الصحة: قرار سياسي لوضع المريض في مواجهة مع الحكومة أربعة أيام قضاها الطفل "ع.م" داخل مستشفى زفتى العام بمحافظة الغربية، بعد دخوله في غيبوبة سكر مفاجئة، وعزله داخل إحدى غرفة الاستقبال داخل المستشفى المطورة لعلاج المواطنين بالمجان أو عبر جوابات التأمين الصحي.. ولم يكن يتخيل أهل الصغير، صاحب الاثنى عشر ربيعًا، المُصاب بالسكر، أنهم داخل أروقة مستشفى استثماري عام، وسيُتحملون علاجه على نفقتهم الخاصة، بداية من حجز سرير ودفع ثمن تذكرة العلاج الاقتصادي، التي تتجاوز ال 350 جنيهًا، وصولًا إلى رسوم تذاكر الفحوصات الطبية والأشعة والخدمات الطبية المقدمة، وشراء كافة الأدوية والمحاليل الطبية اللازمة للعلاج، والمتابعة عبر العيادات الخارجية والصيدليات الخاصة، والتي من المفترض توفرها أي منشأة صحية عامة بالمجان. طوال أيام حجزه داخل المستشفى العام، تحمل الأهل المكلومون تكلفة شراء كافة المستلزمات الطبية اللازمة له من الخارج على نفقتهم الخاصة، من الصيدليات الخاصة وشركات المستلزمات الطبية، با ستثناء جهاز قياس السكر الوحيد الموجود بالمستشفى داخل غرفة العناية المركزة، الذي كان يُعطي مؤشرات ونسب متضاربة كثيرًا، وكانوا يشاهدون طفلهم وحالته تتدهور كل يوم، وهم لا يقدرون على فعل شيء، حتى اتخذ قرار الخروج النهائي للمتابعة مع أحد الأطباء المختصين في علاج اضطرابات الغدد الصماء والسكر، بعد فشل رحلة العلاج والتشخيص لحالته داخل المستشفى العام . رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على مغادرته المستشفى، واستخراج جواب من مديرية التأمين الصحي التابع لها بتكلفة العلاج، إلا أن أهل الطفل لم يتمكنوا من استرداد ثمن تذكرة العلاج الاقتصادي، والفحوصات الطبية الشاملة، فضلًا عن التكاليف الباهظة لشراء الأدوية وأشرطة قياس السكر من الصيدليات الخاصة، وذهبت عليهم أموال "التذكرة" وغيرها من المصاريف، في أربعة أيام لم يكن من وراءها جدوى . بروتوكول العلاج المجاني خلال وقفتهم الاحتجاجية الجمعة 12 فبراير، أقرت الجمعية العمومية الطارئة للأطباء بالإجماع، تنفيذ بروتوكول العلاج المجاني، الذي بموجبه لا يتعامل أي طبيب من خلال التذاكر الاقتصادية أو الإيصالات الخاصة بالتحاليل والأشعة وكافة الخدمات العلاجية الأخرى، مع إغلاق العيادات الخارجية المدفوعة التي تقدم الخدمة الصحية بأجر، ويتم توجيه المريض لاستصدار تذكرة استقبال لكتابة الفحوصات الطبية المطلوبة منه عبر "تذكرة عيادة خارجية"؛ ليتم صرف الدواء والعلاج بموجبها بالنظام المجاني. سيكلف هذا البروتوكول ميزانية الدولة 17 مليار جنيه، بحسب تصريحات رسمية؛ لعدم تحصيل أي رسوم تحت أي مسمى لصالح الدولة مقابل الخدمات والفحوصات الطبية المقدمة. أعلنت نقابة الأطباء تنفيذ القرار ابتداءً من السبت المقبل، بجميع المستشفيات العامة والمركزية والمراكز والوحدات الصحية، وكذلك المستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي، والمؤسسة العلاجية وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية والمراكز الطبية المتخصصة، على أن يجرى الكشف على أي مريض بموجب تذكرتي الاستقبال والعيادة الخارجية بالنظام المجاني، في المنشآت الطبية التي لا يوجد بها قسم استقبال، وألا يتم حجز أي مريض بالمستشفى بالنظام الاقتصادي أو الفندقي. حق للمريض يحفظ كرامة الطبيب وصف الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، البروتوكول بأنه "حق أصيل للمريض، الذي لا يملك ثمن العلاج في مستشفيات خاصة، ويذهب للعيادات الخارجية، والمستشفيات العامة المنقوصة الخدمات، وفي الوقت ذاته يحفظ كرامة الأطباء، الذين قرروا الاستغناء عن أموال المكافآت الممنوحة لهم عبر تلك الرسوم الإجبارية، التي يتم تحصيلها من المرضى على بوابة الدخول، دون أدنى تأمين للمنشأة الصحية، التي يُعالج بداخلها أو توفير الخدمة الطبية المناسبة له". "عاوزين بس القانون يتطبق عشان ناخد حقوقنا".. هكذا ترى الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، ما سمته "حالة التراخي العام من الدولة في تأمين المرضى والأطباء في المنشآت الصحية، وعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية رادعة ضد أمناء الشرطة المعتدين على أطباء مستشفى المطرية التعليمي". رسوم الخدمات الطبية تذهب في صورة مكافآت الدكتور خيري عبدالدايم، نقيب الأطباء السابق، يقول إن الأموال المحصلة عبر رسوم الخدمات الطبية، لا يستفيد المريض منها بشئ، إنما في معظم الأحوال تذهب في صورة مكافآت وحوافز للإداريين والأطباء، الذين قرروا الاستغناء عنها خلال انعقاد جمعيتهم العمومية الماضية حفاظًا على كرامتهم، مضيفًا أن العيادات الخارجية لا تستقبل سوى المرضى الفقراء، مكملًا: "الحكومة عايزة تاخد فلوس من أفقر ناس، يعني باختصار بتحط ايدها في جيوبهم، بدل ما توفر لهم الخدمة الطبية وتعالجهم بالمجان". فيما وصف الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، القرار ب"السياسي" الذي يؤثر على سير التحقيقات في قضية المطرية، خاصة أن الهتافات التي كان يتم ترديدها عبر وقفاتهم الماضية، من خلال الجمعية العمومية للأطباء، سياسية أكثر منها مهنية، ومن حق الأطباء اتخاذ أي قرارات شرط ألا تؤثر على المريض. أكد مجاهد في تصريحات خاصة أن مثل هذا القرار سيكبد الحكومة أكثر من 17 مليار جنيه يتم تحصيلها سنويًا من المواطنين من أجل تحسين الخدمات داخل المستشفيات العامة لحصول المريض على خدمات طبية جيدة . قرار سياسي ضد مصلحة المريض في المقابل، يرى الدكتور محمد أيمن رجب، مدير قطاع الصحة السابق بالقاهرة، أن مثل هذه القرارات المفاجئة تضع المواطنين في مواجهة مباشرة مع الحكومة والصيادلة؛ لأن تذكرة العيادة الخارجية المعروفة باسم "رسم العبوة" لا يتم صرف الأدوية إلا من خلالها، وتكون مطبوعة تحت اسم معين "تذاكر صحة/19"، تخرج من المطابع الأميرية، بخلاف ما كان متبعًا قبل سنوات حين كانت تُصرف الأدوية والحبوب والأقراص دون عبوة، لكن الهدف الأكبر من وراء مثل هذا القرار سياسيًا في المقام الأول؛ لإحراج الحكومة من أجل الضغط عليها في استعجال قرارات النيابة العامة بشأن أمناء الشرطة المعتدين على أطباء مستشفى المطرية التعليمي. أشار وكيل "الصحة" السابق إلى أن ثمة مستشفيات تابعة للمراكز الطبية المتخصصة لا تقدم العلاج المجاني للمرضى، إلا في حالات الطوارئ، وكذا وحدات صحية ذات طبيعة خاصة للرعاية المركزة ومراكز عناية القلب، موضحًا أنه توجد أساليب أخرى بديلة عن التصعيد ضد القضاء من الممكن أن تتخذها النقابة؛ لمنع تكرار ما حدث لأطباء المطرية، وهو أمر مشين وغير مقبول أدبيا أو عرقيًا أو دينيًا وعليهم انتظار سير التحقيقات.