يبدو أن محافظة المنيا، "عروس الصعيد"، تخلٌت عن زيها الأبيض لصالح الأسود في عيدها القومي، الموافق 18 مارس من كل عام؛ بسبب ما تعانيه من مشكلات في كافة قطاعاتها، بدءًا من منظومة صحية متهالكة، وطرق ومعديات غير صالحة، ونهب وسرقة، وتعدي على المناطق الآثرية، وتوقف بعض المصانع، مرورًا بتحول مدارس المحافظة إلى مرتعًا للكلاب، وانتشار أكوام القمامة، وتلوث مياه الشرب، وتدهور شبكة الصرف الصحي، وانتشار البلطجية دون رادع. "التحرير"، ترصد العديد من المشكلات التي تعاني منها المحافظة، التي قد تبدو غائبة عن المحافظ الجديد اللواء طارق نصر، منذ توليه المنصب في يناير 2015. قطاع الصحة مستشفيات متهالك، نقص بالأجهزة، أخطاء طبية متكررة، انتشار الزواحف والحيوانات، تلخص هذه الكلمات حال قطاع الصحة بالمنيا. وأبدى عدد من الأهالي من تحويل الوحدات الصحية إلى وحدات طب أسرة، رغم أن أغلب المترددين عليها من البسطاء، إضافة إلى عدم توافر أمصال العقارب والثعابين، ونقص المستلزمات الطبية الأساسية (سرنجات، الشاش، القطن، المضادات الحيوية).
ففي الوحدة الصحية بقرية منشأة لطف الله بمركز مطاي، تحولت إلى ملاذ آمن للزواحف، بعد أن هجرها الأطباء والممرضين والمرضى على حد سواء. كما تحولت مستشفى قرية زهرة، التابعة لمركز المنيا، إلى ما يُشبه "خرابة"، تغطيها الأتربة، وتحتلها الكلاب الضالة، وتحطم أثاثها، وذلك بعد تحويلها لمستشفى طب أسرة، وغلقها الساعة الثامنة مساءً، الأمر الذي يعرض حياة أكثر من 100 ألف من أهالي قرى زهرة وصفط اللبن والتل الكبير والبرلمان وأبو حنس، للموت بسبب تعرض بعضهم للدغات الثعابين، وبعد المسافة بينهم وبين مستشفى المنيا العام.
وبالحديث عن مستشفى بني مزار، تعد مثالاً صارخًا للإهمال والفوضى، والاستهانة بصحة المواطنين، حيث تسببت حالة الفوضى التي تضرب المستشفى، وافتراش المرضى الأرض، في إطلاق أهالي المركز عليها لقب "سوق الإثنين"؛ بسبب الزحام والفوضى.
ويُعاني المرضى من انتشار القمامة بوحدة الغسيل الكلوي بالمستشفى، إضافة إلى نقص أجهزة التنفس الصناعي؛ بسبب عدم وجود شبكة غازات بالمستشفى، وافتقارها لمشرحة وثلاجة للموتى منذ 4 سنوات. وفي مستشفى المنيا الجامعي، يُعانى المرضى المترددين عليها من سوء حالة غرفة العناية المركزة، وانتشار القمامة، وتحولت ساحة المستشفى إلى سوق للباعة الجائلين، ومكان أشبه بالمقهى حيث تناول الشيشة، فضلاً عن تعطل جهاز الأشعة، الأمر الذي دفع أهالي المرضى إلى نقل ذويهم عبر "ترولات"، وعبور الشوارع الرئيسية للوصول إلى أقرب مركز أشعة.
"كوسة" التأمين الصحي
أكد أمين اللجنة النقابية للعاملين بالتأمين الصحي، أن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية مشكله تواجه المرضى بمستشفيات التأمين الصحي، لافتًا بأنه يتم الاعتماد على أصناف غير فعالة، ومنها يوتاسين 1.5 جرام، وستيجم 1 جرام، وجميعها مضادات حيوية، كما يتم صرف أمبولات الأنترفول لمرضى الكبد ب"الكوسة"، بحسب قوله. وفيات وعاهات داخل المستشفيات
"الكل شغال بالبركة".. هكذا وصف أهالي المنيا، طبيعة العمل بالمستشفيات الحكومية، وقيام الممرضين بأداء ومهام الأطباء؛ بسبب عدم تواجدهم، ما تسبب في سقوط العديد من الوفيا ، وإصابة البعض بعاهات مستديمة، وآخرها، ما شهدته مستشفى ملوي العام، بقيام أحد الممرضين بحقن الطفلة فرحة مجدي عبد الحفيظ 5 سنوات، بعقار خاطئ ما أدى إلى لوفاتها في الحال؛ لعدم تواجد أطباء بالمستشفى. كما شهدت مستشفى مغاغة العام، فقدان الطفل فارس أبو النجا أحمد 6 سنوات، لبصره؛ بسبب قيام ممرضة بحقنه بأمبول خاطئ، بعد أن أحضرته من ثلاجة المستشفى دون الرجوع للأطباء.
