في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من ارتفاع عجز الموازنة العامة، تعاني منه كافة الوزارات، ومن بينها "الصحة"، التي لم تتمكن من توفير ميزانية لتنفيذ حكم صرف بدل العدوى للأطباء، أعلن الدكتور أحمد عماد الدين راضي، وزير الصحة والسكان، موافقة مجلس الوزراء، على تعاقد الوزارة مع أطباء استشاريين "يتمتعون بكفاءة عالية"؛ للعمل بمستشفيات المناطق النائية، مقابل مكافأة يومية تصل إلى 1400 جنيه في اليوم. القرار من الناحية الظاهرية يبدو جيدًا، وأحد العوامل والمحفزات القوية ووسائل الجذب الإيجابية للأطباء للعمل بتلك المناطق النائية، في سبيل توفير الخدمة الطبية المناسبة للمواطنين بأي تكلفة مادية في تلك الأماكن المحرومة من الخدمات الا ستشارية التخصصية، لكنه في باطنه بحسب تصريحات نقابة الأطباء وشهادة عدد من الأطباء المغتربين العاملين في تلك المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة، التي تبعد مئات الكيلومترات عن مناطقهم السكنية ليست أكثر من "شو إ علامي" يفتقد للخطة والرؤية العامة؛ لإ صلاح المنظومة الطبية في مصر، ويُعد تلاعبًا بالمال العام من وجهة نظرهم . «الأطباء»: «شو إعلامي» وتلاعب بالمال العام "أن القرار ما هو إلا شو إعلامي، وتلاعب بالمال العام"، هذا ما يؤكده الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام للنقابة العامة لأطباء القاهرة، الذي أوضح أن جموع الأطباء "الأخصائي، المقيم، التكليف" الذين يعملون في تلك المناطق، لا يأخذون مستحقاتهم المالية وبدلات الراحة الخاصة بهم، معقبًا: "كبيرهم لا يتحصل على ألفي جنيه شهريًا". أضاف أن مثل هذا القرار لا يصب في صالح المنظومة الصحية في مصر، ولابد من وجود قواعد عامة للعمل في المناطق النائية ووضع محفزات عالية أمام أطباء "التكليف، المقيمين والأخصائيين"، قبل إرسال استشاريي الوزارة لهم، ممن يتقاضون مكافآت مالية تتجاوز 40 ألف جنيه شهريًا. أضاف "الطاهر"، ل"التحرير" أنه لابد من حزمة إجراءات عاجلة وإصلاحات عامة للمنظومة الصحية، بداية من بحث تلك الأماكن التي سيتم أخذ الاستشاريين منها، وتحديد تلك المناطق الأخرى النائية التي تحتاج إلى خبرات هؤلاء الأطباء الاستشاريين؛ وصولا إلى تحسين أوضاع الأطباء المقيمين هناك وزيادة أجور الأخصائيين، وأطباء التكليف في تلك المناطق وتحسين معيشتهم وتوفير الغقامة الكريمة لهم، ومنحهم بعض المحفزات الممنوحة للأطباء في قانون 14 لسنة 2014. ذلك القانون الخاص بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، الذي يحرم الأطباء من أهل البلد الأصليين من تلك الحوافز والبدلات، ما يحمل شبهة عدم الدستورية، ويعد تلاعبًا بالمال العام، رغم أن الطبيعي أن يتم تشجيع أهالي المنطقة بدلا من قرارات "ترقيع" مفاجئة بغرض الشو الإعلامي، بحسب تعبيره. معاناة أطباء المناطق النائية عدد من الأطباء الأكفاء يدفعون ثمن حبهم للمهنة من سنوات عمرهم اغترابًا عن ذويهم، وبيوتهم للعمل في مستشفيات عامة ومراكز طبية متخصصة تابعة ل"الصحة" يطلقون عليها أنها "طاردة للأطباء"، في عدد من محافظات شمال سيناء والبحر الأحمر والوادي الجديد ومرسى مطروح وغيرها من محافظات صعيد مصر. الدكتور محمد سعد غزال، مدير معهد ناصر للبحوث والعلاج التخصصى لجراحة القلب والقسطرة الداخلية بمطروح، أحد هؤلاء الأطباء المغتربين، يرى أن هذا القرار الوزاري خطوة جيدة على طريق إصلاح المنظومة الصحية في مصر، وتوفير الخدمة الطبية للمواطن في تلك المناطق النائية، لكنها غير مكتمله بآلية تنفيذ وخطة عملية مدروسة ومعلنة، ولن يتم تصديقها إلا بعد التنفيذ على أرض الواقع واستمرارها، وتقييمها للخروج بنتائج ملموسة على الخدمة الطبية المتردية في تلك المناطق النائية، التي تدفع المواطنين والأطباء على حد سواء للهرب من تلك الأماكن والبحث عن مستشفيات ومراكز أخرى آدمية. يستدرك غزال: "كثير من القرارات الوزارية تصدر دون غطاء مالى كافٍ، وتمثل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة حال عدم التنفيذ؛ لأنها حينذاك تُفقِد الناس الثقة، ولكن مع توافر الإمكانات المالية الكافية، لا بد من توافر إقامة ومعيشة ملائمة وخدمة طبية آدمية في الوقت ذاته". «الصحة»: ال 1400 جنيه مبلغ زهيد جدًا.. المهم صحة المواطن في محاولة لكشف خلفيات القرار، أوضح الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، أن صحة المواطن أكثر ما يهم الوزارة، قائلًأ: "مايهمنيش الأطباء اللي هيعرفوا ياخدوا حقهم بأي طريقة، ولكن اللي يهمني المواطن الغلبان الفقير اللي بيدوخ عشان يلاقي الخدمة الطبية المحترمة في الأماكن دي". أكد مجاهد أن مثل مبلغ 1400 جنيه لاستشاري في اليوم، "زهيد جدًا"، وتقدمه الدولة له لتوفير الخدمة الطبية في منطقة محرومة بشكل تام من الخدمات، داخل المستشفيات العامة والمراكز الطبية المتخصصة التابعة للوزارة، والتي يوجد بها ندرة في التخصصات، والأطباء لا يُقبلون عليها، والمواطن يضطر لقطع المسافات الطويلة إلى العاصمة من أجل العلاج. فيما أوضح الدكتور محمد أيمن رجب، رئيس قطاع الصحة السابق بوزارة الصحة أن القوافل الاستشارية الطبية كانت تتم على مدار 30 عامًا، عبر خطة عامة وواضحة؛ لتوصيل الخدمة الصحية إلى المواطن بأي تكلفة مادية في المكان المتواجد به من محافظات الجمهورية.