على الرغم من مرور أكثر من 64 عامًا على حادث حريق القاهرة الذى راح ضحيته 26 مواطنًا وإصابة أكثر من 550 آخرين وتشريد الآلاف من المواطنين الذين احترقت منازلهم فى ذلك اليوم, إلا أنه حتى الآن لم يعرف أسباب هذا الحريق ومن الذي قام به. وتعود أحداث المأساة إلى صباح يوم 26 يناير 1952 عندما تمرد عمال الطيران في مطار ألماظة بالقاهرة ورفضوا تقديم الخدمات لأربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنجليزية، تبعها تمرد بلوكات النظام "البوليس" في ثكنات العباسية تضامنا مع زملائهم الذين تعرضوا للقتل والأسر في الإسماعيلية. وزحف المتظاهرون تجاه الجامعة وانجرف معهم الطلبة، واتجهوا إلى مبنى رئيس الوزراء، مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وإعلان الحرب عليها، فأجابهم عبد الفتاح حسن وزير الشئون الاجتماعية بأن الوفد يرغب في ذلك ولكن الملك يرفض، فقصد المتظاهرون قصر عابدين وانضم إليهم طلبة الأزهر وتجمعت حشود المتظاهرين الساخطين على الملك وأعوانه والإنجليز. وبدأت أول شرارة للحريق بميدان الأوبرا بإشعال النيران في كازينو أوبرا، وبعدها انتشرت النيران في فندق شبرد ونادي السيارات وبنك بركليز، وغيرها من المتاجر ومكاتب الشركات ودور السينما والفنادق والبنوك، وكان التركيز على الأماكن والملاهي الليلية التي ارتبطت بارتياد فاروق لها والمؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية. وكانت أبرز الأحياء التى طالها الحريق هى أحياء الفجالة والظاهر والقلعة وميدان التحرير وميدان محطة مصر وبعد أن التهمت النيران معظم هذه الأحياء ساد النهب والسرقة وانتشر العنف, واستمرت هذه الأحداث حتى نزول فرق من الجيش إلى الشوارع. واختلفت الروايات فى عدد القتلى ولكن الكاتب جمال حماد ذكر فى كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو" أن 26 شخصا لقوا مصرعهم فى ذلك اليوم 13 في بنك باركليز، 9 في الترف كلوب، والباقي داخل بعض المباني والشوارع. والتهمت النيران فى ذلك اليوم 700 مكان ما بين محلات وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة، أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر آنذاك مكتبًا لشركات كبرى و117 مكتب أعمال وشقق سكنية و13 فندقًا كبيرًا مثل شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا و40 دار سينما منها ريفولي وراديو ومترو وديانا وميامي و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات و10 متاجر للسلاح و73 مقهى ومطعمًا وصالة و92 حانة و16 ناديًا، أي أن النيران أحرقت كل المظاهر الحضارية للقاهرة وشلت كل مراكز التجارة بها. واختلف الكتاب حول فاعل هذا الحريق فهناك من يقول إن الملك فاروق كان وراءها ليتخلص من وزارة النحاس باشا، وبالطبع هذا كلام لا يعقل، وهناك من يقول الإنجليز وذلك للتخلص من وزارة النحاس التي ساءت علاقتها بها بعد إلغاء معاهدة 1936م، وهناك من يقول حزب مصر الفتاة والإخوان المسلمين، ولكن لم تظهر حتى الآن أدلة مادية تدين أي طرف في إشعال هذه الحرائق, ولكن الأيام التي تلت دلت على أن الحدث كانت له نتائج فاقت كل التوقعات وعصفت بمصالح كل الأطراف لصالح ما يريده الشعب. ويعتبر حريق القاهرة في قائمة كوارث أخرى تعرضت لها مدينة القاهرة العظيمة على مدار ألف عام مثل حرق مدينة القطائع أيام الإخشيديين والألف قتيل وضحايا عام 1919 وغيرها الكثير، كما يندرج هذا الحريق ضمن أخطر الحرائق التي تعرضت لها بعض المدن الكبرى مثل حريق روما أيام نيرون وحريق لندن الكبير في القرن السابع عشر وحريق موسكو أيام غزو نابليون لروسيا. يظل حريق القاهرة أكثر الحوادث غموضا في تاريخ مصر ولا أحد يدري حتى الآن من قام به؟ وهل رتبته قوات الاحتلال البريطاني لتوقف المقاومة؟ أم أنه بدأ عفويًا تلقائيًا؟