مصانع متوقفة والاستثمار "حبر على ورق" تحولت المنطقة الصناعية بالمحافظة إلى "خرابة"، مبان خالية من معدات، حيث تضم المحافظة 305 مصانع، منها 120 مصنعًا منتجًا، و103 تحت الإنشاء، و40 مصنعا في مرحلة إعداد المستندات، وتوقف 42 مصنعًا، بإجمالي عمالة تصل إلى 30 ألف عامل، وإنفاق 260 مليون جنيه لأعمال البنية التحتية. وأوضح مصدر بالمنطقة الصناعية، أنه بسبب عدم إجراء الصيانة اللازمة لشبكات الصرف الصحي، أدى إلى انهيارها بشكل أصبح من المستحيل تداركه، إضافة إلى توقف ما يقرب من 100 مصنع؛ بسبب عدم جدية مستثمريها، وتلوث عدد من المصانع، وأصبحت غير جاذبة للعمالة مثل الطوب والأسمنت وكربونات الكالسيوم. وأرجع محمود علي، أحد المسثمرين، فشل المنطقة الصناعية بالمنيا، إلى عدم الدراسة الجيدة لمصانع المنطقة، وعدم توفير مساكن خاصة للعمال ومدارس لأسرهم، الأمر الذي دفع الجميع إلى ترك المنطقة، فضلاً عن فرض رسوم على المستفيدين من الأراضي التي يتم تخصيصها للمستثمرين.
وأكد عدد من المستثمرين، عدم تعاون المحافظة معهم، وأن البعض لجأ إلى الاقتراض من البنوك لتطوير مصانعهم، في ظل تعثرهم. وأردفوا: "حاولنا اللجوء إلى لجان المحافظة لمساعدتنا على إيجاد حل، لكنها ودن من طين وأخرى من عجين، وأصبح هدفها فقط فرض رسوم على تخصيص الأراضي أو بيعها دون النظر إلى مساعدتنا"، بحسب قولهم.
"عدسة التحرير" رصدت تحول العديد من المصانع إلى مبان دون آلات أو عمال حتى أصبحت كالخرابة، أو مخازن لتشوين المعدات القديمة. واحتلت الكلاب الضالة ومتعاطي المواد المخدرة مقر شركة النيل لحليج الأقطان، بعد أن كانت قلعة صناعية تضم سبعة مصانع، حتى عام 1998 بعد قرار تخصيصها.
طرق المنيا.. دماء على الأسفلت أصبح مسلسل حوادث الطرق بمثابة عرض مستمر، متعدد الحلقات، بطله الإهمال، وافتقاد الطرق إلى الصيانة الدورية، وأعمدة الإنارة، فضلاً عن غياب الرقابة المرورية، وانتشار المطبات العشوائية، ما يتسبب في وقوع عشرات الضحايا ومئات المصابين.
المعديات النيلية.. نعوش عائمة تعاني المحافظة من الحالة المتردية للمعديات النيلية، ما تسبب في وقوع العديد من حوادث المعديات، حيث أن 90% من المعديات تفتقر إلى حواجز حديدية خلف السيارات، وتحميلها بالركاب والسيارات التى تقل كميات كبيرة من الطوب أكثر من حمولتها المقررة. وتفتقد غالبية المعديات لعنصري الحداثة والتطوير، خاصة أنها بدون ترخيص، ويقودها مجموعة من الصبية، وسط غياب تام لدور المسؤولين. وتمتلك المنيا 197 وحدة نقل نهري "معدية " بمراكزها التسعة، يمتلك الأهالي 167 منها، مقابل 33 للقطاع العام. وشهدت المحافظة خلال الثلاثة أعوام السابقة، العديد من حوادث المعديات، كان آخرها غرق 50 شخصًا من أهالي قرى مركز سمالوط، ومصرع 19 آخرين، إثر سقوط ميكروباص من أعلى معدية نيلية، بقرية الحاج قنديل، بمركز ديرمواس.
