مع بزوغ شمس يوم 26 يناير من كل عام تعود إلى الأذهان صور "حريق القاهرة"، وهى الجريمة البشعة التى وقعت قبل 64 سنة، وتحديدا فى 26 من يناير 1952، ولم تنجح الجهات المختصة فى الكشف عن أسباب الحريق والمتورطين فيه حتى الآن. ويعتبر حريق القاهرة من أبشع الأحداث التى تعرضت لها مصر خلال القرن العشرين، وأكثر صفحات تاريخها غموضًا، وأشدها تأثيرًا فى مجريات الأمور، وظل هذا الحادث لغزًا، لا يدرى أحد من قام به على وجه التحديد هل رتبته إحدى الجهات صاحبة المصلحة فى إجهاض حركة الشعب الثائرة ضد الفساد والاحتلال؟ أم بدأ عفويا تلقائيا كرد فعل لما حدث من مذبحة لرجال الشرطة المصريين فى الإسماعيلية فى اليوم السابق، ثم استغلته جهات مختلفة وحاولت استثماره ليخدم مصالحها وأهدافها؟ البداية تمرد بدأت أحداث حريق القاهرة بتمرد عمال الطيران فى مطار "ألماظة"، ورفضوا تقديم الخدمات لأربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنجليزية، تبعها تمرد البوليس فى ثكنات العباسية تضامنا مع زملائهم، الذين تعرضوا للقتل والأسر فى الإسماعيلية، وأعقب ذلك تجمع آلاف المتظاهرين، ثم زحفوا تجاه الجامعة، وانضم إليهم الطلاب. واتجه المتظاهرون إلى مبنى رئيس الوزراء، مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وإعلان الحرب عليها، ثم توجه المتظاهرون إلى قصر عابدين، وانضم إليهم طلبة الأزهر، وتجمعت حشود المتظاهرين الساخطين على الملك وأعوانه والإنجليز، وفى أثناء ذلك اندلع حريق القاهرة، وخلال ساعات كانت النار قد التهمت نحو ٧٠٠ محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب وناد فى شوارع وميادين وسط المدينة. النيران تلتهم فجأة ودون مقدمات بدأت الشرارة الأولى لحريق القاهرة منتصف يوم 26 يناير من ميدان الأوبرا بإشعال النيران فى كازينو "أوبرا"، وانتشرت النيران فى فندق شبرد، ونادى السيارات وبنك بركليز وغيرها من المتاجر ومكاتب الشركات ودور السينما والفنادق والبنوك وكان التركيز على الأماكن والملاهى الليلية التى ارتبطت بارتياد فاروق لها والمؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية، وطالت الحرائق أيضًا أحياء الفجالة، الظاهر، القلعة، ميدان التحرير، وميدان محطة مصر، وسادت الفوضى وأعمال السلب والنهب حتى نزلت فرق الجيش إلى الشوارع قبيل الغروب، فعاد الهدوء إلى العاصمة، واختفت عصابات السلب والنهب، وأعلنت الحكومة الأحكام العرفية، ولكن لم يتم القبض على أى شخص فى هذا اليوم. وأعلن «النحاس» الأحكام العرفية، وأعلن نفسه حاكمًا عسكريًا عامًا، وحظر التجول فى القاهرة والجيزة من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وهناك كتب وأبحاث تناولت حريق القاهرة ومنها كتاب للدكتور محمد أنيس صدر فى التسعينيات ودراسة لجمال الشرقاوى صدرت فى أواسط السبعينيات بعنوان «أسرار حريق القاهرة فى الوثائق البريطانية». خسائر الحريق اختلفت الروايات فى عدد من قتل فى ذلك اليوم نتيجة الحرائق والشغب، لكن جمال حماد فى كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو" ذكر أن 26 شخصًا قتلوا فى ذلك اليوم 13 فى بنك باركليز و9 فى الترف كلوب، والباقون داخل بعض المبانى والشوارع، كما دمرت النيران ما يزيد على 700 منشأة. من وراء الحريق؟ تضاربت التصريحات وأقوال المؤرخين فى من كان وراء حريق القاهرة فى ذلك اليوم، فهناك من يقول إن الملك فاروق كان وراءه، ليتخلص من وزارة النحاس باشا، وهناك من يقول الإنجليز للتخلص من وزارة النحاس التى ساءت علاقتها به بعد إلغاء معاهدة 1936، وهناك من يقول حزب "مصر الفتاة" والإخوان المسلمين، لكن لم تظهر حتى الآن أدلة مادية تدين أى طرف فى إشعال هذه الحرائق، لذلك سيبقى حريق القاهرة لغزًا ينتظر الحل، بل أكثر الحوادث غموضًا فى تاريخ مصر، ولا أحد يدرى حتى الآن من قام به؟ هل رتبته قوات الاحتلال البريطانى لتوقف المقاومة؟ أم أنه بدأ عفويا تلقائيا؟ وقال الكاتب محمد حسنين هيكل تعليقًا على الحادث: "أنا مش معتقد لغاية هذه اللحظة إن عملية حريق القاهرة بدأت بتدبير مقصود على هذا النحو، لكن أنا باعتقد إنه كان ركام وعود كبريت قرّب من الركام والدنيا ولعت لكن أظن إنه العفوى فيه ابتدا ثم دخل الجزء المنظم".