، فهذه الخلافات تسبب لها قلقل، وبمجرد الوصول إلي هذه المرحلة تدخل الأم علي المرحلة الدامسة وهي الصدمة والتشخيص وهي من أقوي وأصعب المراحل وقوعًا علي الام، هكذا يقول "منصور".
بينما أضاف منصورهناك بعض العوامل التي تجعل الأم تتخطي المحنة فبطبيعة الحال لا تستطيع الأم الوقوف بمفردها أمام هذا السيل العرم بمفردها فالمساندة والدعم من الزوج والأهل من أحد العوامل التي تجعل الأم أقوي وأفضل، كما يوجد علاقة ترابطية بين الكفاءة الذاتية للأم ونسبة التعافي فكلما شعرت الأم بالرضي عن نفسها وطفلها تحسن حالهما واستجاب الطفل للعلاج، فمن واقع الدراسات أن أم الطفل الأوتيزم من أكثر الأمهات عرضة للاحباط والمشكلات النفيسية.
من واقع الخبرة العملية مع الأمهات تحدث منصور عن أهم الاشياء التي تتغافل عنها، فطفل الأوتيزم لديه بعض المشاكل في الكلام والتفاعل الاجتماعي، فعدم استطاعته التواصل مع غيره يسبب له قلق وتوتر فبجانب الأوتيزم يصاب بالعديد من المشاكل النفسية التي لا يستطيع أحد أن يعرف عنها شئ مما يجعل الأم تتحامل علي طفلها، ونتيجة لعدم استجابة الطفل وجدانيا مع الأم وعدم شعورها بدفئ وحنان ابنها تحدث شروخ في العلاقه بينهما فعلي الرغم من الجفاء الغير متعمد من الطفل فتدليل الطفل والرفق به وحسن معاملتة يعود علي الطفل برجع صدي جيد فيبدء تدريجيا في كسر الحواجز والتواصل مع أمه بطريقة أفضل فطفل الأوتيزم يترجم المشاعر ولكن لا يستطيع التعبير عنها بسهولة. ويضيف منصور، أن التأهيل النفسي للأم لايقل أهمية عن الطفل، فهي تحتاج للمزيد من الرعاية النفسية لتقليل مستوي الضغوط الواقعة عليها.