فوضى المزلقانات
تسيطر الفوضى والعشوائية على مزلقانات المحافظة؛ بسبب افتقادها لوسائل الأمان، من حواجز حديدية، والاعتماد على السلاسل الحديدية التي يسهل تخطيها خلال مرور القطارات، ما يتسبب في وقوع عدد كبير من حوادث التصادم التي تودي بحياة العشرات من الأهالي. الكلاب تغزو مدارس "عروس الصعيد" تحولت مدارس المنيا إلى ملاذًا للكلاب الضالة ، وسط حالة من الخوف بين الطلاب، تدفعم أحيانًا للمكوث بمنازلهم، وسط شكوى متعددة من أولياء أمور طلاب مدارس ( زهرة الثانوية المشتركة، صفط اللبن الإعدادية، البرجاية الابتدائية، أبو سويلم الإعدادية) من تعرضهم لهجمات مستمرة من الكلاب المتواجدة بمدارسهم أبنائهم، مؤكدين أن عمال والإدارة وراء ذلك؛ بهدف حراستها من اللصوص.
ويواجه طلاب القرى التي تفتقر لوجود مدارس بها، شبح الموت بصورة يومية، خلال ذهابهم إلى المدارس المتواجدة بالقرى المجارة لهم، عن طريق استقلال التروسيكلات، حيث أن أكثر من 15 طالبًا يستقلون التروسكيل الواحد، بينما أن حمولته لا تزيد عن 6 أفراد، فضلاً على أنه مُخصص لنقل البضائع فقط.
كما تسببت السبورة الذكية بمدارس المرحلة الإعدادية بالمحافظة، في حالة من الارتباك بالعملية التعليمية؛ بسبب عدم قدرة المعلمين على استخدامها، لعدم تلقيهم أية دورات تدريبية لهم.
نهب الآثار
يضرب الإهمال العديد من المناطق الأثرية بالمحافظة، جعلتها عرضة للصوص والبلطجية، وسط تعدي صارخ من البعض على تلك المناطق أمام الجميع، لكن دون جدوى. البادية من مركز ملوي، حيث تعرضت المنطقة الأثرية بقرية الشيخ عبادة - التي تضم قطع أثرية من العصر الإسلامي والقبطي - إلى عمليات سلب ونهب من تجار الآثار والبلطجية، وهدم المدينة الأثرية بالكامل، وسط غياب قوات الشرطة. الأمر لم يتوقف عند السرقة عمليات التنقيب عن الآثار، بل تطور إلى اتخاذ بعض المناطق الأثرية كمدافن للموتى، حيث أصدر المحافظ السابق، اللواء صلاح الدين زيادة، قرارًا بعودة الدفن مرة أخرى بمنطقة الجبانة القديمة بالبهنسا، رغم قرار المجلس الأعلى للاثار عام 2003 بمنع الدفن هناك؛ كونها منطقة حفائر أثرية، وكشفت بعض الخرائط عن وجود بعض القطع الأثرية، تمهيدًا لإيفاد بعثات للتنقيب. الصرف الصحي يُهدد المنازل
تحولت شوارع المحافظة إلى برك ومستنقعات، ومرتعًا للحشرات، والروائح الكريهة؛ بسبب تهالك شبكة الصرف، ما تسبب في انهيار بعض جدران المنازل.
وتسيطر حالة من الغضب على أهالي مدينة سمالوط؛ بسب تكرار انفجار مواسير الصرف وتهالكها، وعدم خضوعها للمواصفات اللازمة.
واشتكى الأهالي من مياه الصرف الصحي التي تغرق شوارع مراكز ملوي وسمالوط والمنيا، الأمر الذي أدى لتشقق جدران بعض المنازل.
