فى عام 2000، أصدر المؤرخان الأمريكيان وليم شتراوس و نيل هو، كتابا بعنوان "صعود الميلنيلز/جيل الألفية... الجيل العظيم القادم"، ويعود للمؤرخين الإثنين - فى الأغلب - صك مصطلح "ميلنيلز Millennials" لتعريف الجيل المولود منذ بداية الثمانينيات فى القرن العشرين وحتى عام 2004. المصطلح تم ا ستعماله فى البداية للحديث عن ذلك الجيل فى الولاياتالمتحدة، وكيف سيصوغ شكل المستقبل هناك، ثم تم ا ستعماله لاحقاً بشكل واسع لتعريف أبناء هذا الجيل فى كل العالم فى دراسات عديدة، ا هتمت بمحاولة فهم هذا الجيل، وكيف ستؤثر شخصيته وعقله وقيمه وأنماط سلوكه فى شكل المؤسسات وطريقة أدائها ، فى الا قتصاد والسياسة ، كيف ستتغير أنماط العلاقات الإجتماعية ، كيف تبدو مقاربتهم لما هو ديني؛ خطاباً ومؤسسات، علاقتهم الأصيلة بالتكنولوجيا لدرجة ا عتبارهم "مواطنين رقميين أصليين". ظهرت أيضا دراسات وكتب هامة فى هذا الإطار عن الميلنيلز والربيع العربى والمسارات التى تلته. بحث مبدئي على محركات البحث على إنترنت يظهر بوضوح ندرة ما كتب بالعربية أو حتى ما تم ترجمته إليها من أبحاث ودراسات وكتب حول الميلنيلز. هل للأجيال "شخصية"؟ إجابة السؤال قد تبدو بديهية للبعض من محبى الإجابات البسيطة، فنحن لا نحتاج لعلماء إجتماع ومؤرخين لملاحظة أن إبن العشرين يختلف عن صاحب الخمسة وأربعين أو السبعين عاماً، يبدو أن المسألة أعقد من ذلك، فالسؤال ليس عن اختلاف المراهقين عن الكبار ولا عن "صراع الأجيال"، ذلك التعبير الذى تحول إلى كليشيه مبتذل من كثرة وسوء استعماله، محاولة فهم هل للأجيال "شخصية" ولما تختلف أجيال عن بعضها، تتطلب قدر معتبر من البحث لفهم الحد الأدنى من السمات المشتركة لتلك الأجيال وأنماط سلوكها وقيمها وعلاقاتها البينية وعلاقاتها بالأجيال الأخرى وعلاقتها بالسياقات المحيطة بها. على كل الأحول يجيب العديد من الباحثين فى العلوم الإجتماعية على هذا السؤال بنعم حتى وإن إختلفت تفاصيل الإجابات، هنا يؤخذ فى الإعتبار سمات جيل ما الآن وإحتمالات تغيرها فى المستقبل بولوجهم مرحلة عمرية جديدة ، مثل واضح هنا هو جيل "البيبي بومرز" Baby Boomers/ جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذى صنع حركات الطلبة فى 1968 حتى وصول ممثل مثالى له إلى البيت الأبيض فى بداية التسعينيات: بيل كلينتون الذى واجه حينها جورج بوش الأب المولود 1924 ، عام واحد قبل بداية "الجيل الصامت Silent Generation" 1925 – 1945، أداءات وقيم البيبى بومرز تغيرت بتفاعلها مع الأحداث و الزمن من لحظة الحراك إلى لحظة الوصول للسلطة. اعتبار آخر هام للفهم هو طبيعة الأحداث والسياقات التى يمر بها جيل ما فى لحظات تكون وعيه فمثلا "البيبي بومرز" مرورا بلحظات تغيرات إجتماعية ضخمة فى الولاياتالمتحدة نحو مجتمع أكثر تحررا، ساهموا هم فى صنعه ومعه صراع سياسي صاحب حرب فيتنام ، تقفز أسئلة الآن عن الميلنيلز من يتشكل وعيهم فى لحظات تكون عالم جديد - كما أشرت فى مقالى السابق "25 يناير.. علامات البدء" – فى لحظات ولادة حضارة إنسانية جديدة يتغير فيها شكل السياسة والاقتصاد والثقافة والدين والقيم ويتطور العلم بسرعة مهولة تتضاعف معها المعرفة لإنسانية بوتيرة لم تعرفها البشرية قبلا، السياقات تبدو أعقد كثيرا والميلنيلز – صناع المستقبل على المدى القريب والمتوسط - يبدون أكثر تركيباً من أجيال سابقة يتفاعلون مع تسونامى تغيير على كل الأصعدة وفى كل المجالات منتجين ومستهلكين للتغيير فى صيرورة لا تنتهى ومتواصلين بشكل شبكى مكثف مستمر عبر إنترنت ووسائط التواصل الاجتماعى مع كل الآخرين مرسلين ومستقبلين لرسائل مركبة متعددة الأبعاد فى مجال حر غير خاضع لأصحاب القوة التقليدية : الحكومات والبيزنس. وفى مصر للأمر خصوصية، فعلى حسب الأرقام الرسمية أبناء هذا الجيل يقاربون نصف سكان الجمهورية. كتلة بشرية هائلة تدخل سوق العمل ، تستهلك ، تتفاعل مع المؤسسات التقليدية ، تمارس السياسة بعد إزاحة ديكتاتور ظل فى الحكم لثلاثين عاماً ثم إزاحة حكم جماعة دينية بعد صراع قصير ، هذه الكتلة البشرية فى مصر ايضاً متصلة بالتكنولوجيا بشكل مكثف تتفاعل معها إجبارياً ليس فقط على مستوى المنتجات ولكن الأهم على مستوى العقلية والمنطق ، أظن أنه لا يمكن فهم ما يصير فى مصر منذ يناير 2011 بدون محاولة فهم هذا لجيل وتفاعالاته مع ما ومن حوله. جيل الألفية فى مصر جزء من سياق عالمى يدافع فيه معظم أبناء جيلهم – فى تصورى – حول العالم عن "قيم كونية" عن الحق والعدالة والكرامة للجميع ، الميلنيلز أبطال صغار جدد للمشهد الجديد فى مصر والعالم يتحركون من نقاط إنطلاق مختلفة عما أعتادته مجتمعات قديمة متكلسة ، يتحركون بوعى مغاير وقيم مغايرة وعقل مركب ديناميكي وأدوات أحدث وذهن أكثر إنفتاحاً وإبتكار على مستوى الفعل وإبداع فى رد الفعل، صراع مجموعات الأولتراس مع شبكات مافيا المصالح الرياضية وممثليها يبدو مثالاً صغيراً دالاً يستحق الدراسة... أنماط حياة الميلنيلز، أولوياتهم، مظهرهم، أنماط إستهلاكهم، علاقاتهم بالتكنولوجيا وشبكات التواصل الإجتماعى ومعها أنماط علاقاتهم الاجتماعية، قيمهم العائلية وقيم العمل الخاصة بهم، علاقتهم بالسياسة وإنخراطهم فى العمل المدنى، آرائهم الدينية وأنماط تدينهم وسلوكياتهم المرتبطة بها، كل هذا تم بحثه فى دراسات ميدانية عديدة بأحجام عينات إحصائية ضخمة على مستوى العالم، ونشرت كتب هامة عن محاولة فهم هذا الجيل وكيف سيؤثر، أظن أن ما نشر فى مصر ليس بالكافى، أحاول مقاربة بعض هذه الأبعاد المتشابكة فى مقالات قادمة.