أكوام القمامة تحاصر المارة أصبح انتشار أكوام القمامة بشوارع قرى ومراكز المنيا، أمر اعتاد عليه الأهالي، ووصل الامر إلى محاصرة القمامة للمستشفيات والمؤسسات الحكومية. في مدينة المنيا، عاصمة المحافظة، تعاني مناطق شركة مياه الشرب، ومستشفى الأمراض الجلدية، انتشار أكوام القمامة، وسط شكوى الأهالي من انتشار الذباب بشوارع طه حسين، عدنان، ورمسيس، فضلاً عن الروائح الكريهة. مياه الشرب "سُم قاتل" "لا تشرب المياه، فيها سم قاتل".. هذا هو لسان حال الأهالي، ومعاناة مستمرة من تلوث مياه الشرب، خاصة في ظل وجود مصرف إطسا بمركز سمالوط، الذي يصب أكثر من 10 آلاف لتر مكعب من مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي يوميًا، ما يتسبب في تلوث مياه الشرب، وإصابة أهالي المحافظة بالفشل كلى، وتأثيره بالسلب على الثروة السمكية، والأراضي الزراعية.
مسلسل التعديات على نهر النيل تبذل مصر قصارى جهدها؛ لضمان حصة مصر في مياه نهر النيل، وعدم التأثر ببناء سد النهضة الإثيوبي، لكن البعض لا يلتفت للمخاطر والتهديدات التي نواجهها، خاصة مع استمرار التعدي على نهر النيل، وردم ضفافه وبيعها بالمتر، وإنشاء المنازل عليها، وتوصيل مرافق لها رغم صدور قرارات إزاله لم تنفذ بعد. وكشف تقرير صادر عن الإدارة العامة لتطوير وحماية النيل، أن الفنادق والمراسي النيلية ونوادي الشرطة والقضاة، الأكثر تعديًا على حرم النهر.
السلاح في يد الجميع بالمنيا العصا الخشبية الغليظة، أثر ما يميز أهالي محافظات الصعيد، مع كثرة أوجه استخدامها، تارة في حفلات الزفاف، واخرى في المشاجرات. لكن الوضع تبدل للأسوء، حيث استبدل البعض العضا بالأسلحة النارية، ليرتفع عدد حامي الأسلحة النارية غير المرخصة، وتسجل معها دفاتر مديرية الصحة بالمحافظة، عددًا من الضحايا والمصابين جراء المشاجرات المسلحة.
مافيا الأراضي الصحراوية في قرى الظهير الصحراروي الغربي، تفتقد القرى الواقعة بهذا الظهير للتواجد الأمني، ما نتج عنه انتشار البلطجية، ومافيا الاستيلاء على الأراضي الصحراوية، التي يمتكلها مواطنين من خارج زمام تلك القرى، تحت تهديد السلاح، على أن يتم منحها لهم مرة أخرى مقابل الحصول مبلغ مالي كل عام.
مراكز الشباب أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة باعتبار العام الجاري هو عام الشباب، لكن مسسؤولي الشباب والرياضة بالمنيا، كان لهم رأيا آخر، بعد أن انصرف الشباب عن ممارسة الرياضة بمراكز الشباب، متجهين إلى المقاهي، وتناول المواد المخدرة. تحول مركز قرية زهرة إلى نقطة شرطة، بعد أن قام مجلس إدارته منذ أكثر من 5 سنوات، بتأجيره إلى وزارة الداخلية، ليكون مقرًا لنقطة شرطة القرية، الأمر نفسه بمركز شباب الساحة بمدينة المنيا، الذي تحول إلى "خرابة"، فضلاً عن وجود العديد من الملاعب المهجورة، ومنها ملعب سكة تلة، وملعب مدينة المنيا الجديدة، وملعب كورنيش النيل. أطفال الشوارع "قنبلة موقوتة".. هكذا أطلق أهالي المحافظة على انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، خاصة مع تزايد أعداد هؤلاء الأطفال بالمحافظة، التي تضم 5 آلاف طفل وفق آخر إحصائية عام 2012، ويعمل معظم هؤلاء الأطفال بمجال جمع القمامة، ونقلها لمقالب خاصة بالأهالي، ويقومون بتفريغها مقابل الحصول على مبالغ زهيدة، متخذين من الكباري والشوراع مآوى لهم.
كباري آيلة للانهيار تعاني كباري المحافظة من التهالك بشكل كبير، مما يجعلها عرضة للانهيار في أي وقت، حيث تشقق كوبري النجدة بسبب تكوينه من أرضية خشبية، وتعرض كوبري المحرص للهبوط، فيما تم إغلاق باقي الكباري؛ بسبب التدهور الكبير لها دون أي عمليات تطوير.